انتقادات الملك عبد الله للمعارضة الأردنية تعكس قلق عمان من هجرة فلسطينية جديدة وتسلل عناصر راديكالية

TT

عمان ـ أ.ف.ب: رأى محللون سياسيون ان السلطات الاردنية اتخذت اجراءات ومواقف حازمة قد تنعكس على حرية التعبير عن الرأي، وذلك بسبب قلقها من تداعيات تدهور الاوضاع في الاراضي الفلسطينية على البلاد، في الوقت الذي تؤكد فيه السلطات انه لا مساس بحرية الرأي في اطار القانون. وفي مقابلة تلفزيونية بثت الليلة قبل الماضية، نفى العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني وجود مثل هذه القيود، متهما في الوقت نفسه «بعض الاحزاب وبعض الصحافيين والكتاب وبعض النقابات بالارتباط» بجهات خارجية من خلال التمويل او التوجيه، ومطالبا اياها بالالتزام بـ«الدستور والقوانين التي تحدد آلية عملها».

ولم يحدد العاهل الاردني بالاسم هذه الاحزاب او الكتاب ولا الجهات الخارجية، غير انه رأى ان هذه الاطراف الاردنية تستغل «اي مناسبة او اي حادث صغير للاساءة للوحدة الوطنية والتباكي عليها بنفس الوقت».

وجاءت هذه الانتقادات الحادة من العاهل الشاب (39 عاما)، وهي الاولى من نوعها منذ اعتلائه العرش في فبراير (شباط) عام 1999 اثر سلسلة من الاحداث في البلاد. واعتبرت هذه الانتقادات بمثابة تشدد من جانب السلطات.

ففي الاسبوع الماضي، اضطر رئيس جامعة «آل البيت» الحكومية عدنان البخيت الى الاستقالة من منصبه اثر كتابته مقالا اكد فيه وجود «جو من الاحباط وخيبة الامل نظرا لغياب الانجازات التي يمكن للمواطن ان يلمسها على مختلف الصعد في المملكة»، وهو ما اثار انزعاج الحكومة على حد قوله.

وفي وقت سابق، طلب من جواد العناني، وهو وزير سابق ورئيس سابق للديوان الملكي، الاستقالة من مجلس الاعيان اثر نشره مقالا في احدى الصحف الخليجية شكك فيه في استمرار الكيان الاردني. ومعروف ان الاعضاء الاربعين في مجلس الاعيان يعينهم الملك.

وبالتوازي مع تلك التطورات، اكد عدد من الصحافيين الاردنيين انهم يتعرضون لضغوط من قبل السلطات في ممارسة عملهم، حيث اكد بعضهم انهم هددوا بتفتيش منازلهم، بل باحالتهم الى محكمة امن الدولة.

وفي تصريح اكد وزير الاعلام صالح القلاب انه «لا يقبل بأي ممارسة من هذه القبيل بحق الصحافيين» وشدد على حرصه على «توفير حرية العمل لهم».

واعتبر محلل سياسي بارز ان «تشدد» السلطات يرجع الى قلقها من ان تؤدي الاوضاع المتدهورة حاليا في الاراضي الفلسطينية الى موجة نزوح جديدة للفلسطينيين نحو الاردن.

وكان رئيس الوزراء علي ابو الراغب صرح الشهر الماضي ان الاردن لن يسمح بنزوح جديد للفلسطينيين الى اراضيه وسيتخذ «كل الاجراءات الضرورية» لمنع ذلك. وكان الاردن قد استقبل فلسطينيين لاجئين عام 1948 اثر قيام دولة اسرائيل، ونازحين في يوينو (حزيران) عام 1967 اثر حرب الايام الستة بين العرب واسرائيل، ويبلغ مجموعهم حاليا 1.7 مليون شخص وفقا لتقديرات الامم المتحدة، وحصل معظمهم على الجنسية الاردنية.

ووفقا لتقديرات مستقلة، ينتمي ما يقرب من نصف عدد سكان الاردن الخمسة ملايين الى اصول فلسطينية، في حين تؤكد الارقام الرسمية ان عدد الاردنيين من اصل فلسطيني لا يتجاوز 40 في المائة. ووصف رئيس وزراء اردني سابق اقصاء السلطات عددا من الشخصيات من مناصبها لقيامها بالتعبير عن آرائها بأنه تصرف «خاطئ». واضاف رئيس الوزراء السابق الذي طلب عدم ذكر اسمه ان مثل هذه الاجراءات «تعكس التوتر الشديد للسلطات التي اصبحت تتبع سياسة رد الفعل بدلا من سياسة الفعل».

ورأى ان «البلاد بحاجة الى وقفة لتصحيح اوضاعها فعندما يتطلب الامر تدخلا جراحيا لا تنفع على الاطلاق اقراص الاسبرين المسكنة»، في اشارة الى المشاكل الاجتماعية في البلاد، حيث يطال الفقر ثلث السكان، كما ان نسبة البطالة تطال ربع قوة العمل الاردنية، حسب تقديرات مستقلة. وقال محلل سياسي آخر انه «بسبب كل هذه التحديات، تنامى دور الجهاز الامني في البلاد، وهو ما انعكس في اجراءات وممارسات اكثر حزما».

وفي حديثه للتلفزيون الاردني، اكد العاهل الاردني بوضوح ان «سقف الحريات هو المصلحة الوطنية العليا».

ويرى عضو بالحكومة الاردنية ان الملك عبد الله «كان يقصد من خلال هذا التصريح ان يؤكد حرصه على عدم تقييد الحريات وعلى الابقاء على العملية الديمقراطية القائمة ولكن في اطار الدستور والقانون». واضاف ان «الاولوية بالنسبة لنا تتمثل في توفير الامن للبلاد التي تشهد محاولات تسلل من مجموعات راديكالية فلسطينية ترغب في تحويل المملكة الى قاعدة لشن هجمات ضد اسرائيل». واشار المسؤول نفسه الذي طلب عدم ذكر اسمه الى ان «قوات الامن زادت من يقظتها على طول الحدود الاردنية واحبطت بالفعل عدة محاولات للتسلل».

يذكر ان الملك الراحل حسين كان قد بدأ عملية الديمقراطية في الاردن عام 1989 واوجد نظام التعددية الحزبية في البلاد عام 1992.