بيروت: التوقيفات «تدابير وقائية» ستستمر رغم الاعتراضات

البطريرك صفير اطلع على «تقارير أمنية موثقة»

TT

الأزمة السياسية التي تفجرت داخل مجلس الوزراء اللبناني قبل ايام على خلفية التوقيفات التي طاولت رموزاً وعناصر من «التيار الوطني الحر» (مؤيد للعماد ميشال عون) وتنظيم «القوات اللبنانية» المحظور ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات. وهي ستنقل مطلع الاسبوع المقبل الى مجلس النواب حيث سيعاود المجلس مناقشة تعديل جديد لقانون اصول المحاكمات بهدف تعزيز دور النيابات العامة واسترجاع الصلاحياحتى تي انتزعت منها، وهو ما كان يريده رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، حين ردّ القانون في صيغته الاولى وأقره المجلس النيابي مجدداً في جلسته الاخيرة من دون الاخذ بالملاحظات واسباب الرد التي استند اليها رئيس الجمهورية.

وجاءت حصيلة الاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة رفيق الحريري مع وزير الداخلية الياس المر ووزير الدفاع خليل الهراوي ومدير الاستخبارات في الجيش اللبناني العميد ريمون عازار والمدّعي العام التمييزي عدنان عضوم لتكرّس العنوان الذي طرحه مجلس الوزراء وهو انه المرجع السياسي للاجهزة، وهذا العنوان جرى استخدامه في اجتماع مجلس الامن المركزي كمنطلق لتحرك الاجهزة في المرحلة المقبلة. وبالتالي بات سقفاً لم يعد في الامكان تجاهله. فتحت شعار «بتوجيه من مجلس الوزراء» وضع مجلس الامن المركزي تنفيذاً للقوانين المرعية الاجراء خطة لمنع تحرك الاحزاب والقوى السياسية غير المرخّص لها وتلك التي تعارض النظام، وقيامها بأي شكل من اشكال الاجتماع والتظاهر والاضراب وتوزيع النشرات والشعارات والخطابات، بحيث ان القوى الامنية ستطبق هذه القوانين وتلاحق المخالفين.

وتأسيساً على هذا الواقع رأى مرجع سياسي ان «التحالفات السياسية القائمة قد يعاد طرحها من جديد... فرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي يواصل حملته على الاجهزة ويطالب بإقالة رؤسائها واتهامه للاستخبارات بأنها اصبحت ميليشيا، لم يعد في وضع مريح. فلقاءاته التي تكرّرت مع قيادات ومسؤولين في «القوات اللبنانية» لم يعد في الامكان استئنافها على اعتبار ان «القوات» حزب منحل بقرار متخذ في مجلس الوزراء وإلاّ فإنه سيخالف القانون في اي تحرك سياسي يقوم به في اتجاه «القوات»، التي يعتبرها فصيلاً سياسياً لا يمكن انكار وجوده في منطقة جبل لبنان وغيرها». اما رئيس مجلس النواب نبيه برّي «الذي يمسك العصا من وسطها ـ حسب المرجع ايضاً فإن وزراءه ايدوا قرارات مجلس الوزراء، وهو تجنب اتخاذ اي موقف من الاحداث على خطورتها مفضلاً الصمت كعادته في كل محطة مماثلة»، وهو في تقدير هذا المرجع السياسي «كان في صورة التطورات» خصوصاً بعد اللقاء الذي جمعه مع رئيس جهاز الامن والاستطلاع للقوات السورية العاملة في لبنان اللواء غازي كنعان. «ثم ان تحالفه الاستراتيجي مع جنبلاط يؤهله للعب دور الاطفائي واضفاء نوع من التوازن في اللعبة الداخلية، وهو ما سيتضح من خلال ادارته للجلسة النيابية غداً الاثنين، التي ستكون مدخلاً لاثارة ما خلفته عاصفة الايام الماضية». اما الرئيس الحريري الذي احرجته الاجراءات الامنية التي اتخذتها الاجهزة الامنية في غيابه ـ اذ كان في زيارة لباكستان ـ ومن دون التشاور معه، «فكان امام خيارين، وفق المرجع السياسي، فاما ان يبادر الى الاستقالة او الاعتكاف احتجاجاً على تجاهله وتجاوزه في خطوات كبيرة يتحمل مسؤوليتها امام المجلس النيابي ...واما ان يلتف على ما جرى مفوّتاً الفرصة على الذين حاولوا احراجه لاخراجه من رئاسة الحكومة. وقد اختار استيعاب ما جرى لأن الوضع الاقليمي الضاغط لا يسمح لأي فريق او محوَر في المعادلة الداخلية بالذهاب في اتجاه التفجير ووضع البلاد امام ازمة سياسية خطيرة. من هنا كان الاخراج الذي وفّره مجلس الوزراء من خلال تشديده على دوره في اعتبار نفسه مركز السلطة والقرار، وان الحكومة ستكون من الآن فصاعداً على علم بكل شيء، مقابل التأكيد على الاجهزة الامنية والقضائية بتطبيق القرار على الجميع. مما يعني الاستمرار في العملية الامنية مع ما يترتب عليها من اجراءات قضائىة. وقد تأكد هذا المنحى بالقرارات التي اتخذها مجلس الامن المركزي اول من امس.

