عرفات في رسائل لقادة العالم: إسرائيل تتجاوز كل الخطوط الحمراء في القدس ولن نتحمل ذلك

شرطة الاحتلال تعتدي بالضرب على د. حنان عشراوي ونجل المرحوم فيصل الحسيني

TT

اعلن الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، ان الاجراءات الاسرائيلية لضرب المؤسسات الرسمية في القدس واعادة احتلال ابوديس واغلاق بيت الشرق، وما رافقتها وسيرافقها من عمليات تهويد عنصرية، هي خرق فظ للاتفاقيات الموقعة والغاء من جانب واحد لها وتجاوز لكل الخطوط الحمراء في العلاقات بين الطرفين، و«نحن نعلن بكل وضوح اننا لن نحتمل ذلك بأي حال من الاحوال».

وجاء هذا التحذير في رسائل رفعها عرفات الى كل من الرئيس الاميركي والرئيس الروسي بوصفهما راعيي عملية السلام، والى رؤساء كل من بلجيكا، بصفتها رئيسة الاتحاد الاوروبي، وايطاليا، بصفتها رئيسة مجموعة الدول الثماني الكبرى وجنوب افريقيا، بصفتها رئيسة مجموعة دول عدم الانحياز، وعاد واكده بالتفصيل خلال لقائه، ظهر امس،. مع السفراء والقناصل العرب والاجانب المعتمدين لدى السلطة الوطنية الفلسطينية. وأوضح ان الهجمة الجديدة على القدس، هي اخطر من اي تصعيد سياسي أو حربي في المنطقة. لان هدفها هو المساس بالمدينة المقدسة والرباط الروحي للعرب عموما بها من جهة، والقضاء على الوجود الفلسطيني السياسي فيها تمهيدا لتهويدها بالكامل وجعل الوجود العربي فيها بالحد الادنى.

وكان المئات من الفلسطينيين، الذين نجحوا في خرق الحصار العسكري الرهيب ووصلوا الى بيت الشرق للاعتصام فيه، قد تعرضوا لاعتداء دموي من رجال الشرطة الاحتلالية وصفه احد قدامى المتظاهرين في المدينة انه «لم يسبق له مثيل في الشراسة». وبرز بين المتظاهرين اعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني عن منطقة القدس ومجموعة من المتضامنين الاوروبيين. لكن الاعتداء لم يميز احدا عن الآخر. واصيب 27 شخصا بجراح نتيجة ضرب الهراوات البوليسية الاسرائيلية، بينهم د. حنان عشراوي، مفوضة الاعلام في الجامعة العربية، وعبد القادر الحسيني، نجل المرحوم فيصل الحسيني، الذي كان مسؤول ملف القدس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومقره في بيت الشرق. واعتقلت شرطة الاحتلال 12 شخصا، بينهم اربعة اجانب، وحاولت ان تعتقل حتى حنان عشراوي. إلا ان عضو الكنيست الاسرائيلي رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، محمد بركة، الذي شارك في الاعتصام، منعهم من ذلك بجسده.

وقد بدا واضحا ان قوات الاحتلال، بما فيها الشرطة المدنية، تلقت اوامر صريحة بالتعامل بقسوة مع كل من هو غير يهودي احتلالي يصل الى المكان. فقد حوّلت بيت الشرق بالذات الى ثكنة عسكرية لقوات الاحتلال، بكل ما في الكلمة من معنى. وقد شاهد النائب المذكور، محمد بركة، من الداخل ما فعله جند الاحتلال فيه خلال يومين، وقال: «انا اعرف كيف كان بيت الشرق من الداخل. لقد قلبوه رأسا على عقب. لم يبقوا فيه شيئا على ما هو. فتشوه وصادروا الملفات والخرائط والدراسات التي اعدت فيه حول فلسطين والشعب الفلسطيني وممارسات الاحتلال والاستيطان ضده وحول مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية العلنية. ان هذا الاحتلال يزرع الخراب، تماما كما فعل كل احتلال منذ القرون الوسطى».

