واشنطن قد لا تسمح بنجاح مهمة «الناتو» في مقدونيا من دون مشاركة قواتها

TT

في الوقت الذي يستعد فيه حلف شمال الأطلسي (الناتو) للبدء بثالث عملية عسكرية لحفظ السلام في البلقان بدأها في البوسنة ثم في كوسوفو، والآن في مقدونيا، بدأت تلوح في الافق اسئلة ربما ستبقى في الوقت الحالي من دون جواب، اهمها الى متى سيبقى «الناتو» رجل الاطفاء في منطقة البلقان؟ وهل سيأتي اليوم الذي ستغادر قواته المنطقة قبل ان يعم سلام حقيقي وتعايش بين القوميات المتحاربة؟

اما السؤال الاهم فهو كيف سيبدأ «الناتو» عملية في المنطقة من دون مشاركة القوات الاميركية فيها؟ وهل ستصبح قوات السلام في اوروبا اوروبية فقط من دون السيطرة الاميركية؟

ومعلوم ان القوة الاطلسية التي ستصل الى مقدونيا، وعددها 3500 جندي، منها 1500 بريطاني والباقي من دول اوروبية اخرى، يقودها ضابط بريطاني ويشاركه ضابط دنماركي، ولا يوجد فيها اي جندي اميركي، مما يثير الشك بان الهيمنة العسكرية الاميركية المباشرة على اوروبا بدأت تتراجع. وبدأ يحل محلها الدور البريطاني اذا صح التعبير.

فالقوات الخاصة البريطانية (اس. آي. اس) هي التي تراقب تحركات زعيم صرب البوسنة المتهم من قبل محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي رادفان كرادجيتش، وهي التي تستعد للقبض عليه في المنطقة التي يتوقع انه يوجد فيها في شرق البوسنة، لكن هل ستنجح مهمة الناتو في مقدونيا اذا لم تشارك فيها قوات اميركية؟ وهل تعمدت الولايات المتحدة عدم المشاركة في هذه المهمة لاسباب سياسية او خوفا على ارواح جنودها اذا ما حاولت جماعات مقدونية سلافية الانتقام منهم بسبب الغضب الشعبي في مقدونيا ضد الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يتهمها السلاف بتسليح المقاتلين الألبان وتدريبهم على السلاح من قبل ضباط اميركيين متقاعدين؟

هناك احتمال آخر ربما تتخوف منه واشنطن، لذلك رضيت أن تكون القوات المشاركة في عملية تجريد المقاتلين الألبان من اسلحتهم قوات اوروبية بحتة، فالمخاوف الاميركية ربما تعود الى احتمالات عدم تمكن قوات الناتو من تنفيذ المهمة الموكلة اليها في الوقت المحدد (30 يوما) وان يقوم المقاتلون الألبان بخرق وقف اطلاق النار ضمن خطة لإجبار قوات الحلف على فصل القوات المتحاربة وبالتالي اقامة منطقة امنية بين الطرفين، يمنع الجيش المقدوني من دخولها، وحينها يتمكن المقاتلون الألبان من اعادة تنظيم قواتهم، واحياء المؤسسات الادارية في مناطقهم واعلان الحكم الذاتي بعيدا عن سيطرة سكوبيه، شأنهم في ذلك شأن القبارصة الأتراك، وهذا ما تتخوف منه السلطات المقدونية ايضا كي لا يفرض عليها الأمر الواقع.

وهذا الاحتمال يراه المراقبون الاقرب الى الحقيقة، فبالرغم من ان قيادة جيش التحرير الوطني (الألباني) قد اعلنت انها ستنفذ بنود الاتفاق، وستقوم بتسليم اسلحتها، فما زال لديها منفذ لخرق هذا الاتفاق بسبب استمرار رفض البرلمان المقدوني التصديق على الاتفاق قبل ان يقوم المقاتلون الألبان بتسليم ثلث اسلحتهم، وكذلك كميات السلاح التي يطالب بتسليمها اعضاء البرلمان المقدوني اكبر بكثير مما يملكه المقاتلون الألبان، وهذه نقطة خلاف كبيرة سيستغلها الطرفان بالتأكيد.

يمكن كذلك للسلطات المقدونية ان ترفض تنفيذ بنود الاتفاق قبل ان تبسط سيطرتها على جميع اراضيها ونشر الجيش المقدوني في سائر المناطق الموجودة الآن تحت سيطرة الألبان. وسيدخل الاتفاق طريقا مغلقة ويتم تجميده.

سكوبيه تريد فشل مهمة الناتو كي تقوم بعملية عسكرية واسعة ضد المقاتلين الألبان، لأنها ترى في ذلك الطريق الوحيد لاعادة سيطرتها على جميع المناطق التي ينتشر فيها المقاتلون، وهذا هو مطلب الشارع المقدوني ايضا الذي لم يرحب بقدوم جنود الناتو الى مقدونيا، ووصفوا الحلف بأنه «منظمة ارهابية ألبانية جديدة».

والمطلب الشعبي هو القيام بعملية عسكرية كاسحة ضد المقاتلين الألبان يرحب به جميع زعماء الاحزاب المقدونية السلافية حاليا. وفشل مهمة قوات الناتو في مقدونيا لن يكون في مصلحة سكوبيه فقط، بل ان واشنطن تريد من حلفائها الاوروبيين ان يقتنعوا بان الناتو لا يمكن ان ينجح في مهمته في اي رقعة من العالم من دون مشاركة اميركية.