بوادر نزاع مسلح بين تركيا وإيران بعد سلام 4 قرون و3 أحلاف ناجحة في نصف قرن

منافسة مشتدة بين أنقرة وطهران على النفوذ في منطقتي قزوين والقوقاز

TT

كانت باكو، عاصمة اذربيجان، ترفل في حلة زاهية من الأعلام والأزهار، وهي تستعد لما اطلقت عليه وسائل الاعلام «الحدث الكبير». وهو سلسلة من التشكيلات الاستعراضية التي يقوم بها سرب من طائرات «إف ـ 16» الحربية في سماء باكو، غداً وبعد غد. وسيشاهد هذا العرض الرئيس حيدر علييف ومجلس وزرائه اضافة الى 600 من اعيان البلاد.

وسيكون ضيف الشرف في هذه المناسبة رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة التركية، الجنرال قيورق اوغلو الذي يتوقع وصوله الى باكو اليوم.

هذه اول مرة يقوم فيها اكبر قائد عسكري في تركيا بزيارة باكو. وتقول وسائل الاعلام التركية والأذرية ان زيارة الجنرال قيورق اوغلو، على رأس وفد من 100 شخصية عسكرية، ترمي الى «ارسال رسالة الى طهران». وقد تصاعد التوتر بين طهران وباكو بداية هذا الشهر عندما اجبرت البحرية الايرانية سفينة تنقيب بريطانية على التخلي عن مهمتها في البحث عن البترول داخل المياه الأذرية في بحر قزوين. وقام سلاح الجو الايراني بعد ذلك باستعراضات في المجال الجوي الأذري.

وقبل ساعات فقط من وصول رئيس الأركان التركي ابلغت باكو رصيفتها طهران ان اثنين من «الجواسيس» الايرانيين قد القي القبض عليهما في جليل اباد في الجنوب الشرقي من أذربيجان. وصرح أراز قوربانوف، المتحدث باسم قوات الأمن الأذرية، امس، ان الرجلين كانا يرتديان زي رجال الدين الشيعة، وكانت في حوزتهما اسلحة ومتفجرات. ومما له دلالة خاصة ان الجاسوسين المزعومين اعتقلا في جليل اباد، لأن الزعماء الأذريين ظلوا يتهمون طهران بأنها تسعى لخلق وتشجيع حركة انفصالية في اقليم تليش على بحر قزوين.

ومع ان التليشيين مسلمون سنة، فانهم يتحدثون لغة ذات صلة باللغة الفارسية. اما الأذريون فهم مسلمون شيعة وترتبط لغتهم باللغة التركية. وقد ادى هذا الواقع الى نشوء وضع غير عادي يتحالف فيه التليشيون السنة مع الشيعة الايرانيين ضد الشيعة الأذريين.

يقول الأذريون ان ايران خانتهم بدعمها ارمينيا مما مكّن هذه الأخيرة من احتلال 25% من الأراضي الأذرية اوائل التسعينات. ومن الجانب الآخر، يتهم الايرانيون القادة الأذريين بإبرام تحالف مع تركيا والولايات المتحدة. ولمجابهة ذلك الحلف اقامت طهران حلفها الخاص مع أرمينيا وروسيا المسيحيتين.

غضبت ايران كذلك لقرار أذربيجان بحرمان الشركات الايرانية من حقوق التنقيب عن البترول في المياه الأذرية في بحر قزوين. وترغب ايران في تقسيم منطقة بحر قزوين الى خمس مناطق متساوية حتى تحصل كل دولة مطلة على هذا البحر المغلق على 20% منها. اما اذربيجان وروسيا وقزقستان فتتبنى التقسيم على أساس طول الامتداد الساحلي، وبناء على مثل هذا التقسيم سيكون نصيب ايران 11% فقط.

وقد تصاعد غضب طهران ضد باكو الى مرحلة جديدة هذا الشهر عندما وافق علييف على استخدام الأبجدية اللاتينية في كتابة اللغة الأذرية بدلاً من الحروف العربية ـ الايرانية. وزاد علييف الطين بلة عندما صرح للتلفزيون الأذري بأن أذربيجان «جزء من العالم المتحضر ولن تسمح مطلقاً بحكم المهوسين دينياً».

ووصفت زيارة الجنرال قيورق أوغلو بأنها «استفزاز» من قبل طهران. ومن الواضح ان زيارة القائد العسكري التركي والاستعراضات العسكرية الجوية في باكو تم بحثها والموافقة عليها من قبل حلف شمال الاطلسي (الناتو) الذي تحظى تركيا بعضويته. ولا تسمح قوانين الناتو لتركيا باستخدام الأسلحة الاميركية خارج منطقة الناتو.

تربط أذربيجان اتفاقية مع الناتو، ولكن علييف يرغب في علاقة اكثر متانة. كما يرغب في مساعدة تركيا في تشكيل جيش أذري يمكن الاعتماد عليه. ولكن تركيا ظلت حتى الآن تتصرف بحذر. وقد سمحت لحوالي 60 من الجنرالات المتقاعدين بالاقامة في أذربيجان لتدريب الجيش الأذري. وأمدَّت أنقرة باكو بما قيمته 120 مليون دولار من الأسلحة. وعبر علييف عن رغبته في زيادة عدد الضباط الأتراك المتقاعدين المعارين الى 800، وذلك لتدريب 4 فرق جديدة لمواجهة ارمينيا وحماية الحدود مع ايران.

ولكن دعماً عسكرياً كبيراً لأذربيجان، سيؤدي دون ريب الى رد فعل حاد من طهران. وربما تدفع طهران في مثل هذه الحالة، أرمينيا الى شن هجمات جديدة على أذربيجان. كما يمكنها ان تؤجج التمرد في تليش ويمكن كذلك ان تشعر تركيا بتهديد جدي اذا عمدت طهران الى تفعيل وحدات حزب العمال الكردستاني التركي المحظور الموجودة في ايران حالياً.

قبل عام واحد فقط، كان من المستحيل تصور قيام نزاعات مسلحة بين ايران وتركيا. فالدولتان الجارتان لم تحاربا بعضهما البعض خلال اربعة قرون. ولأكثر من نصف قرن ظلتا حليفتين في اطار ثلاثة احلاف ناجحة: حلف سعد أباد، وحلف بغداد وحلف السينتو.

ولكن المحللين العسكريين يقولون الآن ان تركيا وايران تندفعان نحو الصدام. فطهران مصممة على ان تلعب دوراً أساسياً في بحر قزوين ومنطقة القوقاز، وتنظر الى تركيا كقوة «اجنبية»، وكحصان طروادة للولايات المتحدة. وتصر أنقرة من جانبها على ان تكون جزءاً من القوقاز وبحر قزوين، وان ترتبط بعلاقات اوثق مع كل الأمم التي تتحدث لغات قريبة من اللغة التركية.