إيران تواجه سلسلة من الدعاوى في الخارج

رهائن سابقون وعائلات ضحايا قتلهم عملاء سريون لطهران يطالبون بتعويضات كبيرة وإدانة المسؤولين

TT

بحلول هذا الشهر تكون قد مرّت عشرة اعوام منذ ان قامت فرقة اغتيال، قيل انها ارسلت من ايران، بقتل آخر رئيس وزراء في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، شاهبور بختيار في منزله بباريس.

وكان بختيار، الذي كان وقتها في الثمانين من عمره، القائد الفخري لمجموعة ايرانية معارضة صغيرة كادت ان تجمد نشاطها. والسؤال الذي اثاره اغلب الخبراء حينها: لماذا ترغب جهة ما في قتل رجل عجوز بلا حول؟

بعد عقد كامل، طرح هذا السؤال امام محكمة اميركية في اطار دعوى رفعتها زوجة بختيار الثانية وابنهما، مطالبين بتعويض مالي من الحكومة الايرانية قدره 165 مليون دولار، عن الاضرار التي ترتبت على جريمة قتل السياسي الايراني.

وتستند الدعوى الى ان اغتيال بختيار خططت له السلطات الحكومية الايرانية. وهذا شيء صعب الاثبات بالطبع. البينة الوحيدة الثابتة تتمثل في تصريح منشور لآية الله صادق خلخالي، الذي كان يومها يشغل منصب المدعي العام الثوري، افاد بأن «فتوى» صدرت من الزعيم الايراني الخميني، بوجوب قتل بختيار. ولأن الخميني، الذي توفي العام 1989، كان هو «المرشد الأعلى» ويمثل بالتالي اعلى سلطة في الجمهورية الاسلامية، فان فتواه لا يمكن ان تعتبر اجتهاداً خاصاً بأحد علماء الدين.

وتنكر السلطات الايرانية التهمة وتقول انه لو كان الامير يتعلق بفتوى للخميني، فان هذا لا يعني التزام الدولة الايرانية بها، كما هي الحال مع فتوى قتل الروائي البريطاني سلمان رشدي.

التحقيق الذي اجرته فرنسا في حادثة الاغتيال تمخض عن توجيه الاتهامات ضد خمسة من الرجال. اثنان منهم على الأقل يمكن اعتبارهما مسؤولين ايرانيين. احدهما مسعود هندي ـ زاده ابن أخي الخميني الذي كان مديراً للبعثة التلفزيونية الايرانية بباريس. وقد ثبتت التهمة ضده، وحكم عليه بـ10 سنوات سجناً، ولكنه اطلق سراحه بعد قضاء نصف المدة واعيد الى طهران. الآخر كان هو حسين شيخ عطار، نائب وزير المواصلات السابق، والذي كان يجري البحث عنه كـ«شاهد عيان»، ولم يعثر له على أثر.

اثنان من المتهمين، بينهما فريديان بوير أحمدي، الذي كان من اعوان بختيار المقربين لفترة طويلة وانحاز بعد ذلك الى الثورة الايرانية، حوكما وأدينا غيابياً. اما الثالث فاعتقل في سويسرا وسلّم الى السلطات الفرنسية حيث حكم عليه بالسجن 25 عاماً.

كان بختيار مستهدفاً لعدة سنوات، فقبل 11 سنة من اغتياله تعرض لمحاولة اغتيال في باريس ايضاً. وفي تلك المحاولة قامت فرقة الاغتيال التي كان يقودها اللبناني انيس نقاش، وهو من اتباع الخميني، بارتكاب اخطاء جسيمة أدت الى قتل شرطية فرنسية وجرح عدد من المواطنين الفرنسيين. اعتقل نقاش وحكم عليه بالسجن فترة طويلة، ولكن سرعان ما اطلق سراحه في اطار صفقة تمت بين الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران والجمهورية الاسلامية.

القضية التي رفعتها اسرة بختيار هي الاخيرة في سلسلة من القضايا الموجهة ضد الجمهورية الاسلامية. ففي وقت سابق من هذا العام، حكمت محكمة اميركية على الجمهورية الاسلامية بدفع تعويضات بلغت قيمتها 300 مليون دولار لدورها في اغتيال منشق آخر في باريس. وكان المنشق المعني، وهو الاستاذ الجامعي سايروس الاهي، قد نال الجنسية الاميركية قبل 4 سنوات فقط من تلقيه للطعنة القاتلة.

منذ استيلاء علماء الدين على السلطة، قتل 110 على الاقل من المنشقين الايرانيين، في 13 بلداً، تشير اصابع الاتهام في كل هذه الاغتيالات الى فرق اغتيال ارسلتها طهران. وتأتي فرنسا على رأس الأماكن التي جرت فيها هذه الاغتيالات اذ حدثت بين 1979 و1996، 17 جريمة اغتيال.

