TT

كنا نعتزم تفجير كنيسة سيدة النجاة للإيقاع بين الدولة اللبنانية وتنظيمات فلسطينية خاص بيروت: ابراهيم عوض حصلت «الشرق الأوسط» على معلومات خاصة عن اعترافات قدمها مسؤول عسكري فلسطيني كان معتقلا في سورية وسلمته الى السلطات اللبنانية اخيرا، وتحدث فيها عن تورط قائد «القوات اللبنانية» المنحلة سمير جعجع مع الاسرائيليين في خطط ومشاريع ضد الدولة اللبنانية. كما تحدث عن خطط اسرائيلية لافتعال مشكلة فلسطينية ـ لبنانية والتبليغ عن خطة وهمية لاغتيال شخصيات سياسية بينها رئيس الحكومة رفيق الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

وهذه الاعترافات قدمها اخيرا (خ.ي) وهو رائد في احدى المنظمات الفلسطينية وقال فيها ان سمير جعجع مستمر في الرهان على اسرائيل. وأشارت هذه المعلومات، التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» وتنشر لأول مرة، الى ان اعترافات المستشار السياسي لـ«القوات» المنحلة توفيق الهندي الذي جرى توقيفه مساء الثلاثاء الماضي هي سلسلة في هذه العلاقة مع المشروع الاسرائيلي وانها استمرت رغم قول جعجع بقبوله باتفاق الطائف، فيما تبين ان قوله شيء وفعله شيء آخر.

وأوضحت المعلومات الخاصة بـ«الشرق الأوسط» ان الرائد الفلسطيني الموقوف (خ.ي) تحدث عن اهداف الخطة الاسرائيلية التي اعدت والهادفة الى ضرب الصيغة التعددية للمجتمع اللبناني، وافتعال مشكلة فلسطينية ـ لبنانية والعودة الى موجة التفجيرات، وذلك بغية توفير الظروف المناسبة لتبرئة سمير جعجع من الاحكام الصادرة بحقه والتهم الموجهة اليه تمهيدا لاطلاقه.

وأفادت المعلومات المتصلة بملف التحقيق مع المسؤول العسكري الفلسطيني انه اعترف بما نسب اليه لجهة إقدامه على التعامل مع العدو الاسرائيلي منذ عام 1986، وانه زود اسرائيل بمعلومات أمنية عن كل التنظيمات الفلسطينية الموجودة في لبنان وكلف كشف مصير الطيار الاسرائيلي رون اراد ومعرفة مصير الجندي الاسرائيلي سمير اسعد.

وأضافت المعلومات ان علاقة (خ.ي) كانت مع ضابط الموساد الاسرائيلي المدعو «ديفيد» الذي اعلمه انه يهودي من مواليد لبنان ومن منطقة وادي ابو جميل في بيروت، وكلفه العمل على تنفيذ خطة اسرائيلية لتبرئة سمير جعجع واطلاق سراحه بالتعاون مع «قواتيين» لم تعرف هوياتهم الشخصية. وكان الرابط بين (خ.ي) و«ديفيد» لبنانيا يلتقيه الأول دوريا في طرابلس (شمال لبنان) من دون ان يعرف هويته. وأوضحت المعلومات ان «ديفيد» افهم العميل (خ.ي) ما حرفيته ان هناك معادلة في السياسة الاسرائيلية تقول «لا حرب بين العرب واسرائيل من دون مصر، ولا سلام بين العرب واسرائيل من دون سورية ولبنان الذي لا يمكن ان يعيش الا ضمن اطار الطوائف وبالتالي يجب ضرب هذا الاطار، وان لبنان كان اكثر دولة قريبة لتوقيع السلام مع اسرائيل، ولكن سورية افشلت هذا الامر في 17 مايو (أيار) عام 1982، وان جعجع هو أمل اسرائيل الوحيد لاعادة لبنان الى التحالف مع اسرائيل وان الدولة الاسرائيلية تعتبر جعجع «سبع لبنان» وهو الوحيد القادر على التحالف معها».

