جنيف: فشل التحضيرات لمؤتمر «دوربان» حول العنصرية بســبب قضـيتي الشــرق الأوسـط والعـبودية

الدول الغربية وإسرائيل ترفض مقارنة الصهيونية بالعنصرية وتهدد بإعادة النظر في المشاركة

TT

فشل المفاوضون المجتمعون منذ خمسة عشر يوما في جنيف للتحضير لمؤتمر الامم المتحدة حول العنصرية المقرر عقده في دوربان بجنوب افريقيا، نهاية الشهر الحالي في التوصل الى أي اتفاق حول نقطتين اساسيتين مدرجتين على جدول الاعمال وهما قضية الشرق الاوسط والتعويضات عن الاستعمار والرق.

ورفضت الولايات المتحدة والدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي القبول باي شكل من الاشكال بمقارنة الصهيونية بالعنصرية في اي وثيقة رسمية يفترض تبنيها اثناء المؤتمر المقرر عقده من 31 اغسطس (آب) الجاري الى 7 سبتمبر(ايلول) المقبل. كما رفضت الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وجهات النظر للدول الغربية واسرائيل معتبرة انها تدخل في خانة «التضليل الاعلامي». وقال سفير الجزائر في جنيف محمد صلاح دمبري بصفته رئيسا للمجموعة العربية والاسلامية ان «هذه المسالة المثيرة للجدل سبق ونوقشت مطولا في اطار مؤسسات الامم المتحدة وقد تبنت الجمعية العامة للمنظمة الدولية في 1975 قرارا يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية. غير ان هذا القرار ما لبث ان الغي في نهاية المطاف في العام 1991».

واضاف المندوب الجزائري مع ذلك انه «لا بد من ايجاد مستند» في وثائق دوربان للاشارة الى الوضع الراهن في الشرق الاوسط. «انه امر ضروري تماما. اذ ان الامر يتعلق بالتحدث عن تدهور قوي جدا لوضع حقوق الانسان في فلسطين المحتلة الذي ينجم عنه كبت وحرمان وعنف متكرر».

وأعلنت الولايات المتحدة انها لن تحضر المؤتمر اذا لم تتخل الدول العربية عن المطالبة بأن تخص وثائق المؤتمر اسرائيل بالاشارة على انها قوة احتلال عنصرية تحرم الفلسطينيين من حقوقهم الاساسية. وطلب الوفد الامريكي الكلمة ليقول انه راض لاحراز «بعض التقدم» لكنه اتهم بعض الوفود بتبني «مواقف متطرفة».

وقال نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي مايكل ساوثويك في كلمة «جدول الاعمال في دوربان يجب الا يخص دولة بعينها ويصفها بأنها عنصرية». واضاف «نعتقد ان غالبية الدول لا تشعر بالارتياح على الاطلاق لهذا المسار».

وأعرب يعقوب ليفي السفير الاسرائيلي لدى الامم المتحدة في جنيف عن مشاعر احباط وقال كما هو متوقع ان وفد بلاده «سيعيد النظر في المشاركة» في دوربان في الايام القادمة. وقال في كلمة «اود ان اقول مجددا ان الصراع في الشرق الاوسط سياسي وليس عنصريا». واضاف ليفي وهو يشير الى مسودات النصوص المقدمة للمؤتمر والتي اقترحتها الدول العربية والاسلامية «للاسف وجدنا أنفسنا في مواجهة نفس اللغة المخزية في الوثيقتين، واذا تمت الموافقة عليها في دوربان فان مثل هذه اللغة يمكن ان تؤثر على نجاح المؤتمر وفي المعركة ضد العنصرية والتمييز العنصري».

ودعيت النرويج التي استضافت في 1993 اتفاقات اوسلو بين الاسرائيليين والفلسطينيين للمساهمة في محاولة لايجاد تسوية محتملة.

وقال المندوب الماليزي الذي تحدث ايضا نيابة عن الدول العربية والاسلامية ان «منظمة المؤتمر الاسلامي تود ان تعبر عن رغبتها في الدخول في مشاورات للتوصل الى حل وسط يمهد الطريق لمؤتمر ناجح في دوربان».

واعلن وفد سورية ان «القمع الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني لاسباب عنصرية يجب ان يكون محور العمل في المؤتمر».

