الفلسطينيون يعانون بشدة من تدهور الأحوال المعيشية

نسبة البطالة ترتفع إلى 64% ومعدل الدخل ينخفض إلى 50%

TT

حتى نفهم مرارة اليأس الذي يعاني منه الفلسطيني لطفي بيشاوي لا بد ان ننتعل حذاءه المستعمل الذي اشتراه من كومة احذية قديمة مهترئة جلبت من اسرائيل. يقول هذا العجوز الذي يبلغ 69 عاما من العمر «في كل مرة اخطو فيها خطوة واحدة اشعر وكأني امشي في مستنقع، كيف انتهيت الى هذه الحالة.. ان اقترب من اجلي وانا انتعل حذاء القاه عدوي الذي اغتصب مني كل شيء؟».

اما العمل الذي يرتزق منه بيشاوي ببيع مبيضات الغسيل من كلور ونحوها فوق عربته فقد تبخر في الهواء منذ اندلاع الانتفاضة الاخيرة، لان «الناس باتت نادرا ما تغسل ارضيات منازلها وغسيلها بالصابون حتى تغسله بالكلور والمبيضات». وهذا ما تسبب في انخفاض دخله اليومي من 10 دولارات في اليوم، كما كان في الخريف الماضي، الى 5 دولارات اليوم. اما عائلته التي تشمل اولاده العاطلين عن العمل وزوجاتهم واطفالهم فيصل عددها الى 34 فردا، ويسعى الكبار فيها وراء اعمال خدمية مثل حمل البضائع في السوق وغيرها، اما الصغار فيتسولون امام عتبات اقسام الشرطة ويجلبون بين حين وآخر بيضة او اثنتين عندما يعتري الكرم العاملين هناك.

وفي ظل الانتفاضة الاخيرة ارتفعت معدلات البطالة في القطاع، اذ كانت في ديسمبر (كانون الاول) الماضي 50 في المائة، حسب احصائيات السلطة الفلسطينية والامم المتحدة، وبحلول يوليو (تموز) الماضي وصلت الى 64 في المائة، حسب وزير الصناعة. وشهدت اكثر من نصف عائلات غزة انخفاض دخلها الى 50 في المائة خلال الاشهر الـ11 الماضية. كما يعيش نحو ثلثي كل الفلسطينيين تحت خط الفقر، اي بدخل شهري يقل عن 400 دولار لعائلة من 6 افراد. وحالة قطاع غزة انكى من ذلك، اذ ان 8 من كل 10 اشخاص يعيشون هناك تحت خط الفقر حسب مركز الاحصائيات الفلسطينية في يوليو الماضي.

ولم تغلق اسرائيل حدودها في وجه الغزيين بل انها اغلقت غزة نفسها عن بقية العالم، فهي اغلقت المطار وكل الطرق المؤدية اليها من الضفة الغربية والعالم العربي شرقا وشمالا، كما يغلق الجنود الاسرائيليون المعابر المؤدية الى القطاع جنوبا وغربا الى مصر.

يصعب تحديد شدة الاوضاع وصعوبتها في القطاع، ولكن مرافقة بيشاوي في جولة داخل غزة تكشف عن صورة قاتمة لكيفية تلاؤم الفلسطينيين مع العيش في ظل القليل وتعاظم الفقر من حولهم. يبدأ بيشاوي يومه مع طلوع الفجر عندما يكون الجو لا يزال معتدل الحرارة، فبيته المسقوف بالواح الزنك يتحول الى فرن بحلول الساعة السابعة والنصف صباحا. وبعد افطاره الفول والزعتر يسرج حصانه ليبدأ جولته من بيت الى بيت ومن سوق الى سوق. ويعرج بيشاوي على سوق فراس حيث يتوقف عند محل بيع الزي المدرسي الذي يملكه محمد مسميح الذي خفض سعر زي الفتيات المدرسي من 5 دولارات الى 2.5 دولار وقمصان الصبيان من 7.5 دولار الى 5 دولارات. ويوضح مسميح قائلا «لا اطلب الا ارخص الملابس من الصين، وبدل ان اجني في اليوم 150 دولارا الى 200 دولار فاني لا احصل على اكثر من 75 دولارا، ولا احد يشتري حقائب مدرسية جديدة».

وحاول بيشاوي طمأنة مسميح بان زوجة ابنه ستأتي الى محله قريبا لشراء اللوازم المدرسية، ولكنه عندما غادر المحل قال «انها لن تأتي، فنحن سنستخدم ملابس العام الماضي».

وتتسلم عائلة بيشاوي في كل شهر شوالا من الطحين والارز والسكر و10 دولارات عن كل طفل، كما تتوسل العائلة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي توزع كميات محدودة من الغذاء والمال. ولا تتناول العائلة الدجاج الا كل 10 ايام، وتتنهد سوسن زوجة حسن الابن الاكبر لبيشاوي قائلة «آه.. كم اشتهي تناول المانجو».

وفي السوق، يتبرم الجزار عاطف مصطفى من الاوضاع ويقول «كان دخلي في اليوم يصل الى الف دولار»، ثم وهو يشير الى كومة من الدهن «كنت ارمي هذه في العادة، ولكن الناس الآن تأتي الي وتعرض علي 10 شيكل (25 سنتا) مقابل شرائها»، ويهز كتفيه «هكذا بت ابيعها لهم». اما جابر حبيب الذي يمتلك محل بيع الدجاج فيقول «اذ حدث وجاءني احد المشترين فانما لشراء رقاب او ارجل الدجاج، ولم تكن الناس من قبل تأكل ارجل الدجاج».

وعاد بيشاوي بعد بيعه زجاجة مبيض واحدة مقابل 25 سنتا الى صاحب احد المحال، واشار وهو يمر من سوق فراس الى رجال يجربون احذية من كومة محشورة في ممر مظلم، فمن هنا اشترى حذاءه من غير رباط والذي علاه الغبار من جولة الصباح. وبينما كان الزبائن يقفون على قدم واحدة محاولين قياس الاحذية المختلفة وهم مطرقو الرؤوس علق احدهم «ماذا بوسع اينا ان يقول؟ انت ترى بنفسك مقدار الاذلال الذي نجد فيه انفسنا، لقد تحولنا الى مكب قمامة لاسرائيل». ويهز بيشاوي رأسه ويقول «انا لا اخبر اي احد باني اشتريت حذائي من هنا، بل اقول اني عثرت عليهما بين اشيائي القديمة، حقا انه امر مهين جدا».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»