المناهضون للعولمة يخططون لإفشال مؤتمر الدوحة ومنظمة التجارة تأمل في تحريك جولة مفاوضات جديدة

المنظمون يبحثون الطلب من القطريين السماح باستخدام فيللهم كمنازل استضافة مؤقتا

TT

تعتري الدهشة احدى العاملات بدار «هاتشاردز» التي تعد من اقدم محلات بيع الكتب في لندن وتقول «يبدو ان الكل راغب في شراء كتاب عن قطر، وكنت شخصيا اجهل قبل بضعة ايام موقع هذا البلد، ولاول وهلة اعتقدت ان الزبائن يطلبون كتبا حول فرقة «كاتاهرز» الدينية التي تعرضت للمذابح على يد ملوك فرنسا في العصور الوسطى». فهل اصبحت قطر شبه الجزيرة الغنية بالنفط والغاز فجأة قبلة للسياحة العالمية؟

ليس بعد، ولكن يبدو انها ستصبح مقصدا يحظى بالشعبية اواخر هذا العام، والسبب في ذلك عزم منظمة التجارة العالمية على عقد قمتها المقبلة في الدوحة عاصمة قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. كما ينوي المعارضون للعولمة الذين خربوا لقاءات منظمة التجارة العالمية التي عقدت في سياتل وبراغ قبل تحويلهم جنوى الايطالية الى ساحة معركة خلال قمة الدول الصناعية الثماني التي عقدت الشهر الماضي، شد الرحال الى الدوحة لخوض معركة جديدة هناك.

ويرى مايكل مور مدير منظمة التجارة العالمية ان قمة الدوحة لها اهمية خاصة، فهناك اجماع على ضرورة التحرك باتجاه جولة تفاوضية جديدة ترمي الى خفض التعرفة الجمركية، وهذا امر مهم للغاية في انقاذ الاقتصاد المعولم من الوقوع في اسر الركود. كما يعتقد ان بمقدور قمة الدوحة تدشين عملية تزيد من حجم التجارة المعلومة لتصل الى «ما يعادل ضعفي حجم التجارة الصينية»، وتجتذب 50 دولة جديدة، اغلبها من افريقيا والدول الافقر في العالم، وتزج بها في النظام المعلوم لمساعدتها على كسر طوق الفقر، على حد زعم مور. في المقابل فان معارضي العولمة يقولون ان جولة المحادثات المقبلة ما هي الا «مؤامرة اخرى» تزيد من ثراء الدول الغنية وتضاعف من فقر الفقراء.

وكان الرئيس الاميركي جورج بوش قد اشار الى ان اجندة قمة الدوحة ذات اهمية خاصة بالنسبة لخططه في انتشال الاقتصاد الاميركي من دوامة النمو المنخفض الحالية. كما نوه وزير المالية البريطاني جوردون براون للمشاركين في اجتماع ضم كبار رجال الاعمال الاميركيين وعقد في نيويورك في الاسبوع الماضي الى ان من المتوقع التوصل الى اقرار جولة جديدة من التحرير التجاري في الدوحة، فيما يساعد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة على التحرك نحو منطقة تجارة حرة مشتركة.

في مواجهة هؤلاء هناك الفريدا كليرمان التي كانت من بين المتظاهرين ضد العولمة في سياتل وبراغ وجنوى التي تقول «لا يمكننا السماح لقمة قطر بالانعقاد، فهم يخططون لشطب التعرفة الجمركية عن المنتجات الزراعية خلال بضع سنوات، وهذا سيفتح ابواب الاسواق العالمية امام منتجات المزارع الاميركية ويقود الى تدمير المزارع في كل مكان آخر، بما فيها الاتحاد الاوروبي». ولكن هل ستتوجه الى الدوحة هذا العام؟ وتجيب «نعم، ونحن الآن نقرأ عن قطر وعاصمتها، وحضر من رفقائنا الى جنوى 85 شخصا بينما نأمل ان يوجد منا المزيد في الدوحة». كما اكد زعيم الفلاحين الفرنسيين جوزي بوف ايضا نيته في السفر الى الدوحة لاجل المشاركة في «المعركة التالية». وعبر مكالمة هاتفية معه قال بوف «اننا نخوض حربا لاجل مستقبل الحضارة، ولا يمكن ان نسمح لبضع عشرة شركة عالمية بحكم العالم من خلال منظمة التجارة العالمية ومعها عدد من المنظمات المشابهة». ويأمل بوف في ان يتمكن مئات النشطاء الفرنسيين من الوصول الى الدوحة في نوفمبر المقبل. كما سيتوجه الى هناك عدد من كبار المثقفين الفرنسيين ومن بينهم فيفيان فورستر صاحبة كتابين ضد العولمة حققا افضل المبيعات هناك، ويتوقع ان تلقي كلمة في اجتماع حاشد الى جانب نعومي كلين الاميركية مصنفة كتاب ضد العولمة من الكتب الاكثر مبيعا.

