خاتمي يقدم اليوم حكومته الجديدة إلى البرلمان وسط خلافات شديدة بين الإصلاحيين والمحافظين

الديوان الأعلى للقضاء نقض الأحكام بحق المدانين باغتيال المثقفين

TT

وصف مصدر برلماني ايراني اجواء مجلس الشورى (البرلمان) الايراني امس، عشية تقديم اعضاء الحكومة الجديدة من قبل الرئيس محمد خاتمي الى البرلمان بصورة رسمية كي يتم التصويت عليهم اليوم، بأنها اجواء غير سليمة ومتوترة. إذ يواجه النواب الاصلاحيون، لا سيما اعضاء كتلة حزب جبهة المشاركة، وهو اكبر تجمع نيابي اصلاحي مؤيد لخاتمي، ضغوطاً شديدة ليس من قبل أوساط مرشد الثورة والجبهة المناهضة للاصلاحات المسيطرة على القضاء ومجلس صيانة الدستور، فحسب، بل من جانب بعض الأحزاب والفئات المجتمعة في جبهة «الثاني من الجوزاء» بغية ارغامهم على منح جميع الوزراء الثقة. وأشار المصدر الى ان الأغلبية النيابية قابلت بعض المرشحين لتولي الوزارات الرئيسية مثل طهماسب مظاهري وزير المال وعلي صوفي وزير التعاون ومسعود بزشكيان وزير الصحة الذي يعد اول كردي ينضم الى مجلس الوزراء ومرتضى حاجي وزير التعاون السابق الذي رشحه خاتمي لتولي وزارة التعليم والتربية التي تحولت تحت ادارة الوزير السابق «مظفر» الى وزارة غسل أدمغة الشباب حسب قول المصدر البرلماني.

وكشف نفس المصدر البرلماني لـ«الشرق الأوسط» عن نقاش ساخن دار بين مرشد الثورة علي خامنئي والرئيس خاتمي الأسبوع الماضي حول تعيين وزير جديد للتعليم والتربية بعد ان رفض خاتمي ابقاء مظفر في حكومته. ورغم ان الصحف القريبة من المرشد والمحافظين مثل كيهان ورسالت وجمهوري اسلامي شنت حملة شاملة لإرغام خاتمي على ابقاء مظفر في حكومته الجديدة بنشر بيانات ورسائل من عوائل شهداء الحرب وباسيج (قوات التعبئة) مجهولين وصفوا فيها «مظفر» بأنه مناضل ثوري منهم أعاد الى الكتب الدراسية المفاهيم الثورية، فان خاتمي قاوم تلك الضغوط بل أكد لمرشد الثورة بأنه لا يستطيع التعاون مع رجل يعارضه 90 في المائة من مسؤولي وزارة التعليم والتربية وترفض أغلبية المعلمين تدريس الكتب المدرسية الصادرة في عهده. وأفاد المصدر البرلماني بأن تركيبة الحكومة الجديدة هي تركيبة غير منسجمة وان خاتمي ليس راضياً عنها. إذ تضم وزراء سبق أن أعلن خاتمي في اجتماعه مع أعضاء المجلس السياسي المركزي لحزب جبهة المشاركة نيته في التخلص منهم. ويأتي وزير الخارجية كمال خرازي في مقدمة هؤلاء الوزراء اذ ان ترشيحه في الحكومة الجديدة تم بعد بضعة أسابيع من النقاش والجدل بين القيادة ورئاسة الجمهورية. وبالنظر الى علاقة خرازي العائلية مع مرشد الثورة منذ زواج ابنة صادق خرازي، مساعده وابن شقيقه، من احد انجال مرشد الثورة، فان خامنئي تدخل شخصياً لضمان بقاء خرازي في الحكومة رافضاً المرشحين الثلاثة الذين قدمهم خاتمي الى المرشد باعتبارهم الأكثر أهلية وكفاءة لتولي وزارة خارجية الحكومة الاصلاحية الجديدة. والمرشحون الثلاثة كانوا محسن أمين زاده ومحمد صدر (مساعدي خرازي حالياً) وعلي رضا مُعيري السفير الحالي في فرنسا. والوزير الآخر الذي طالب النواب الاصلاحيون بتغييره كان وزير الدفاع الأميرال علي شمخاني الذي أثار ترشيحه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة غضباً شديداً لدى الاصلاحيين المتحالفين مع خاتمي الذين اعتبروا قرار شمخاني طعنة في ظهر الرئيس وخروجاً عن ميثاق اعضاء الحكومة مع خاتمي، إلا ان الرئيس الايراني، قرر ابقاء شمخاني في الحكومة بعد اجتماع طويل مع شمخاني الذي أكد ولاءه لخاتمي ودعمه الكامل لمشروعه الاصلاحي. ومما يتردد في ساحة البرلمان حول أسباب تراجع خاتمي عن قراره السابق بتغيير وزير دفاعه في حكومته الجديدة، ان مرشد الثورة طالب بأن يسند خاتمي منصب وزير الدفاع الى العميد غلام علي رشيد، وهو من قادة الحرس المتشددين ومعروف بمعارضته الشديدة للاصلاحيين، مما سبب بقاء شمخاني في الحكومة.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان نواب الأقلية (كتلة المحافظين) تلقوا تعليمات من الجهات العليا لمنح جميع الوزراء الثقة، وذلك في الوقت الذي يشاهد توسع ابعاد الخلاف والتشرذم في جبهة الثاني من الجوزاء الاصلاحية، حول الموقف الذي ستبديه الجبهة اليوم حيال الحكومة الجديدة. وبعض الأحزاب والتنظيمات الاصلاحية مثل حزب همبستكي الذي جرى وقف صحيفته في الأسبوع الماضي ومنظمة مجاهدي الثورة الاسلامية وحزب العمل الاسلامي يعارض بشدة خرازي وشمخاني واسماعيل شوشتري (وزير العدل) فيما تسعى قيادة جبهة المشاركة الى التوصل الى حل وسط برفض ترشيح وزير أو وزيرين فقط معتبرة ان عدم حصول اكثر من ثلاثة من اعضاء الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان، سيضعف موقع خاتمي، وسيوفر فرصة ذهبية لمعارضي الاصلاحات لشن حملة مباشرة ضد خاتمي باعتباره غير قادر على اختيار وزراء مؤهلين لتولي المناصب الوزارية في حكومته. وتضم التشكيلة الوزارية الجديدة خمسة وزراء جدد هم طهماسب مظاهري وزير المال، واحمد خرم وزير الطرق والمواصلات ومسعود بزشكيان وزير الصحة وعلي صوفي وزير التعاون وصفدر حسيني وزير العمل، فيما تم نقل مرتضى حاجي من وزارة التعاون الى وزارة التعليم والتربية. وقد احتفظ كمال خرازي وزير الخارجية وعلي شمخاني وزير الدفاع وبيجن نامدارزنكنه وزير النفط وعبد الواحد موسوي لاري، وزير الداخلية وعلي يونسي وزير الاستخبارات واسماعيل شوشتري وزير العدل بمناصبهم.

