حركة شعبية إسرائيلية تعمل للانفصال عن الفلسطينيين من طرف واحد

تقترح إبقاء القدس و30 في المائة من الضفة الغربية و80 في المائة من المستوطنات في أيدي إسرائيل

TT

بعد مرور نصف سنة فقط على سقوط حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك، تسعى قوى سياسية اسرائيلية عديدة لتنفيذ فكرته حول الانسحاب من اراض فلسطينية من طرف واحد واقامة حدود جديدة بين اسرائيل وفلسطين وفقا للحسابات والمصالح الاسرائيلية.

وحسب الخطة التي يطرحها هؤلاء، بالاستناد الى خطة باراك، فان اسرائيل تنسحب من قطاع غزة ومعظم اراضي الضفة الغربية، الا انها تواصل احتلالها للقدس الشرقية وقضائها وما يعادل 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية و80 في المائة من المستوطنات، وتترك البقية للدولة الفلسطينية.

ويقف وراء طرح هذه الفكرة مجددا حشد من السياسيين والوزراء السابقين والجنرالات في جيش الاحتياط والعلماء والباحثين من جميع الاحزاب الاسرائيلية العلمانية الذين سيعلنون عن اقامة «حركة شعبية فوق حزبية» لهذا الغرض، تضم في قيادتها كلاً من: النائب حاييم رامون، من حزب العمل، وهو وزير الداخلية السابق، والنائب ميخائيل ايتان، من الليكود، ووزيرة التجارة والصناعة الحالية، داليا ايتسيك، والنائب دان مريدور، رئيس حزب المركز الذي سيصبح وزيرا في حكومة شارون، والنائب موشي راد، من حزب «ميريتس» اليساري الصهيوني وهو رئيس حركة «سلام الآن» سابقا، وغيرهم.

وهناك اختلاف في وجهات نظر المبادرين لهذه الحركة، من ناحية الدوافع والاهداف لفكرة الفصل بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ففي اليمين يرونها حلا عسكريا يمنع تسلل الفدائيين الفلسطينيين الى اسرائيل ويحفظ الامن، وفي الوسط يرونها حلا سياسيا ايضا، اذ يفرض على الفلسطينيين حدودا تقل بكثير عما كان باراك مستعدا لمنحهم في كامب ديفيد وطابا، وفي اليسار يرونها بداية لانهاء الاحتلال وتثبيت الاستقلال الفلسطيني وتهيئة الاجواء لاجراء مفاوضات سياسية هادئة توصل في نهاية المطاف الى حل سلمي يرضي الطرفين. ولكنهم يجمعون على ان خطة الفصل هي خطوة ملحة في الوقت الحاضر «لمنع التدهور الشامل ولمنع سيطرة اعداء الحل السلمي من الطرفين على الشارع»، ويتخذون نموذجا لذلك خطة الانسحاب من طرف واحد، التي نفذها باراك في مايو (ايار) 2000 في جنوب لبنان والتي رغم ما يشوبها من حوادث من آن لآخر، إلا انها اثبتت انها جلبت الهدوء والاستقرار واوقفت حرب الاستنزاف. ولم تعد هناك جنازات يومية للجنود الاسرائيليين في لبنان.

لكن القادة الثلاثة الاساسيين في اسرائيل، رئيس الوزراء ارييل شارون، ونائبه وزير الخارجية، شيمعون بيريس ووزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر، ومعهم ثلة كبيرة من الجنرالات والقادة العسكريين والامنيين، يرفضون فكرة الفصل، ويعتبرونها اضاعة للمال (تكلف مليار دولار) وللوقت (اذ لن تجلب الأمن، فالحدود مع القدس ستبقى مفتوحة والنزاع مع الفلسطينيين سيظل مشتعلا، بل سيجد الفلسطينيون في الانسحاب من طرف واحد تعبيرا عن ضعف الموقف الاسرائيلي ويستغلونه للمزيد من الضغط والعمليات). وبيريس بالذات، يعارض فكرة الفصل مبدئيا، ويعتبره امرا غير واقعي: «فنحن نعيش في محيط عربي. ولن يقوم سلام بيننا وبين العرب، إلا اذا عشنا معا بتعاون وباندماج كما في اوروبا الغربية. واي حديث عن فصل يعني استمرار الاغتراب والكراهية والعداء وبالتالي يعني استمرار الصراع».