المكان الثاني هو تركيا التي تمت فيها 14 جريمة اغتيال، و6 جرائم في المانيا و5 في النمسا و4 في كل من بريطانيا وايطاليا واسبانيا. وشهدت كل من الامارات العربية المتحدة ولبنان وقبرص واليونان وبلغاريا حادثتين على الأقل من حوادث اغتيال المنشقين الايرانيين.

في اغلب الحالات لم يتم القبض على المجرمين، مما اثار الشكوك في ان القنصليات والسفارات الايرانية ساهمت في تهريبهم على وجه السرعة.

المرة الوحيدة التي اتهمت فيها الجمهورية الاسلامية على أعلى مستوى كانت اثناء محاكمة برلين عام 1996. كانت القضية تتعلق باغتيال 4 من المنشقين الأكراد ومترجمهم في احد مطاعم برلين عام 1992. حكمت محكمة برلين بأن الجمهورية الاسلامية متورطة في الجريمة على أعلى المستويات، مشيرة الى وجود لجنة سرية، غالباً ما تكون بقيادة المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، بينما كان رئيس الجمهورية انذاك، هاشمي رفسنجاني، رئيساً لعملياتها. وكانت اللجنة تضم في عضويتها كذلك وزير الخارجية انذاك، علي اكبر ولايتي، ووزير الأمن علي فلاحيان. ولكن السلطات الألمانية اصدرت امر اعتقال بحق فلاحيان فقط الذي فرشت له السلطات الألمانية البساط الاحمر قبل اشهر فقط من ذلك التاريخ.

المحاكمة الاخيرة ذات الصلة باغتيال منشقين ايرانيين عقدت في باريس في يونيو (حزيران) الماضي، وحكمت المحكمة بالسجن 10 سنوات، على احد العملاء الايرانيين لتواطئه في اغتيال نائب وزير التعليم السابق رضا مظلومان.

المنشقون الذين تم اغتيالهم ينتمون الى كل الوان الطيف السياسي من ملكيين وشيوعيين وليبراليين ومن منظمة «مجاهدين خلق»، وحتى من اتباع سابقين للخميني تغيرت ولاءاتهم، وبينهم ضباط سابقون في الجيش، ومسؤولون كبار، ومفكرون وفنانون ورجال اعمال.

القضايا المرفوعة ضد الجمهورية الاسلامية لم تأت فقط من اسر المعارضين الايرانيين. فالعديدون من الرهائن الاميركيون الذين احتجزوا في طهران ولبنان، رفعوا قضايا وكسبوا تعويضات وصلت جملتها الى 500 مليون دولار حتى الآن. وكانت اشهر هذه القضايا تلك التي رفعها تيري اندرسون، الصحافي الاميركي السابق الذي قضى حوالي 7 سنوات رهينة في لبنان.

وبينما كان التوجه في اميركا هو الحصول على التعويضات المالية، فان اهتمام المحاكمات الاوروبية تركز على تقديم المسؤولين الى القضاء. وقد قدمت احدى الأسر الايرانية المغتربة دعوى ضد رفسنجاني في بلجيكا. وهذا لأن بلجيكا هي البلد الوحيد الذي يسمح برفع مثل هذه القضايا رغم حدوثها خارج اراضيها. ومن المحتمل ان ترفع دعوى اخرى ضد رفسنجاني في النمسا الشهر المقبل.

وطبيعي ان ايران ترفض هذه الدعاوى، وتدعي ان القضايا حلقات في التآمر ضدها ويعترف الدبلوماسيون الأوروبيون بأن ايران لم تتورط في اغتيال المعارضين منذ 1997، وهي السنة التي وصل فيها الرئيس محمد خاتمي الى السلطة.

قال مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع: «نحن نعرف ان الرئيس خاتمي، حل كل التنظيمات التي كانت متورطة في مثل هذه العمليات. وقد تلقينا تأكيدات قوية بأن اي شكل من اشكال العنف لن يستخدم ضد الايرانيين في الاتحاد الأوروبي».

ولكن الشرطة الألمانية، رغم ذلك، اعتقلت في الاسبوع الماضي، ايرانياً اتهمته بالتجسس على معارضين ايرانيين يساريين في منطقة كولن ـ بون. ولكن لم يكن واضحاً ما اذا كان هذا النشاط التجسسي مقدمة لحملة اغتيالات، ام انه يتعلق فقط بكشف النشاطات.

ويبدو ان القيادة الايرانية منقسمة حول الأسلوب الذي ينبغي ان تواجه به سيل الدعاوى والحالات الفردية. بعض كبار المسؤولين يقولون ان المشكلة ستتبخر في الهواء عندما تحسن ايران علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي، ومع اميركا في نهاية المطاف. ويقول آخرون ان هذه القضايا، التي يرفعها افراد، وتدعمها منظمات حقوق الانسان الأوروبية والأميركية، يمكن ان تضخم وتلحق اضراراً فادحة بصورة الجمهورية الاسلامية، وبمصالحها التجارية في الغرب. ولذلك يقترحون التعاقد مع محامين لدحض هذه التهم في كل مراحلها.