البطريرك صفير يختتم زيارته الراعوية للشوف وجزين متمنياً «تحقيق مصالحة وطنية حقيقية» برعاية لحود

قال: «آن الأوان لكي نحزم أمرنا ونضمد جروحنا ونغسل قلوبنا»

TT

اختتم امس البطريرك الماروني نصر الله صفير زيارته الراعوية الى منطقتي الشوف وجزين التي بدأها الجمعة الماضي واطلق خلالها سلسلة مواقف اكد فيها على حق لبنان في الاستقلال والسيادة والقرار الحر وعلى «علاقة المودة» مع سورية وعلى ضرورة «طي صفحة الماضي السوداء وفتح صفحة جديدة».

وقد اشار صفير الى ما تعانيه البلاد «من اقتصاد مترهل وسيادة منتقصة وديون باهظة وهجرة مستمرة». وتطرق الى ما يحصل في فلسطين متمنياً «وضع حد للمأساة الكبيرة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المهدد يومياً في حياته ورزقه وكيانه ومستقبله».

وقد ترأس البطريرك صفير قداساً احتفالياً في كنيسة سيدة التلة في دير القمر (الشوف) حضره رئيس الجمهورية اللبنانية العماد اميل لحود ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وعدد من الوزراء والنواب والفعاليات السياسية والحزبية.

ونوّه صفير بمشاركة لحود في القداس «خصوصاً في هذه المنطقة التي تمتاز بالعيش المشترك بين اللبنانيين وولائهم الخالص للوطن وان اختلفوا عقيدة ايمانية وطريقة عبادة» مشيراً الى «ما يجمعهم من نبذ الماضي المؤلم بكل فواجعه ومآسيه» والى «المصالحة الاخوية الشاملة التي ترعونها (متوجهاً الى لحود) مع جميع المسؤولين وفي مقدمهم في هذه المنطقة الزعيم الدرزي ابن البيت الكبير صاحب المعالي وليد جنبلاط». وتمنى صفير «تحقيق مصالحة وطنية حقيقية تنهض بالوطن من كبوته وتعيده الى ما كان ينعم به من استقرار وازدهار وسلام اوجد له مكانة دولية مرموقة».

وذكّر البطريرك الماروني بما كان للشوف من تاريخ خصوصاً انه كان «مركز الحكم في عهود الامراء المعنيين والشهابيين» وانه اعطى لبنان رئيسين للجمهورية في عهد الاستقلال (بشارة الخوري وكميل شمعون). وقال: «لا نكتمكم اننا عندما اندلعت الاحداث الدامية في لبنان منذ ربع قرن كنا نصلي في السر والعلن ونحن نمسك قلوبنا بأيدينا قائلين اللهم جنّب الشوف الفتنة يقيناً منا انها ان بقيت محصورة من جسم الوطن في الاطراف فلن تكون قاتلة وان كانت شديدة الايذاء، لكنها اذا اصابت القلب فتكون قد اصابت مقتله. وكان ما كان مما لا نريد ان نذكره. وهي صفحة من تاريخنا نريد ان نطويها على ما فيها من مرارة وسواد لنفتح صفحة جديدة تكون مشرقة في معاني الوطنية الصحيحة والاخوة الصادقة والتعاون المخلص والاحترام المتبادل لخير الوطن وجميع ابنائه. وقد ادركنا جميعاً مساوئ التفرقة والخصام والاقتتال. ونحن اليوم نجني ما صنعت ايدينا».

واعلن صفير انه «بعدما بان لنا هول المصيبة، نعتقد جازمين انه آن الاوان لكي نحزم امرنا ونضمد جروحنا ونغسل قلوبنا ونطهر ذاكراتنا على ما نصح به البابا يوحنا بولس الثاني في ارشاده الفاتيكاني «رجاء جديد للبنان» حيث يقول ان بين اهم عناصر دولة القانون تبرز حماية حقوق الانسان، اي احترام كل انسان وكل جماعة. وكل تهديد لحقوق الانسان هو انتهاك لهذا البعد. والدولة بما عليها من واجبات ولها من وظائف هي اول ضامن للحريات وحقوق الشخص البشري. ويقول ايضاً انه بعد سني العذاب وفترة الحرب الطويلة التي عرفها لبنان فان شعبه والسلطات التي تحكمه مدعوون الى القيام بمبادرة شجاعة في مجال الغفران وتطهير الذاكرة».