وتبنى خطة الفصل المذكورة على الاسس التالية:

* تبدأ اسرائيل باقامة سياج كهربائي مزدوج على طول الحدود مع المناطق الفلسطينية واشكال اخرى من الفصل الفسيولوجي (حواجز ترابية ومائية وجدران من الاسمنت وغيرها)، لمنع دخول اي فلسطيني الى اسرائيل.

* تحويل المستوطنات في المناطق الفلسطينية الى سبع كتل استيطانية كبرى، متصلة جميعها باسرائيل ما قبل عام 1967، هي: كتلة استيطانية تضم المستوطنات القائمة شرق القدس وجنوبها (معاليه ادوميم وجبل ابو غنيم)، وكتلة ثابتة شمال القدس، وكتلة ثالثة في منطقة الخليل، وكتلة رابعة في الشمال الغربي لمدينة رام الله (مستوطنات موديعين)، وكتلة خامسة في منطقة نابلس، وكتلة سادسة هي مستوطنات غور الاردن.

ما تبقى من المستوطنات تزال وهي جميع المستوطنات في قطاع غزة، والاستيطان في قلب مدينة الخليل، والمستوطنات النائية داخل التجمعات السكانية الفلسطينية. ويبلغ عدد المستوطنين المقدر اجلاؤهم، حسب هذه الخطة، 30 الفا ومستوطناتهم 20 في المائة من الاستيطان القائم.

* المنطقة الفلسطينية الباقية (70 في المائة من الضفة الغربية و100 في المائة من قطاع غزة) تكون بموجب هذه الخطة عبارة عن كتلتين جغرافيتين متكاملتين، بحيث يستطيع الفلسطينيون داخلها التحرك بحرية فيسافرون من جنين الى الخليل دون اعتراض اي حواجز اسرائيلية. وحيثما توجد تقاطعات طرق توجب اللقاء والاحتكاك تتم اقامة جسور او انفاق بحيث لا يعود بينهما اي اتصال. واما المعبر بين قطاع غزة والضفة الغربية، فلا يفتح. ويظل مرهونا بالموقف الاسرائيلي، حسب تطورات الاحداث الامنية.

* القدس الشرقية تغلق تماما من جهة الضفة الغربية، ويصبح دخولها مرهونا بالاحداث والتقويم الاسرائيلي لها.

ويستغرق تطبيق هذه الخطة من سنتين الى ثلاث، يتوقع اصحابها ان تستمر الصدامات بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال خلالها. لكنهم سيحاولون اقناع الفلسطينيين ايضا بها، كحل مرحلي آخر، يجدر تنفيذه بأقل ما يمكن من الخسائر والعنف، خصوصا عندما يجلي الجيش الاسرائيلي المستوطنين ويفكك قواعده ومعسكراته وينسحب.

ويقول معدو الخطة انهم سيكونون منفتحين امام امكانية ورود اقتراحات اخرى او تعديلات على الخطة، ان كان ذلك من الجانب الاسرائيلي او من الجانب الفلسطيني. لكنهم مصرون على طرحها للنقاش الجماهيري، بحيث تفرض نفسها على القيادة الرافضة. واذا استمر الرفض، قد تكون هذه الخطوة الرافعة التي تعيد باراك الى الحلبة السياسية وربما الى الحكم. فمن المعروف ان احد اهم اسباب فوز باراك على نتنياهو، سنة 1999، هو تركيزه في الحملة الانتخابية على الانسحاب من طرف واحد من لبنان وشعار «سأعيد الابناء الى البيت». وقبل ان تسقط حكومته، وفي اطار اعداده الرأي العام الاسرائيلي لتسوية سياسية مع الفلسطينيين، بدأ يتحدث عن «اعادة الابناء الى البيت» ايضا من المناطق الفلسطينية المحتلة. وليس مستبعدا ان يتوجه المبادرون الى هذه الحركة الشعبية الى باراك، حتى يقود معركتهم في سبيل فرض خطة الفصل على المجتمع وعلى القيادة، علما بأن آخر استطلاعات الرأي اشار الى ان 64 في المائة من الاسرائيليين يؤيدون مبدأ الفصل.