وقال نبيل الرملاوي المندوب الفلسطيني «اننا نطالب ببحث ممارسات الاحتلال الاسرائيلي العنصرية ضد الشعب الفلسطيني في دوربان، لا يمكننا ان ننحي جانبا العنصرية والتمييز العنصري والاشكال الجديدة للفصل العنصري».

وقالت سفيرة مصر فايزة ابو النجا ان الوفود العربية تبنت موقفا «معقولا جدا ومعتدلا وبناء» حاول ان يأخذ في الاعتبار بواعث القلق الاسرائيلي. وأضافت «ليس من المنطق ان ينعقد المؤتمر ويتجاهل منطقة تغلي وموقفا ينطوي على انتهاكات على نطاق واسع لحقوق الانسان».

وفي ما يتعلق بالنقطة الاخرى الحساسة المدرجة على جدول الاعمال فان دول الاستعمار سابقا، لاسيما تلك التي مارست تجارة الرقيق، ترفض تقديم اعتذارات كما ترفض ان توجه اليها اصابع الاتهام من قبل الدول المستعمرة السابقة او من قبل ضحايا الدول التي مارست الرق.

وهي تقبل بالتعبير علنا عن «اسفها» لهذه الممارسات التي تعود لزمن آخر لكنها ترفض الاعتذار كما ترفض تطبيق مفهوم الجريمة ضد الانسانية عليها مما قد يمهد الطريق لفرض تعويضات مالية. وهذا ما تطالب به البلدان المستعمرة السابقة او ضحايا العبودية. حتى ان بعض المنظمات غير الحكومية الممثلة للمتحدرين من المستعبدين تريد الذهاب ابعد من ذلك مستندة في ذلك الى التعويضات التي دفعت الى ضحايا الهولوكوست او الى الاعتذارات التي قدمها رسميا الرئيس الاميركي الديمقراطي السابق بيل كلينتون الى اليابانيين الذين اعتقلوا في الولايات المتحدة ابان الحرب العالمية الثانية.

وامام استحالة ايجاد تسوية لهاتين المسألتين الاساسيتين ورغم الدعوات المتكررة للمفوضة العليا للامم المتحدة لحقوق الانسان ماري روبنسون التي ستتولى الامانة العامة للمؤتمر الدولي حول العنصرية، يترك المفاوضون لممثلي حكوماتهم في دوربان مهمة التوصل الى اتفاق.

لكن ماري روبنسون اعربت عن تفاؤلها من امكانية التوصل الى اجماع بشأن النصوص النهائية فيما يتعلق بالقضيتين المثيرتين للجدل في المؤتمر، وقالت في الجلسة الاخيرة «مازال يوجد الكثير الذي يتعين عمله. لكنني اقول ان اطار عمل ظهر في هذا المؤتمر التحضيري الذي سينقل عملنا الى دوربان».

وقال دبلوماسيون ان مجموعات عمل ستواصل اجراء محادثات غير رسمية لكن أي حل وسط يتم التوصل اليه سيكون في عواصم الدول مع قيام واشنطن بدور رئيسي في ذلك.

وتجدر الاشارة الى ان الولايات المتحدة سبق وقاطعت المؤتمرين السابقين حول العنصرية اللذين نظمتهما الامم المتحدة في جنيف في العامين 1978 و1983 بسبب مسائل مرتبطة بالشرق الاوسط.

وعبرت واشنطن أمس عن خيبة املها بعد الفشل في التوصل الى اتفاق حول صياغة مشاريع البيان قبل انعقاد مؤتمر دوربان. وقد هددت بمقاطعة المؤتمر ان استخدمت فيه «لهجة من شأنها ان تزيد من تفاقم» الازمة في الشرق الاوسط.

وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ايليزا كوش «اصبنا بخيبة الامل لان اللجنة التحضيرية لم تتمكن من التوصل الى اتفاق» في هذا الشأن واضافت «ننتظر للتحدث الى وفدنا لدى عودته وسنقرر في ضوء ذلك بشأن المشاركة الاميركية في المؤتمر ام لا».

الى ذلك اكدت منظمات غير حكومية عدة تمثل المتحدرين من العبيد انها تفضل «الفشل في دوربان على تسوية واهية».