وشدد صفير على «ان هذه المنطقة وما فيها من بلدات وفي مقدمها بلدة دير القمر باستطاعتها اليوم ومستقبلاً مثل الماضي ان تكون نموذجاً للعيش المشترك الهادئ المسالم الذي هو ضمان بقاء لبنان وارادته وازدهاره وسلامه. وهي على رغم المحنة التي اصابتها وحاصرتها عرفت كيف تتخطى الصعوبات وتقيم بينها وبين جاراتها من البلدات المماثلة لها او القرى المجاورة اوثق روابط الالفة والتفاهم والتعاون المخلص».

ورأى صفير «ان الشعب الذي صهرته المحنة لا يطلب الا سد حاجاته وحاجة عياله في عيش قانع كريم، لكنه يطلب في الوقت عينه ممن يتولون امره ان يقودوه، بما يعطونه من مثال وقدوة في التجرد واحترام القوانين، على طريق الثقة بالنفس والتضحية في سبيل الوطن ونشدان العزة وصون الكرامة الوطنية».

وابدى ثقته بان «الشعب اللبناني سيعرف كيف يضافر جهوده لاعادة بناء ما تهدم من مبانيه ومؤسساته على ان يقوم بينه وبين جميع قادته على اختلاف انتماءاتهم الدينية والاجتماعية تشاور صريح بحيث ان كلا منهم يتحمل مسؤولياته حتى اذا تقاعس عن القيام بها كانت هناك مساءلة صارمة لا مراعاة فيها ولا محاباة. وهذا ما نسأل الله ان يحققه لنا».

وتطرق صفير الى ما يحدث على صعيد الانتفاضة الفلسطينية، فقال: «إننا والنار مشتعلة على حدودنا الجنوبية لا يمكننا الا ان نصلي اليه تعالى ان يضع حداً للمأساة الكبيرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني المهدد يومياً في حياته ورزقه وكيانه ومستقبله وان تحل في القلوب، عوض الحقد والبغضاء، المحبة والسلام».

وقد انطلق موكب البطريرك صفير بعد ظهر امس في رحلة العودة الى المقر الصيفي للبطريركية المارونية في الديمان (شمال لبنان) سالكاً طريق الباروك والفريديس فعين زحلتا والصفا وكفرنيس والمعوش، ثم رشميا وشرتون وكفرعمي وعاليه فالكحالة. وكانت للبطريرك محطات استقبال عدة رفعت خلالها الاعلام ولافتات الترحيب.

ولدى توقفه في الباروك حيث اقيم له استقبال حاشد هنأ صفير اهلها «دروزاً ومسيحيين، لا بل مسلمين ومسيحيين»، قائلاً: «لقد طويتم صفحة الماضي. انها صفحة يؤذينا ان نعود اليها. ونالنا منها ما نالنا من اذى وتخريب وبغضاء. لكن هذا كله قد مضى الى غير رجعة وان لبنان، وقد تعلمناها على حسابنا وحسابكم، لا يقوم الا على سواعد جميع ابنائه على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وطوائفهم واديانهم وانتماءاتهم. كل اللبنانيين حزب واحد هو حزب الاخلاص للبنان لعزته وكرامته ومحبة ابنائه لبعضهم البعض. وهذا هو شرط السلام الذي ننشده منذ ربع قرن ولم نكن لنهتدي اليه ولكننا اليوم وقد اهتدينا اليه فلنمسك به بأيدينا».

واضاف: «لا يمكننا الا ان نحيي الذين يعملون بوجه خاص على المصالحة وعلى نشر السلام. وبالامس كنا في دار المختارة عند الزعيم وليد جنبلاط وكان اليوم معنا في كنيسة سيدة التلة في دير القمر وكان معنا الى المائدة ايضاً في مطرانية صيدا ودير القمر وبيت الدين. ونحن نريد ان نسير معاً اليد في اليد والقلب الى القلب على طريق واحد هو طريق المحبة وتشييد لبنان على قواعد ثابتة».