وزير الخارجية الإسرائيلي وعرفات يلتقيان في برلين الأسبوع المقبل

TT

رغم المعارضة الاسرائيلية الواسعة، نجح وزير الخارجية الالماني، يوشكا فيشر، الذي زار اسرائيل خلال اليومين الماضيين في ترتيب برنامج للقاء يتم في عاصمة بلاده برلين، بين الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، ووزير الخارجية الاسرائيلي شيمعون بيريس الاسبوع المقبل، حيث من المتوقع ان يتفقا على وقف تدريجي لاطلاق النار واستئناف المفاوضات السياسية بموجب توصيات لجنة ميتشل.

وكان جنرالات الجيش الاسرائيلي اعضاء رئاسة هيئة الاركان، قد هاجموا علناً نشاطات بيريس ومحاولة لقائه عرفات. وخلال اجتماعهم مع رئيس الوزراء، ارييل شارون، ووزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر، اول من امس سمحوا لأنفسهم بالقول ان «اي لقاء اسرائيلي مع عرفات في هذا الوقت، يلحق الضرر الجسيم بالمصالح الاسرائيلية الأمنية». وطلبت المعارضة ان يشترط، على الأقل، ان يسبق اللقاء اسبوع من الهدوء التام في الساحة الميدانية.

ودافع بن اليعزر عن اللقاء بالقول ان هدفه فقط وقف اطلاق النار. الا ان شارون أبدى موافقته المبدئية مع الجنرالات، لكنه لمح الى أنه مرغم على الموافقة على اللقاء لأسباب تتعلق بمصالح اسرائيل العليا مثل علاقاتها الدولية. وردد ما قاله له الجنرالات خلال اجتماعه بهم: «علينا الا نعطي عرفات أية جائزة على سياسته الارهابية». وقال احد الجنرالات، ان عرفات لا يرى في العنف والارهاب أداة، بل اصبحا هدفا استراتيجيا له. وفي هذا مطلب ضمني بأن يعامل عرفات على انه زعيم ارهابي، وتصفيته.

وانضم الى المهاجمين، رئيس الوزراء السابق ايهود باراك، الذي يؤكد المراقبون ان له حسابا عسيرا جدا مع عرفات. فهو يعتبره عدواً، ويحمله مسؤولية سقوطه في الانتخابات. ولذلك فان تصرفاته وتصريحاته ازاء عرفات، تبدو متسمة كل الوقت بروح الغضب الشخصي وحب الانتقام. وقد اعلن باراك في اول محاضرة سياسية له منذ سقوطه قبل ستة اشهر، القاها على قادة الكيبوتسات (التعاونيات الاشتراكية) الاسرائيلية، ان «عرفات اثبت انه ليس شريكاً في عملية سلام. وانه اجبن من ان يتخذ قراراً حاسماً ومؤلماً لشعبه، مثلما نحن مستعدون لذلك تجاه شعبنا. لا بل انه يرمي الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة تحت قيادته، ودولة اسرائيلية الى جانبه، تكون بمثابة مشروع مستقبلي للابادة. فان لم يستطع وأمثاله من العرب القضاء عليها، يخطط لأن يصفيها بواسطة تكاثر العرب الفلسطينيين داخلها ومن ثم التحول الى اكثرية والسيطرة على الدولة وتوحيدها مع الدولة الاخرى تحت قيادة عرفات وأمثاله».

وقال باراك، ان المصلحة الوطنية لدولة اسرائيل تقضي اليوم بعزل عرفات في العالم، «فهو لا يتحرك الا اذا شعر بأنه معزول. لكن الغريب هو ان وزراءنا هم الذين يفكون العزلة عنه ويلهثون وراءه لمقابلته. فاذا كنا نحن نتصرف على هذا النحو، فلماذا نلوم الاميركيين والأوروبيين على اجرائهم اللقاءات معه؟!».

وتساءل باراك ايضا: «.. واذا كانت هناك ضرورة قصوى للقائه، فلماذا يلتقيه وزير الخارجية؟ لماذا يلتقيه وزراء اصلا؟ ان امثاله يجب الاكتفاء بارسال موظفين اليه، مثل ميجيل موراتينوس (المبعوث الاوروبي الخاص للشرق الأوسط) وضباط الجيش الاسرائيلي والمخابرات لا اكثر».

ورد بيريس على باراك بمؤتمر صحافي طارئ، قال فيه ان باراك هو آخر من يحق له الكلام: «فهو الذي رفع شعار لقاء عرفات في كل الظروف. وهو الذي اجتمع مع عرفات وعرض عليه تنازلات لم يسبق لرئيس حكومة ان طرحها من قبل على الفلسطينيين. وهو الذي فتح شهية عرفات للمزيد. ولو كان رئيس حكومة اليوم، لاجتمع مع عرفات بوتائر عالية. فعلى من يضحك هذا الرجل؟».

ورد على اقوال باراك ايضاً وزير القضاء في حكومته وأحد المقربين جدا منه، يوسي بيلين، فقال انه مذهول من هذه التصريحات، «وباراك بالذات ظل يدير مفاوضات مع عرفات حتى اللحظة الاخيرة قبل انتخابات رئاسة الحكومة، وفي ظل اطلاق النار، فما الذي يضيره اليوم؟ هل يحسب ان ذاكرة الناس قصيرة الى هذا الحد؟!».

بينما لقيت تصريحات باراك ترحيبا واسعاً في اليمين، جعلت احد المقربين من شارون يقول في الاذاعة الاسرائيلية العبرية، (امس): «باراك لا يختلف كثيرا عن شارون. وليس صدفة ان علاقات ممتازة تسود بينهما. فانني اجزم بأنه، عندما سافر الى كامب ديفيد وعرض على الفلسطينيين تلك التنازلات الخطيرة، لم يكن مقتنعا بها. بل اراد نصب فخ لعرفات. وقد نجح في ذلك. لقد كان يعرف ان عرفات سيضيع هذه الفرصة. فضرب ضربته».

لكن باراك، وحال نشر هذا التقويم، اصدر بياناً اوضح فيه انه ذهب الى كامب ديفيد بنية صادقة بل بقناعة تامة ان يحاول التوصل الى اتفاق سلام. وانه لم يتصور في اسوأ احلامه ان يرفض عرفات عروضه. واضاف: «لكن، وحيث ان عرفات رفض اقتراحاتنا السخية بعيدة المدى واثبت بذلك انه ليس معنياً بالسلام، علينا ان نكشفه في العالم ونحاربه».

من جهة ثانية يستغل شارون هذه الاجواء السامة في اسرائيل ضد الرئيس الفلسطيني لفرض القيود على لقاء بيريس ـ عرفات. وقبل ان يجتمع بالوزير الالماني فيشر (للمرة الثانية) مساء امس، ذكر الناطقون بلسانه انه لن يسمح باجراء اللقاء في موعده اذا وقعت عمليات انتحارية كبرى. ومع ان شرطا كهذا من شأنه ان يجهض اللقاء، الا ان مراقبين في اسرائيل رأوا فيه تراجعا عن شروط شارون السابقة مثل «لا لقاءات من دون وقف تام للنيران»، وموافقة على اجراء المفاوضات، عملياً، في ظل اطلاق النار.