واستناداً الى المصادر القريبة من البرلمان، فان خاتمي أكد خلال مشاوراته مع النواب، بأنه عازم على تعيين شخصيات اصلاحية بارزة في المناصب التي تخضع لسيطرته المباشرة وفي مقدمتها النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي من المتوقع اسناده الى الدكتور عارف رئيس منظمة التخطيط والميزانية والتوظيف حالياً. ويتوقع تعيين السيد محمد علي أبطحي مدير مكتب خاتمي حالياً مساعداً لرئيس الجمهورية للشؤون البرلمانية والحقوقية، وتعيين علي خاتمي شقيق الرئيس مديراً لمكتبه. وفي جلسة اليوم، سيلقي خاتمي خطاباً في البرلمان ومن ثم يقدم وزراءه ويعطي رئيس البرلمان بعد ذلك فرصة لمدة 15 دقيقة لكل من معارضي ومؤيدي كل من الوزراء، لابداء رأيهم وسيرد الوزير في نهاية احاديث النواب المعارضين والمؤيدين عليهم ومن ثم يتم التصويت على صلاحية الوزير المرشح وحين فوز المرشح بأغلبية نسبية خلال التصويت فان تعيينه يصبح شرعياً. هذا ومن جانب آخر، أبدت اسر ضحايا الاغتيالات السياسية التي طالت زعيم حزب الشعب الايراني داريوش فروهر وزير العمل في حكومة مهدي بازركان بعد الثورة وزوجته بروانه وأربعة من الكتّاب والمثقفين في العام 1998، أبدت تشاؤمها ازاء قرار الديوان الأعلى للقضاء بنقض الأحكام الصادرة بحق مسؤولي وزارة الاستخبارات الضاعلين في هذه الاغتيالات. وكانت منظمة القضاء العسكري قد أصدرت احكاماً باعدام ثلاثة من المتهمين الرئيسيين والحبس المؤبد لخمسة منهم بينهم مصطفى كاظمي مدير عام وزارة الاستخبارات في عهد علي فلاحيان ودرّي نجف آبادي وتراوحت فترة حبس المتهمين الآخرين ما بين سنتين وعشر سنوات.

والمعروف ان أسر ضحايا الاغتيالات السياسية ومحاميها قاطعوا جلسات محاكمة المتهمين بعد أن أعلن محمد نيازي رئيس منظمة القضاء العسكري ان المحاكمات ستكون غير علنية. وفيما أبدى الدكتور ناصر زرافشان المحامي الاصلاحي البارز الذي يتولى الدفاع عن حقوق أسر بعض الضحايا أمله بأن يكون قرار النقض الصادر من قبل الديوان الأعلى للقضاء مقدمة لاعادة النظر في ترتيب محاكمة المتهمين، قال احد أقارب داريوش فروهر ان معظم المتهمين قد تم الافراج عنهم بكفالة مالية رمزية، وقرار النقض الصادر ليس إلا اجراء هدفه الغاء أحكام الاعدام الصادرة بحق ثلاثة من المتهمين وخفض مدة الحبس لبقية المتهمين وفي اجراء آخر اعتبره الاصلاحيون ضربة جديدة لمكانة القضاء وتحدياً لمشاعر الشعب، برأت شعبة 1602 للمحكمة الجنائية تحت رئاسة جواد اسماعيلي، نجل وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان، من تهمة القتل. وخلال محاكمة سريعة لم تستغرق اكثر من بضع ساعات، أصدر القاضي اسماعيلي قراراً ببراءة محسن فلاحيان الذي أقدم على قتل ضابط الشرطة «خسروبيك» في نيسان (ابريل) الماضي. واتهم القاضي الضحية بأنه قام باستفزاز محسن فلاحيان وهدد حياته مما سبب في أن يطلق محسن فلاحيان بضع رصاصات نحوه دفاعاً عن النفس. وطالب القاضي اسماعيلي بأن يدفع محسن فلاحيان 12 مليون تومان (1400 دولار) إلى ذوي القتيل. غير ان والد القتيل رفض مبلغ الدية ورفع شكوى الى رئيس السلطة القضائية لاعادة محاكمة قاتل ابنه.