أتباع واحد يرفضون نجدته ويتركونه يخسر كل شيء لصالح ميغاواتي

TT

بيما كان البرلمان الاندونيسي يستعد يوم الاثنين الماضي لبدء اجراءات خلع الرئيس الاندونيسي عبد الرحمن واحد بتهمة عدم الكفاءة والفساد، ناشد واحد انصاره الذين تعتريهم الحماسة المجيء لنجدته. فقبل 3 سنوات انطلق الاف من المتظاهرين من انصار الديموقراطية الى الشوارع لاسقاط الدكتاتور الجنرال سوهارتو الذي طال عهده الى 32 عاما، ولكنهم لم يستجيبوا هذه المرة لدعوة واحد بالخروج الى الشوارع، وخابت توقعات انصاره لانفجار اعمال العنف في ارجاء البلاد.

وبينما تشبث واحد امس ببقائه في القصر الرئاسي، تصاعدت هتافات بضع مئات من الاصوليين المتظاهرين في خارجه. ومقابل الحرس المدججين بالاسلحة والاسلاك الشائكة التي انتشرت في كل مكان كان باعة مشروبات الصودا والمياه الغازية وشرائح البطيخ المثلج يبيعون بضاعتهم للغادين والرائحين، بما اضفى على جاكارتا جوا مسترخيا اقرب الى الكرنفالات منه باجواء التوتر والمواجهات.

ويبدو ان الازمة الاخيرة حول السلطة التي شهدتها اندونيسيا تفتقد الى عنصر الالتفاف الجماهيري قبالة عدو مشترك مثل شخصية سوهارتو. وبعد اسقاط سوهارتو يبدو ان التعب حل بالجماهير الطلابية. ويقول هارتونو صوفي رئيس اتحاد الطلبة في جامعة «تاروما ناغارا»: «كان عام 1998 الفرصة الاولى التي اتيح لنا خلالها التعبير عن انفسنا، وكنا نشعر باثارة اكبر مما نشعر به الآن». مع ذلك فثمة عناصر مهددة للاستقرار قد تجد لها صدى في عهد الرئيسة ميغاواتي سوكارنو التي شرعت في تشكيل حكومتها هذا الاسبوع.

وعلى نحو ما جرى من تغيير رئاسي في الفلبين المجاورة قبل 6 اشهر، تبدو الاجواء السياسية الاندونيسية ملبدة بالغيوم وبعملية دستورية مشوشة، لا تعلم فيها على وجه التحديد كيفية تغيير زعيم بآخر للبلاد. وفي الحالتين شهدنا اداء رئيس جديد للقسم الدستوري قبل ان يستقيل الرئيس الحالي. وتماما كما رفض الرئيس الفلبيني السابق جوزيف استرادا التخلي عن «حقه» في الرئاسة، ويواصل حشد اتباعه المخلصين، الذين يرغبون في عودته الى كرسي الحكم، فان الرئيسة الجديدة لاندونيسيا قد تكتشف ان مدتها الرئاسية مسممة بمزاعم واحد وانصاره بانه الاحق في رئاسة اندونيسيا.

وكما ان فلول المتظاهرين في الفلبين لم يكن لها وزن في تغيير القرار الذي اتخذته النخب السياسية بعزل استرادا من منصبه، لاقى نفس المصير جموع الطلاب المتمرسين خارج القصر الرئاسي الذين هتفوا: «صوت الشعب جرى تجاهله في جاكارتا».

وعلى هذا الصعيد يقول ولدان حسن صيدزيلي دارس العلوم القرآنية في معهد الدراسات الاسلامية في جاكارتا: «انهم يتجاوزون الديمقراطية، وما تعلمناه من المرة الماضية ان الطلاب هم حماة الديمقراطية». وكان صيدزيلي رئيس اتحاد الطلبة في جامعته من بين جموع الطلاب الذين تخندقوا داخل مبنى البرلمان الاندونيسي في عام 1998، غير ان الحلبة السياسية الاندونيسية اليوم باتت مشرذمة اكثر مما كانت عليه في عام 1998، كما ان الرأي العام بين طلاب الجامعات لم يعد موحدا. وهناك سبب آخر وراء رد الفعل الفاتر على التغيير الرئاسي الاخير في اندونيسيا يتمثل في سرعة انقسام الحركة الطلابية التي كسبت قوة كبيرة بمعارضة سوهارتو في عام 1998 على نفسها، ازاء دعم خليفته بحر الدين يوسف حبيبي. ويشير جيفري ونترز استاذ الاقتصاد السياسي في جامعة نورثويسترن الى انه «منذ ذلك الحين والبلاد تشهد حالة من الجمود، فالنظام القديم اصابه الضرر ولكنه لم يقوض بالكامل. كما لم يطرح بديل جديد او خطاب جديد، بل ان الدوافع الوحيدة لتلك الحركة تمثلت في التخلص مما كان موجودا فقط».

ويضيف صوفي، البوذي، ان وسائل الاعلام رسمت صورة غير صحيحة لانصار واحد وقصرتهم على المسلمين الاصوليين. وكان واحد يرأس منظمة نهضة العلماء التي يعتقد انها اضخم منظمة اسلامية في العالم، حيث تصل اعداد اعضائها الى نحو 40 مليون شخص.

ورغم ان عددا كبيراً من الاعضاء يكن اعجابا يكاد يصل الى تقديس شخص واحد، الذي اسس جده المنظمة، يبدو ان زعماءها الآخرين سحبوا البساط من تحت قدميه، بنهيهم الاعضاء عن اللجوء الى العنف. ومع ذلك، فان صوفي الذي يدرس الهندسة في منطقة آتشيه المضطربة يقول ان الطلاب يتركون خياراتهم مفتوحة، اذ «سنبقى مرابطين هنا حتى يسمح للرئيس واحد بالبقاء هنا، او حتى يغادر بارادته واختياره، ونحن نعتبر اللجوء الى العنف خيارا اخيرا».

وكانت الصحف المحلية قد اكتظت في الاشهر الاخيرة بتقارير حول استعداد الكثيرين تنفيذ عمليات تفجير والموت «دفاعا عن الرئيس واحد». اما اجوس شبار جوناوران الذي يعمل في احد مصانع الاحذية ويجند النشطاء في الحركة الشبابية التابعة لحزب اليقظة الوطنية الذي يرأسه واحد فيرى ان النضال لم ينته بعد. ويعلق قائلا «لن اكشف ان كان هناك وجود للمستعدين لتفجير انفسهم ام لا، ولكن هناك مشكلة لاننا مستعدين للموت في سبيل واحد. وانا شخصيا مستعد للموت لاجله، ونحن سندافع عنه حتى وإن اضطررنا الى اقتحام القصر لحمايته».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»