الى جانب هؤلاء يتوقع حضور عدد من المنظمات غير الحكومية مثل «اوكسفام» و«كريستيان ايد» و«أطباء بلا حدود» و«مراسلون بلا حدود» و«سايف ذا تشلدرين» للضغط على ممثلي 100 دولة يتوقع مشاركتها في قمة الدوحة. ومن المتوقع ان تلتقي الهيئة المشتركة التي اشرفت على تنظيم الاحتجاجات التي جرت في جنوى الشهر الماضي في روما في سبتمبر (ايلول) المقبل لرسم استراتيجية تهدف الى منع حصول اعمال شغب وعنف في الدوحة. وأوضح منظمو القمة انهم يجهلون عدد الاشخاص الذين سيحضرون القمة، غير ان من الواضح ان العاصمة القطرية لن تستوعب حشودا ضخمة. الى جانب ذلك فان قدرتها على استيعاب الضيوف في الفنادق محدودة، وهي تواجه معضلة في كيفية ايواء ما يقدر بـ4 آلاف من المسؤولين والصحافيين الذين سيحضرون القمة. وربما يكون من العسير على امارة قطر التي لا يتجاوز عدد سكانها 500 ألف نسمة توفير ما يلزم من وجبات الطعام لمثل الحشود التي حضرت الى المدن التي استضافت فعاليات سابقة لمنظمة التجارة العالمية. ومن بين الخطط المطروحة على هذا الصعيد الطلب من آلاف القطريين السماح باستخدام فيللهم مؤقتا كبيوت استضافة تنزل فيها الوفود والزوار خلال القمة. كما يأمل المشرفون على القمة ايضا في تقديم آلاف المتطوعين يد المساعدة كما جرى في عام 1996 عند استضافة الدوحة مؤتمر دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

وعلمنا من فنادق الدوحة امس ان كل حجوزات الفنادق لشهر نوفمبر ينبغي اجراؤها مع لجنة الاستضافة الرسمية. ولهذا فان المتظاهرين الراغبين في السفر الى قطر ربما يكتشفون ان من الصعب عليهم حجز غرف فندقية. وربما يساعد انشاء مخيم صغير في حل مشكلة استضافة المتظاهرين.

علاوة على ذلك، فان الوصول الى الدوحة بالطبع ليس بسهولة الوصول الى سياتل او براغ او جنوى. الا ان السلطات القطرية بادرت الى التأكيد لمنظمة التجارة العالمية انها ستسمح باستقبال رحلات اضافية من العواصم الاوروبية الكبرى قبل وبعد عقد القمة. وليس من الواضح بعد إن كان المعارضون للعولمة سيسمح لهم بالوفود الى الدوحة على متن رحلات خاصة، واشار مسؤول من وزارة الخارجية الفرنسية لنا امس الى ان «الاجراءات الامنية اعتبار مهم للغاية ونحن على اتصال مع السلطات القطرية بشأن هذه المسألة، كما اننا على ثقة بان كل شيء سيكون تحت السيطرة».

ومن بين المسائل المهمة الاخرى ان كانت قطر ستسمح للمتظاهرين بالدخول الى البلاد بموجب قوانين منح التأشيرات المعمول بها حاليا. وبامكان معظم مواطني الدول الغربية الحصول على تأشيرات دخول لحظة وصولهم الى قطر، شريطة ان يكون هناك كفيل لهم. وغالبا ما يتغاضى عن هذا الشرط اذ تعتبر الفنادق المحلية بمثابة كفيل لمن ينزل فيها من زوار. واكد وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لمنظمة التجارة العالمية انه لن تفرض اي قيود على سفر المتظاهرين الشرعيين. كما قدم وزير الطاقة والصناعة القطري الشيخ عبد الله بن حمد العطية تأكيدات مشابهة خلال الملتقى الاقتصادي العالمي الذي عقد في دافوس في فبراير (شباط) الماضي. وكان مما قاله العطية في الملتقى «ان قطر مجتمع ديمقراطي مفتوح يقر بحقوق الناس في التعبير عن وجهات نظرهم في نطاق القانون، ولن نمنع احدا من الاحتجاج بصورة سلمية».

ولو نجح المعارضون للعولمة من الوصول الى الدوحة فانهم سيجدون قطر رمزا لاشد ما يخشونه، اذ تتوزع بكثرة مجمعات التسوق العملاقة في ارجاء العاصمة القطرية فيما يكشف عن الوجود القوي للرأسمالية المعلومة. فوق ذلك، فان الدوحة تخطط لاستضافة اضخم مجمعات التسوق في عموم المنطقة لتنافس بذلك دبي التي تعد جنة التسوق في الشرق. وربما لا يكون هذا المجمع العملاق قد انتهت اعمال بنائه قبل انعقاد قمة منظمة التجارة العالمية، الا ان في وسع المتظاهرين زيارة موقع البناء، هذا ان استطاعوا الوصول الى الدوحة بالطبع.