وكشف العميل (خ.ي) وفقا للافادات التي ادلى بها اثناء التحقيق تفاصيل الخطة الاسرائيلية لضرب الاستقرار في لبنان وزعزعة الوضع الامني والسلم الاهلي. وفي هذا السياق اعترف العميل (خ.ي) بأنه استمر في ارسال المعلومات الى الاسرائيليين عبر الراديو وجهاز لاسلكي تدرب عليه في اسرائيل، وانه كان يلتقي ضابط الموساد «ديفيد» في السفارة الاسرائيلية في قبرص واحيانا في عواصم اخرى لتلقي التعليمات والخطط الجديدة، وانه كان يتقاضى مقابل المعلومات المهمة مبلغا كبيرا من المال اضافة الى راتب شهري وحساب توفير في احد البنوك في سويسرا. واشار الى انه حتى يونيو (حزيران) 1994 استمر في ارسال المعلومات عبر الراديو وجهاز اللاسلكي. وفي هذه الفترة كان الوضع في لبنان غير مستقر نسبيا بسبب الانفجار الذي وقع في كنيسة «سيدة النجاة» في جونيه والتي تم عقبها توقيف سمير جعجع بتهمة التفجير. واضاف ان الاسرائيليين، وعبر ضابط الموساد «ديفيد»، طلبوا منه تزويدهم بمعلومات مفصلة عن الموضوع يوما بيوم وهذا ما حصل. وان «ديفيد» كان شديد الاهتمام بالأمر وخصوصا بمتابعة تطورات توقيف جعجع، لافتا الى انه في التاريخ نفسه ظهرت بوادر خلاف بين احد التنظيمات الفلسطينية من جهة والدولة اللبنانية وسورية من جهة اخرى.

واستنادا الى المعلومات الخاصة التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» فان اخطر ما في الأمر هو ان ضابط الموساد «ديفيد» بعث في اوائل اغسطس (آب) من عام 1994 برسالة طويلة الى العميل (خ.ي) عبر الراديو يبلغه فيها ضرورة استغلال الخلاف الحاصل بين التنظيم الفلسطيني والدولة اللبنانية ووضع خطة له لكي يكبر الشرخ بين التنظيم الفلسطيني والدولة اللبنانية، وتقضي الخطة باعطاء معلومات خاطئة الى احد الاجهزة الامنية اللبنانية، بعدما يقدم نفسه على انه يريد التعاون معها للتخلص من ورطته مع الاسرائيليين.

وتضيف المعلومات انه سرعان ما اكتشفت الاجهزة الامنية تفاصيل هذه الخطة واهداف العميل (خ.ي) ولكنها استمرت في التعاطي معه وايهامه بحمايته حتى استحصلت على كل ما لديه من معلومات وما تنوي اسرائيل فعله.

وأوضحت المعلومات ان الخطة وهدفها «تبييض صفحة جعجع» تقضي بأن يقوم العميل (خ.ي) بإخبار الجهاز الامني اللبناني بأن التنظيم الفلسطيني الذي كان على خلاف مع الدولة اللبنانية سيقوم وبمساعدة تنظيم فلسطيني آخر بعمليات تفجير تستهدف كنيسة «سيدة النجاة» في جونيه مرة ثانية، يتبعها تفجير مسجد «عين المريسة» في بيروت على ان يكون هو المنسق لهاتين العمليتين. وابلغ الجهاز اللبناني بتفاصيل العمليتين وأسماء المنفذين.

وتوضح المعلومات ان ضابط الموساد «ديفيد» طلب من العميل (خ.ي) ابلاغ الجهاز الامني اللبناني، بأنه سوف يتم اغتيال شخصيات سياسية، وانه عرف منها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة رفيق الحريري. كما ارسل له خريطة للطريق التي يسلكها نبيه بري وهي من «فندق قدموس» باتجاه الروشة في بيروت. وأخبر ضابط الموساد ديفيد العميل (خ.ي) ان هذه الخطة وضعت لمساعدة سمير جعجع ولإحداث شرخ بين التنظيم الفلسطيني والدولة اللبنانية، وحتى يتبين للدولة اللبنانية ان الفلسطينيين هم الذين فجروا الكنيسة وليس «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع، وبالتالي خلق فتنة طائفية تقوم اسرائيل من خلالها بتنفيذ خطتها الخاصة التي تحتفظ بها وعبر عملاء آخرين.

والهدف من وراء هذا «السيناريو الجهنمي» الذي وضعه ضابط الموساد «ديفيد» ليس تبرئة جعجع فحسب وتجييش الرأي العام المسيحي في هذا الاتجاه، بل دفع الاجهزة اللبنانية لتوقيف قياديين فلسطينيين وإحداث صراع بين السلطة اللبنانية والفلسطينيين تستفيد منه اسرائيل امنيا بسهولة.