بعد الإرهاب.. الشغب يطرح نفسه على أوروبا

ألمانيا وإيطاليا تقودان مبادرة لتشكيل وحدات خاصة بمكافحة الاحتجاجات ضد العولمة

TT

دعا وزيرا الداخلية الالماني والايطالي الى تشكيل وحدة اوروبية خاصة بمكافحة الشغب في اعقاب اعمال العنف الدموية التي رافقت قمة الدول الصناعية الكبرى الثماني في جنوى (ايطاليا) منتصف الشهر الماضي.

وجاءتها الدعوة خلال لقاء، وصفه التلفزيون الايطالي الرسمي بالشخصي، جرى امس في مدينة امبيريا على ساحل الريفييرا الايطالي بين الوزير الالماني اوتو شيلي ونظيره الايطالي كالاوديو سكايولا.

وانتقد الوزير الالماني تعامل الشرطة الايطالية مع بعض المتظاهرين الالمان، مشيرا الى ان قوات الامن الايطالية لا تزال تحتفظ بـ21 المانيا رهن التحقيق، الا انه عبر عن ثقته بعدالة القضاء الايطالي وبديمقراطية اجهزة الدولة الايطالية. وكانت وزارة الداخلية الايطالية قد اعلنت بعد قمة جنوى حظر دخول 57 المانيا الى ايطاليا، الا انها عادت وألغت القرار اثر تدخل وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر.

وسبق للوزير الالماني (من الحزب الديمقراطي الاشتراكي) ان اعلن في 17 الشهر الماضي عن اجتماع طارئ لوزراء داخلية الاتحاد الاوروبي في بروكسل تم الاتفاق فيه بشكل اولي على خطة للتعاون الاوروبي في مجال مكافحة الشغب. وجاء الاجتماع في اعقاب اعمال الشغب التي رافقت انعقاد القمة الاوروبية في غوتنبورغ (السويد) قبل اسبوع من قمة جنوى.

وحسب معطيات تصريح وزارة الداخلية الالمانية الخاص بالاجتماع المذكور، فقد تم الاتفاق على جملة «اجراءات ميدانية» بهدف مواجهة «المشاغبين» داخل حركة مناهضة العولمة. وشملت الاجراءات اعمال تبادل المعلومات بين القوى الامنية الاوروبية القومية وتبادل الخبرات حول الاجراءات المتخذة في كل بلد وتنسيق النشاطات الحدودية الرادعة واستخدام «الامكانيات القانونية والواقعية» المتاحة بهدف حصر حركة ممارسي العنف وعرقلة سفرهم داخل اوروبا للمشاركة في التظاهرات المختلفة المناهضة للعولمة.

ونشرت جريدة «فيلت ام زونتاج» الالمانية امس مقابلة مع الوزير شيلي طرح فيها بعض تفاصيل الخطة الاوروبية لمكافحة شغب مناهضي العولمة. واكد شيلي في المقابلة انه كان المبادر لطرح خطة تشكيل «وحدة اوروبية لمكافحة الشغب» تستفيد من الخبرات والمعطيات على المستوى العالمي في نشاطها. وحسب خطة شيلي فمن المفترض في البداية تشكيل «وحدة معلوماتية» خاصة تأخذ على عاتقها جمع المعلومات وارشفتها ورصد نشاط المشاغبين داخل الحركة المناهضة للعولمة. يجري بعدها تشكيل وحدة خاصة لمكافحة الشغب يتم تدريبها بشكل خاص داخل اكاديمية اوروبية لا يمكن ان تسمح لممارسي العنف ان يفرضوا انفسهم عليها «فهنا لا يوجد اي مجال للتردد امام الدولة».

وتقدر دائرة حماية الدستور الاتحادية (الامن العامة في المانيا) عدد المشاغبين في حركة مناهضة العولمة في المانيا بحوالي 600 فرد نجح حوالي 400 منهم في السفر الى جنوى ابان انعقاد قمة الثماني الكبار في منتصف الشهر الماضي. كما تقدر الدائرة وجود حوالي 2000 فوضوي من حركة «الاوتونوم» الالمانية، هم على استعداد دائم لاستغلال الحركة السلمية المناهضة للعولمة لاغراضهم العنفية.

والذي زاد مهمة الشرطة الالمانية تعقيدا هو جنوح منظمات اليمين المتطرف والنازية للمشاركة في تظاهرات اليسار ومحاولتها تشديد نزعات العنف عند اليساريين المتطرفين. وسبق للمنظمات النازية ان شاركت سرا في المظاهرات اليسارية المناهضة لقطار نقل النفايات في الخريف الماضي واستطاعت اثارة بعض اعمال العنف ضد رجال الشرطة. كما سبق لدائرة حماية الدستور ان حذرت من توجهات المنظمات اليمينية المتطرفة الداعية لاستخدام اساليب اليسار في الدعاية والتحريض وكسب الاعضاء الجدد. وكشفت المراسلات الالكترونية والتقارير السياسية التحريضية التي تنشرها شبكات المنظمات اليمينية المتطرفة في الانترنت العديد من هذه التوجهات.

من ناحيتها تكشف صفحة «اتاك» ATTAC الخاصة بالحركة لمناهضة العولمة بعضا من نشاطاتها وخططها المستقبلية الامر الذي يعني ان على اوروبا ان تفرض رقابتها «الالكترونية» على هذه الصفحات ايضا اسوة بما تفعله مع الصفحات المماثلة للمنظمات النازية. وتشير شبكة «اتاك» الى انها تضم 472 منظمة وفردا يمثلون قطاعا واسعا من معارضي العولمة بينهم المنظمات الكنسية والبيئية والانسانية... الخ.

والمتوقع ان يعمل وزير الداخلية الالماني على تعميم تجربة المانيا في مكافحة الشغب، وهي تجربة تشابه تجربتها في مكافحة شغب الملاعب اثر اعمال العنف التي ارتكبها الالمان في فرنسا خلال دورة كأس العالم لكرة القدم عام 1998. اذ عملت شرطة مكافحة الاجرام، قبل ايام من قمة جنوى الاخيرة، على فرض «عدم السفر» والتسجيل اليومي على 78 المانيا من ممارسي العنف المحتملين داخل حركة مناهضة العولمة. كما وجهت 56 انذارا الى اخرين منهم. وهي اجراءات كانت تتخذها الشرطة الالمانية، على اساس سجلات الامن، بحق ممارسي الشغب في الملاعب الرياضية. كما فرضت شرطة الحدود الالمانية اجراءات مشددة على الحدود مع بلدان الجوار في محاولة لمنع المشاغبين من السفر الى ايطاليا. وذكر الوزير شيلي حينها انه شكل وحدة معلومات خاصة تستقي معلوماتها من داخل حركة مناهضي العولمة وترسم طرق سفر ومواعيد سفر واساليب سفر المشاغبين (بالسيارة او القطار).

كما اعلنت وزارة الداخلية الالمانية، لاول مرة، في الشهر الماضي برنامجا «لحماية الهاربين من صفوف المنظمات اليمينية المتطرفة» وهو برنامج يشبه برنامج حماية الشهود الرئيسيين في القضايا المعقدة خشية عليهم من اعمال الاغتيال. ومعروف ان المنظمات النازية تنزل عقوبات شديدة تصل حد الاغتيال بحق المارقين وبحق المتعاونين مع اجهزة الشرطة. ويرمي البرنامج الى تشجيع حركة الانسلاخ عن المنظمات النازية، وتوفير الحماية للمرتدين منهم، والاطلاع من خلالهم على برامج ونيات اليمين المتطرف.