دمشق تراجع مواقف وتصرفات في لبنان وتلقي ظلالا من الشكوك حول بعض أصحابها

جلسة «تعديل أصول المحاكمات» غدا محك للنيات ومؤشر على المستقبل

TT

مصير اقتراح القانون المعجل الذي سيدرسه مجلس النواب اللبناني في جلسته التشريعية غداً ويتعلق بتعديل بعض احكام قانون المحاكمات الجزائية، الذي اقره المجلس في 29 يوليو (تموز) الماضي، وبعد النتائج التي تمخضت عنها جلسة مجلس الوزراء الاخيرة حول التوقيفات، سيكون مؤشراً على ما سيكون عليه واقع الحال السياسي اللبناني. وهو سيكون مؤشرا سواء على مستوى العلاقات الرئاسية، التي غالباً ما تنعكس على العمل الحكومي في ضوء ما تضطلع به الحكومة من خطوات في مختلف المجالات، او على مستوى مستقبل العلاقة بين دمشق وبعض اركان السلطة والقيادات اللبنانية، خصوصاً ان العاصمة السورية غير مرتاحة لتصرفات هذا البعض في هذه المرحلة على حد ما ينقله زوارها هذه الايام.

احد الوزراء اكد لـ«الشرق الأوسط» ان هناك تجاذباً سياسياً كبيراً سيرافق «جلسة تعديل اصول المحاكمات» اذا جاز التعبير حول هذا الاقتراح القانون. وطرح علامات استفهام كثيرة حول سبل اقراره في ظل الجو السياسي المحموم السائد على رغم ان جلسة مجلس الوزراء الاخيرة خفضت بنتائجها من سخونته بعض الشيء، واعتبر ان هذه الجلسة النيابية ستكون محكاً لنيات الجميع بعد وضع مجلس الوزراء قضية التوقيفات على سكة المعالجة.

لكن كل الدلائل والمؤشرات توحي حتى الآن ان اقتراح القانون سيقرّ باكثرية نيابية خصوصاً ان بين النواب العشرة الذين وقعوه من ينتمون الى كتل نيابية كبيرة او حجمها وتأثيرها السياسي كبير. وقد حمل الاقتراح تواقيع النائبين ياسين جابر وعلي حسن خليل (من كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري) والنائبين عبد الله قصير وعمّار الموسوي (من كتلة الوفاء للمقاومة التي تضم نواب «حزب الله» وحلفائه) والنائب سليم سعادة (من كتلة نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي) والنواب روبير غانم ومحمد علي الميس وفايز غصن وجهاد الصمد وانطوان حداد.

على ان هذا الاقتراح القانون يرمي الى تعزيز صلاحيات النيابات العامة عموماً وصلاحيات النائب العام التمييزي خصوصاً، فضلاً عن تحديد مهل التوقيف الاحتياطي وهذه الصلاحيات كان قد تم تقليصها.

وفي التعديلات التي ادخلت على قانون اصول المحاكمات الجزائية واقرها مجلس النواب في جلسته التي انعقدت في 29 يوليو (تموز) الماضي، غير آخذ بملاحظات ابداها رئيس الجمهورية العماد اميل لحود حوله ومن بينها تعزيز صلاحيات النائب العام التمييزي وعدم الانتقاص منها ورده الى المجلس على اساسها لكي يعيد النظر فيه بعدما اقره في جلسة سابقة.

وقد فسّر بعض الاوساط السياسية آنذاك اصرار المجلس على اقرار المشروع بالصيغة التي اقرها من دون الاخذ بملاحظات الرئيس لحود على انه هزيمة سياسية للحود، وانتصار للاكثرية النيابية التي تشكل كتلتا بري ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري «بيضة القبان» فيها.

على صعيد آخر، يقول زوار دمشق انها تستغرب اعتراض البعض على اجراءات امنية تتخذها السلطة اللبنانية، لضبط الوضع الامني ومنع حصول ما يعكره ويسيء الى الانتظام العام والى مسيرة الوفاق والسلم الاهلي واعادة البناء، وتتساءل هل ان المطلوب بناء دولة في لبنان بلا مخالب في امكانها ان تستخدمها لتعزيز الاستقرار وحمايته كلما تعرض لما يعكره؟

كذلك يفيد زوار العاصمة السورية ايضاً ان المسؤولين السوريين يجرون منذ مدة مراجعة للتطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية حالياً، ويحللون ابعاد وخلفيات المواقف التي يتخذها هذا المسؤول اللبناني او ذاك، وهذا الفريق السياسي او ذاك. وانهم خرجوا من هذه المراجعة حتى الآن بإلقاء ظلال من الشكوك حول مواقف وتصرفات البعض من القيادات والقوى السياسية في ضوء ما تشهده الساحة الاقليمية من تحركات، وكذلك في ضوء التهديدات الاسرائىلية شبه اليومية للبنان وسورية.

وفي ضوء ذلك، تجمع المعلومات المتوافرة على ان حملة التوقيفات ستستمر في ضوء ما يدلي به بعض الموقوفين من اعترافات في التحقيقات التي تجرى معهم حول لقاءات واتصالات قالوا انهم اجروها مع شخصيات اسرائيلية في بعض الدول الاوروبية.

وحسب مصادر وزارية ان القوى العسكرية والامنية التي اكد مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة خضوعها لسلطته، حسبما ينص الدستور، انما تنفذ مهمات كان المجلس اوكلها اليها، وانها لم تتصرف خارج هذه المهمات. كما ان الجدل الذي دار حول وجوب احاطة المسؤولين بما اتخذ من اجراءات وادت الى توقيف من يتم توقيفهم من «القواتيين» و«العونيين» وغيرهم وضعت حداً له القرارات التي اتخذها مجلس الامن المركزي في اجتماعه اول من امس برئاسة وزير الداخلية الياس المر. وهي قرارات فتحت ملف ما هو شرعي وما هو غير شرعي من الاحزاب والجمعيات القائمة في لبنان كي يصار الى التعاطي معها حسب القانون الذي يحظر على كل ما هو غير شرعي اي غير حاصل على ترخيص رسمي ممارسة اي نشاط سياسي او غير سياسي.

واشارت هذه المصادر الى ان «هناك قوى معارضة لا شغل لها ولا همّ سوى المشاغبة بأي شكل على الوضع الامني والسياسي المستقر الى حد كبير، من اجل ابقاء صورة لبنان في نظر الخارج العربي والاجنبي مشوهة او مشوشة، مما ينعكس سلباً على مستقبل اوضاعه الاقتصادية والمالية التي وضعت حكومة الرئيس الحريري خطة لمعالجتها منها عقد «مؤتمر شركاء لبنان» المعروف باجتماع «باريس ـ 2». ويهدف هذا المؤتمر الى مساعدة لبنان على ايجاد الوسائل اللازمة لتخفيض عجز موازنته عبر تخفيض خدمة دينه العام بابدال هذا الدين بدين منخفض الفوائد».

واشارت المصادر نفسها الى ان الاشهر المتبقية من السنة الجارية هي فرصة للحكومة الحالية عليها اقتناصها من اجل النجاح في تنفيذ خطتها لتحفيز النمو الاقتصادي ولو بالحد الادنى حتى يبنى على ذلك للقيام بخطوات جديدة في هذا الاتجاه.