وأمام بيت الشرق احتلت قوات الاحتلال الساحات المحيطة والشارع المؤدي واقامت حواجز ثابتة على مدى الساعة ومنعت بالقوة دخول الجماهير الفلسطينية التي تدفقت للتظاهر. وانضم اليها امس، ثلة من المتدينين اليهود المتطرفين من حي «مئة شعاريم» (مئة بوابة) في القدس الغربية، الذين رأوا ان أفضل ما يفعلونه بعد صلاة السبت في الكنيس، هو الاعتداء الدموي على عرب.

فحملوا الحجارة وراحوا يقذفون بها المعتصمين. فهب الشباب الفلسطيني لصدهم، فتدخلت قوات الاحتلال بالغاز المسيل للدموع من نوع حاد، يترك أثرا ساعات طويلة على حواس من يتعرض له. ثم هاجمتهم بالهراوات.

وشكا رئيس لجنة المصورين الصحافيين في القدس الشرقية، عوض عوض، من وجود قرار رسمي لدى الحكومة الاسرائيلية بالاعتداء على الصحافيين العرب والاجانب. وقال انه رفع شكوى كهذه الى رئاسة اتحاد الصحافيين العالمي، ذكر فيها ان احد زملائه استمع بنفسه الى قائد شرطة القدس، ميكي ليفي، وهو يعطي اوامره بتكسير الصحافيين. وفي اعتداءات امس اصيب ثلاثة صحافيين بينهم عوض عوض نفسه.

ويذكر ان قوات الاحتلال في القدس الشرقية اغلقت، اضافة الى بيت الشرق، كلا من مكتب الغرفة التجارية ومكتب اللجنة السياحية ونادي الاسير ودار الطفل العربي وجمعيات خيرية وقامت باحتلال بلدة ابو ديس مرة اخرى. وفي يوم امس وسعت دائرة الممارسات التوسعية، فأغلقت بلدة السواحرة ومنعت الدخول والخروج وفرضت عليها نظام حظر تجول.

واكد رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، ان ممارساته الجديدة في القدس لا رجعة عنها وان السيطرة على بيت الشرق أبدية.

وقد رد على هذا القول الرئيس ياسر عرفات، امس السبت، فقال امام السفراء والقناصل: «اسرائيل ستخرج من كل شبر من ارضنا المحتلة عام 1967 وعلى رأسها القدس الشرقية. القضية هي الثمن الذي سيدفعه الشعبان في سبيل ذلك. ونحن نقترح ان لا يدفع احد الثمن وان ينسحبوا من ارضنا فورا، ويتركونا وحالنا، فهذا لمصلحة اولادنا واولادهم».

من جهة اخرى هاجم العدوان على القدس، ابو العلاء (احمد قريع)، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني واكد ما ذكرته «الشرق الأوسط» امس، من ان الاجراءات التوسعية الاخيرة في القدس لم تأت ردا على العملية الانتحارية في المدينة، انما هو استغلال لهذه العملية وضحاياها في سبيل تطبيق مشروع قديم لتهويد القدس. وقال: «ان القدس في خطر منذ بداية الاحتلال. ولكن الاجراءات الاخيرة هي قمة الخطر».

واضاف: «لقد بدأ شارون اجراءاته عمليا في 28 سبتمبر (ايلول) الماضي، عندما قام بزيارته الاستفزازية الى القدس. واكملته الشرطة بالمذبحة التي نفذتها ضد المصلين. ثم جاءت عصابة أمناء الهيكل، لتحيي مخططها الجنوني للمساس بالاقصى المبارك. ثم اصدرت المحكمة العليا في اسرائيل، ولأول مرة، قرارها السماح لهم بوضع حجر الاساس للهيكل، مع العلم بأنها تعرف جيدا ان هدفهم هو هدم الاقصى وبناء الهيكل اليهودي مكانها. ثم جاءت الضربات الاخيرة لرموز السيادة الفلسطينية في المدينة، لتصل الى قمة التحدي.