شارون يسعى لإجهاض لقاء عرفات ـ بيريس

رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الزعيم الفلسطيني: لن أتحمل إطلاق رصاصة احدة باتجاهنا

TT

في الوقت الذي تبذل فيه محاولات حثيثة من عدة اطراف محلية ودولية لانجاح اللقاء المقرر عقده الأسبوع المقبل في المانيا بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ووزير الخارجية الاسرائيلي والقائم بأعمال رئيس الوزراء شيمعون بيريس، يسعى رئيس الحكومة ارييل شارون لاجهاض اللقاء قبل التئامه وذلك بتصعيد التصريحات السياسية ورفع مستوى القيود على اللقاء.

على الصعيد السياسي، حرص شارون على اطلاق تصريحات يفرض من خلالها قيوداً واضحة على شمعون بيريس خلال لقائه مع عرفات. فقال ان بيريس سيبحث فقط في ترتيبات وقف اطلاق النار وفي اجراءات اسرائيلية لتخفيف الحصار عن الفلسطينيين، ولا شيء غير ذلك. وخوفاً من ان لا تصل هذه التصريحات الى عنوانه الفلسطيني، بعث شارون برسالة مباشرة الى الرئيس عرفات، بواسطة وزير الخارجية الألماني، يوشكا فيشر، يبلغه فيها انه لن يبدأ بتطبيق توصيات لجنة ميتشل إلا بعد مضي أسبوع كامل من الهدوء التام. وقال: لا اتنازل عن دقيقة واحدة من هذا الأسبوع. ولن أحتمل اطلاق رصاصة واحدة خلاله.

واجتمع شارون مع السفير الأميركي في تل أبيب، دانئيل كريتسي، مساء الأول من امس، الثلاثاء، وأبلغه هو ايضاً بالقيود التي يفرضها على بيريس بشأن لقائه مع عرفات.

وقد وصلت هذه الرسالة جيداً الى عنوانها الفلسطيني، فأعلن امين سر مجلس الوزراء، احمد عبد الرحمن، أمس، ان احداً في القيادة الفلسطينية لا يعلق آمالاً على هذا اللقاء، حيث ان صاحب القرار الوحيد في اسرائيل هو شارون. وشارون يريد حلاً عسكرياً فقط لا غير «لذلك فاننا نعرف ان اللقاء مع بيريس سيكون بلا مضمون، ولكننا نذهب اليه لأننا لسنا رفضيين، ولأننا نحترم الوسطاء الذين يسعون الى تثبيت لغة الحوار».

وبهذه الروح تكلم ايضاً الرئيس عرفات، امس، اذ قال: «يؤسفنا ان تجربتنا مع هذه الحكومة دلت على ان اللقاءات تنتهي، الى لا شيء. فقد اجتمع بيريس مع كل من نبيل شعث وصائب عريقات وياسر عبد ربه واحمد قريع (ابو العلاء)، ولم تسفر اللقاءات عن شيء. ومع ذلك، لا بأس من المحاولة مرة أخرى، حتى يتيقن اصداؤنا في العالم من اننا لسنا الطرف الذي يمنع التقدم على المسيرة السلمية».

ولكن شمعون بيريس من جهته، لم يتأثر من هذه الرسائل، وقال: اولاً اللقاء بحد ذاته مهم، فالكلام قادر على تحقيق اهداف أكثر بكثير من الرصاص، وليقل من يشاء ما يشاء. وثانياً، عندما نلتقي، لا أحد يقفل فم الآخر، نحن نتحدث عن وقف اطلاق النار، فهل نسكت عندما يطرح احدنا افكاراً ومواضيع أخرى؟! وقال مصدر مقرب من بيريس انه يذهب الى هذا اللقاء بعد اعداد جدي وعميق وانه سيحاول بكل قوته الخروج منه بنجاح، وهذا الحرص على ان يكون لقاء ناجحاً هو الذي يؤخر تحديد موعد نهائي للقاء. وحسب المصدر نفسه، فان بيريس يفضل اجراء اللقاء هنا في المنطقة، على الحدود الاسرائيلية ـ الفلسطينية او في عمان او في القاهرة «لعلنا نحتاج الى لقاءات أخرى من بعده».

ونقلت مصادر صحافية، امس، على لسان مسؤولين في مكتبي بيريس وشارون، ان وزير الخارجية الاسرائيلي سيحمل الى عرفات مبادرة جديدة لعقد «هدنة» بين اسرائيل وفلسطين، على الطريقة العربية العشائرية القديمة، وقال المراسل السياسي لصحيفة «هآرتس»، ألوف بن، المعروف باطلاعه الواسع، ان فكرة الهدنة هذه تبلور لدى ثلاث شخصيات معروفة في اسرائيل هم: عضو الكنيست العربي السابق، عبد الوهاب دراوشة، المتقاعد حالياً لكنه ما زال رئيساً فخرياً للحزب الذي أسسه، الحزب الديمقراطي العربي، والبروفسور يوسي غينات، المحاضر، قسم التربية في جامعة حيفا، والمستشرق ايال ايرلنج، وقد بنوا اقتراحهم على التقليد العربي ـ الاسلامي القديم بعقد الهدنة مع الأعداء، ليكون اتفاق شرف تمنع فيه اي طرف عن تنفيذ أي اعتداء على الطرف الآخر خلال مدة معينة.

وقد أرسلهم بيريس الى مكتب شارون، وهو الذي كان بادر الى فكرة وقف اطلاق النار، فتحمس لها، خصوصاً بعد ان استمع الى محاضرة من البروفسور غينات عن أهمية الهدنة في التراث العربي وضرورة التعامل مع العرب من خلال معرفة واحترام تراثهم. إلا ان المستشار القضائي لوزارة الخارجية، لفت النظر الى ان الهدنة ليست تقليداً في الاسلام فحسب، انما هي مفهوم قضائي معروف في العلاقات الدولية. والفرق بينه وبين وقف اطلاق النار، هو انه يعقد بين دولتين. ولهذا فان توقيع اتفاق كهذا بين شارون وعرفات، ينطوي على الاعتراف بدولة فلسطينية.

لكن شارون وبيريس لم يتأثرا من هذه الملاحظة. والمقربون من شارون يؤكدون انه لا يمانع في الوصول الى هدنة واعتراف بدولة فلسطينية، اذا كانت تلك هدنة طويلة الأمد «فهذا بالضبط ما كان اقترحه شارون عندما تحدث عن حل مرحلي طويل الأمد، تقدم خلاله دولة فلسطينية على ارض ذات امتداد جغرافي واحد».

بيد ان عبد الوهاب دراوشة حذر من ان يعطي شارون مفهوماً آخر للهدنة، وقال: «انا أعرف ان شارون يريد حلاً مرحلياً يضمن له تثبيت الاستيطان اليهودي في الأرض الفلسطينية المحتلة لفترة طويلة لكن ما نقترحه ليس كذلك اننا نقترح عقد هدنة لفترة قصيرة محددة. مدتها القصوى سنة، من المفروض ان يتم خلالها انجاز مفاوضات السلام بالحل الدائم».