وفي الحصيلة النهائية، فإنّ الخط الداعم لرئيس الجمهورية حقق ما اراده، وحصل على تغطية للاجراءات التي نفذتها الوحدات الامنية في حملة التوقيفات، في حين سجّل الخط الداعم لرئيس الحكومة تقدماً في معركته السياسية الخاصة بتنازع الصلاحيات والسلطة مع رئيس الجمهورية. اما سورية التي عملت جاهدة خلال الاشهر الماضية على إعادة ترتيب العلاقات الرئاسية ونجحت الى حد ما في تصويب مسارها وتقاربها في النظرة الى شكل المعالجات الاقتصادية، ودور الاجهزة الامنية، والتعامل مع ملف الجنوب والمقاومة، فقد ابدت انزعاجها من عودة المواجهة بين الاجهزة الامنية وبعض القوى السياسية. وتقول اوساط مطّلعة ان السوريين «ما كانوا في صورة ضخامة عمليات الدهم والتوقيف التي نفذتها الاجهزة الامنية من دون ان يعني ذلك رفضاً لها ومعارضة لدوافعها، بل هي تفهمت هذه الحركة. وكانت الاجهزة الامنية قد سبق لها ان وضعت القيادة العسكرية السورية في اجواء مخاوف حقيقية من حركة «تعتزم قوى في الشارع المسيحي المعارض القيام بها مستغلة اجواء الانفتاح السياسي، لتؤسس لحالة تقسيمية» ظهرت بوادرها من خلال الحشد الذي نظمه تيارا «القوات» و«العونيين»، وكذلك الهتافات والشعارات التي ظهرت في معظم المحطات التي توقف فيها موكب البطريرك الماروني نصر الله صفير اثناء زيارته للجبل.

وذُكر امس ان قادة احد الاجهزة الامنية اطلعوا البطريرك صفير، بعد الزيارة وقبيل التوقيفات، على ملخّص تقارير امنية موثقة «لم يشأ الجهاز الكشف عنها لدواع امنية» وهي تثبت حصول سلسلة من الاجتماعات بين قياديين من «القوات» و«العونيين» مع مسؤولين اسرائيليين خارج لبنان، بغية الاعداد لمخطط تخريبي يتقاطع مع عملية اسرائيلية ضد لبنان يجري الاعداد لها. وان ثمة ادلّة على توزيع اسلحة حصل في مناطق معينة لـ«القوات» وجود مؤثر فيها. وتردد ان المعلومات الموثقة التي اطلع عليها البطريرك صفير هي التي كانت وراء لهجته المعتدلة وكلامه امام مؤيدي «القوات» و«التيار العوني» الذين اعتصموا في ساحة المقر الصيفي للبطريرك في بلدة الديمان (شمال لبنان). وكذلك تشديد صفير على القول «لا نريد الخصام مع الدولة والمشاكل تحل بالحوار» داعياً الشباب الى احترام القوانين وعدم تجاوزها والمحافظة على الهدوء والنظام.

ماذا بعد الذي جرى؟

مصدر مسؤول ابلغ «الشرق الاوسط» ان التوقيفات التي حصلت «كانت بمثابة تدابير وقائية وان تنفيذها سيستمر ايا كانت الاعتراضات. فالحكم ليس في وارد التساهل مع اي اخلال بالنظام العام والمس بالاستقرار والسلم الاهلي وتقويض انجازات الوفاق والامن التي حققتها البلاد منذ انتهاء الحرب الفتنة. كما ان الحكم لن يسمح لقوى الضغط الاقليمية والدولية باستغلال حاجة لبنان الملحّة الى العون الاقتصادي لدفعه الى السير في خيارات على حساب امنه الداخلي وعلاقته الاستراتيجية مع سورية.