انسحاب واشنطن من الأزمة الفلسطينية ـ الإسرائيلية يقلل من شأنها بين العرب ويخدم عدوها صدام

TT

تهدد دوامة العنف الاسرائيلي ـ الفلسطيني صلب استراتيجية ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش لمنطقة الشرق الاوسط، وتزيد الخشية من اندلاع حرب مباشرة بين الدبابات الاسرائيلية والمقاتلين الفلسطينيين ومن الضغوط الدولية على البيت الابيض لتبني دور اكثر فعالية في التوسط بين الطرفين، حتى وان كان ضد ارادتها. في المقابل، فان التصور السائد بين الشعوب العربية بوقوف اميركا الى جانب اسرائيل ربما قلل من مقدار الجهود الاميركية في احتواء الرئيس العراقي صدام حسين خصم واشنطن اللدود.

ومثل من سبقه من الرؤساء الاميركيين المعاصرين، فان الرئيس بوش بات يتلقى الآن درسا من الدروس الاولى للجغرافيا السياسية والذي يقضي بأنك ان اردت تحقيق اهداف عريضة في هذا الجزء شديد الاشتعال من العالم فلا بد من الربط بانسجام ما بين السياسات تجاه الاسرائيليين والفلسطينيين والسياسات تجاه العراق وايران. ويعلق جون الترمان المتخصص في الشرق الاوسط في معهد السلام بواشنطن قائلا «ان كل سياسة من تلك السياسات تصعب من الاخرى».

وحتى الآن لا تزال الادارة الاميركية ملتزمة بمواقفها الراسخة، اذ اعلن الرئيس بوش الثلاثاء الماضي، خلال اجازته التي يقضيها في تكساس، عن قناعته بضرورة ايقاف العنف الاسرائيلي ـ الفلسطيني قبل رعاية الولايات المتحدة عملية السلام من جديد. كما نوه بوجوب اعتقال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات للفدائيين مقابل ابداء اسرائيل قدراً من ضبط النفس، وقال «اشعر بقلق شديد تجاه تصاعد العنف».

بيد ان حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية المعتدلة، وكثيراً من الحكومات الاوروبية، ترغب في وجود دور اميركي اقوى. ويضغط هؤلاء على الولايات المتحدة للاشراف على العمل ببعض اجراءات بناء الثقة بين الطرفين حتى في ظل استمرار العنف. ولو لم تتحرك اميركا في هذا الاتجاه فان العنف سيتصاعد، على حد قولهم.

ووصلت درجة احباط الرئيس المصري حسني مبارك من السياسة الاميركية الى حد الإقدام على خطوة غير معهودة بارسال اسامة الباز مستشاره السياسي الى واشنطن لاجراء مشاورات خلال هذا الاسبوع، رغم هروب كثير من المسؤولين الاميركيين من العاصمة للراحة والاستجمام في اماكن اخرى. ولا يقتصر الاحباط على مبارك بل يتجاوزه الى الحكومتين السعودية والاردنية اللتين وجهتا الى الولايات المتحدة رسائل مشابهة. وفي جولة اخيرة لوليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الاميركي للشرق الاوسط في منطقة الخليج، تبين له ان الكثيرين من اصدقاء اميركا هناك وصل بهم الولع بما يجري في الأراضي الفلسطينية الى حد الهوس. وفي كلمة له امام لجنة من الكونغرس قال «كادت تنحصر نقاشاتي مع زعماء الخليج في الاوضاع الفلسطينية ـ الاسرائيلية». اما النقطة التي ركز عليها الزعماء هناك فهي ان شعوبهم تؤيد تأييدا ضخما طرفا واحدا في القتال الجاري في الشرق الاوسط، وفي ظل ذلك يصعب عليهم التعاون مع الولايات المتحدة في اي امر آخر، اما ما يقصدونه تحديدا بالاشارة الى «اي امر آخر» فهو العراق. وفي الخفاء، تقول كثير من حكومات الدول المجاورة لصدام حسين انهم يتساوون مع اميركا في كراهيتهم له، ولكنه نجح في تصوير العراق على انه ضحية في عيون الرأي العام العربي.

ويعتقد الكثيرون في الشوارع العربية ان العقوبات الاميركية المفروضة على العراق لا تؤذي الا المدنيين العراقيين. كما ان صدام يحرز مزيدا من النقاط بتقديم نفسه على انه بطل القضية الفلسطينية. وينوه في هذا السياق مارك شتراوس المتخصص في الشرق الاوسط والمحلل البارز لمجلة «السياسة الخارجية» بأن «لا شيء يحرك الرأي العام العربي مثل قضية فلسطين».

ولهذا فان الولايات المتحدة تجد نفسها وكأنها محصورة في صندوق، اذ ينتاب الحذر مسؤولي الادارة من الانخراط على نحو اكبر في محادثات السلام في الشرق الاوسط لانهم لا يريدون الخروج منها خاليي الوفاض، كما حدث للرئيس السابق بيل كلينتون. ولكن ماذا يستتبع لعب دور اكبر في المنطقة بالضبط؟ ان كثيرا من الدعوات المطالبة بمزيد من الاهتمام الاميركي دعوات غير محددة. ويقول جون الترمان «انهم يريدوننا ان نوقف العنف، ولكن ليست هناك نقاشات كثيرة حول كيفية تحقيق ذلك».

علاوة على ذلك، اصطدمت الجهود الاميركية الرامية الى تفعيل السياسات الاميركية تجاه العراق بسلسلة من الاحباطات. ولم تفلح جهود الادارة الرامية الى تجديد العقوبات وقصرها على المواد ذات الاستخدامات العسكرية. كما ان حظر الطيران الذي تشرف الولايات المتحدة على تطبيقه في شمال العراق وجنوبه لم يعد يلقى تأييدا كبيرا. وفي الشهر الماضي، خسرت الولايات المتحدة اول طائراتها الحربية في سياق الجهد الذي تصبه في الحفاظ على الحظر، رغم ان السبب في ذلك يعود لعطل ميكانيكي، لا الى اسقاطها بصاروخ عراقي. ولكن الاسلحة العراقية كادت تسقط طائرتين اميركيتين في الاسابيع الاخيرة، ناهيك من ان التقنيات العراقية الجديدة، التي تشمل استخدام الرادارات الموجهة للصواريخ والكابلات المصنوعة من الالياف البصرية للربط بين اجهزة السيطرة والمراقبة، باتت تعني تزايد الخطر الذي يواجهه الطيارون الاميركيون هناك، حسب وزارة الدفاع الاميركية.

ويعلق شتراوس بالقول ان السياسة الاميركية الراهنة تجاه العراق «تمثل فشلا مزدوجا على نحو ما، فبينما لم تلحق أي ضرر بحكومة صدام حسين باتت تضع الحكومات العربية في موضع غير مريح». كما يشير الى ان الادارة تحاول التوصل الى سياسات جديدة تجاه العراق ولكن حتى الآن لم يطرأ اي تغيير على مواقفها المعلنة.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»