الصين تسعى إلى تخليص نظامها القضائي من تقاليده الإقطاعية.. والسوفياتية

TT

باو جونج او «باو العادل»، كما يطلق عليه، من شخصيات الأوبرا المفضلة لدى المواطن الصيني العادي، وهو قاض ورع ابعد ما يكون عن الفساد ومعروف عنه التمتع بالحياد والنزاهة الى درجة انه قضى بعقاب زوج ابنة الامبراطور.. وقليل فقط من القضاة الصينيين اليوم يتمتع بهذا النوع من الاحترام في ظل تدني مرتباتهم والنظرة العامة لهم بأنهم فاسدون وغير اكفاء. وفي ظل التحول الهائل في الصين باتجاه اقتصاد السوق، وهو تطور ربما يؤدي الى اضطراب اجتماعي في البلاد، يتجه القادة الصينيون صوب اصلاح النظام القضائي القائم على اساليب «الاقطاع القديم» والنموذج السوفياتي السابق معا، على امل ان يوفر هذا الاصلاح «صمام امان» امام المظالم العامة، غير ان الاضطلاع بهذه المهمة الكبيرة والحاسمة ليس امرا سهلا. وتجرى محاولات تجريبية في الوقت الراهن على مستوى المحاكم المحلية ومحاكم الدولة، من خلال تطبيق قواعد جديدة مثل افتراض براءة المتهمين الى حين ثبوت الادانة. كما جرى كذلك تأسيس مكاتب قانونية لمساعدة المواطنين في كل المقاطعات. علاوة على ذلك، صدر امر رسمي قبل ثلاثة اسابيع، بتفويض جديد من المؤتمر الوطني للحزب الحاكم، باجراء تدريب قضائي لكل القضاة. الجدير بالذكر ان اختيار القضاة في الصين كان يتم من بين الضباط العسكريين المتقاعدين، من دون ان يكون لهم أي خلفية قانونية، كما كان يجري اختيارهم كذلك من بين خريجي كليات القانون الجدد الذين «يطبقون ما قيل لهم». يضاف الى ما سبق ان المحاكم الصينية تفتقر الى وجود قضاء مستقل يجعل القرارات منفصلة عن نفوذ الحزب الشيوعي. كما تفتقر المحاكم ايضا الى القواعد القانونية الخاصة بالأدلة والطرق القانونية المتبعة في كافة مراحل التقاضي. ومع ذلك اصبح «حكم القانون» عبارة اصلاحية منتشرة في الدوائر الرسمية في بكين. ويبدو من خلال استخدام مصطلحات مثل «التحديث» و«المعايير الدولية» ان المسؤولين الصينيين عازمون على ادخال تغييرات في الساحة القانونية حتى في ظل التشدد السياسي ولجم حرية التعبير.

عندما التقى الرئيس الصيني جيانج زيمين الاسبوع الماضي بالمبعوث الاميركي السيناتورآرلين سبيكتر، شكا من ان المفكرين الاميركيين من اصل صيني «القي عليهم القبض وبان توجه لهم تهمة ومن دون تعيين محام لهم وفي غياب الشروط الاساسية للانصاف». وقال سبيكتر للمراسلين في وقت لاحق ان الرئيس جيانج زيمين قال لهم «اصبروا، فاننا نعمل على ترقية حكم القانون».

التغييرات حتى الوقت الراهن تقتصرعلى التنظيم التدريجي للقانون التجاري. وكان بعض القادة الصينيين، مثل رئيس الوزراء الاصلاحي الاقتصادي جو رونجي، قد اكدوا علنا وبصورة متكررة ان أي نظام معافى لاقتصاد السوق يعتمد في المقام الاول على نظام تحكيم نزيه في ما يتعلق بالحقوق، الى جانب وجود محاكم موثوق فيها في ما يتعلق باحترام وانفاذ العقود التي تبرمها جهات أجنبية.

غير انه بعد الاصلاح يذهب الى ابعد من ذلك، ففي صحف مثل «تشاينا ليجال ديلي» وفي اوساط مجموعة من المفكرين وككبار القضاة الصينيين يسمع الفرد هذه الايام آراء ثورية تدعو الى قيام قضاء مستقل، واعادة النظر في الطرق التي تستخدمها الشرطة في جمع الادلة. كما يتناول هؤلاء في اطار الجدل الذي يجري في اوساطهم حول الاصلاحات القانونية مسائل مثل اعطاء القضاة سلطات اكبر لحمل الشهود على المثول امام المحاكم، والسماح باستجواب الشهود خلال المحاكمة.

الجدير بالذكر ان الجهات المسؤولة عينت العام الماضي، ولأول مرة، محاميا في منصب رئيس المحكمة العليا الصينية. وفي نفس العام اصدرت المحكمة قرارا بوجوب تلقي كل من يعمل في مهنة القانون تدريبا قانونيا، كما ان الكشف عن عدم تطبيق هذا القانون داخل «مؤتمر الشعب» في مارس (آذار) الماضي اثار انتقادات عنيفة، أدت الى القرار الذي اتخذ الشهر الماضي بتلقي القضاة والمحامين والمدعين تدريبا قانونيا كشرط لمزاولتهم المهنة.

وقال روبرت رينشتاين، عميد كلية القانون بجامعة تيمبيل التي تجري برنامجا مشتركا مع كلية سينجو للقانون ببكين، ان النظام القضائي الصيني يتعرض الى هجوم وانتقادات من القيادة ومؤتمر الحزب، مؤكدا ان القيادات الصينية باتت تتفهم جيدا الحاجة الى الكوادر القضائية المؤهلة. واضاف ان الجهات المعنية في الصين تعكف على صياغة قوانين جديدة وان الحاجة تتركز في تطبيق هذه القوانين. ويرى بعض المراقبين ان الاحاديث عن الاصلاحات القانونية في الصين لا تعدو ان تكون محاولة فقط لعكس صورة ايجابية تساعد على الابقاء على الاستثمارات في اعلى مستوى لها، لتلبية متطلبات وشروط «منظمة التجارة العالمية». ومعلوم ان السويد وكندا واستراليا ظلت تدعم على مدى سنوات طويلة برامج التبادل القانوني مع الصين، كما ان الولايات المتحدة الغت الحظر مؤخرا عن مساعدات لدعم التعليم والتدريب القانونيين في الصين، بعد ان صدر قرار بتجميد هذه المساعدات غداة احداث ساحة «ميدان السلام السماوي» عام 1989.

يذكر ان المحاكم الصينية كانت تفتقر خلال «الثورة الثقافية» في الستينات والسبعينات الى وجود قواعد ومبادئ موحدة، غير ان الجهات الرسمية اصدرت عام 1980 كتيبا يحتوي على 170 قاعدة حول تنظيم المحاكمات والذنب والبراءة والاجراءات. واضاف النظام القضائي تدريجيا المزيد من القواعد والقوانين والاجراءات من اهمها افتراض براءة المتهم الى حين ثبوت التهمة عليه. ويأمل الاصلاحيون في نجاح المشروع الاصلاحي القانوني الذي يهدف الى انشاء نظام قضائي نزيه وعادل.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»