إيران تبتكر موسيقى «بوب» محلية لمنع شبابها من التأثر بالغناء والرقص الغربيين

TT

طورت ايران سلاحا جديدا ضد الغرب، يعرف باسم شادمهر اغيلي، وهو مطرب بوب شاب ومؤلف وملحن في الوقت نفسه ويعتبر الان اشهر مطربي البوب في البلاد.

وتشتكي الكثير من الدول من غزو الثقافة والحضارة الغربية ولا سيما موسيقى واغاني الروك، ولكن ايران تصرفت بهذا الشأن فمع وجود نسبة كبيرة من السكان من الشباب الذين يهتمون بموسيقى الروك التي تحظرها الحكومة باعتبارها فاسدة وغير اخلاقية، أسست ايران موسقى الروك الخاصة بها. واغيلي البالغ من العمر 29 سنة هو اعظم انجازاتها ـ وهو موسيقى ذكي وشاب وجذاب يملك كاريزما لجذب انتباه العديد من الشباب الايراني بعيدا عن الموسيقى الغربية.

ولكن هذه التجربة، مثل العديد من انجازات ايران خلال الـ22 سنة الماضية، حققت نجاحا جزئيا. ففي الاسواق السوداء في ايران لا يزال الشباب يقبلون على شراء نسخ غير اصلية من احدث اعمال المغنين الشباب في اوروبا الغربية واميركا. كما ان المغنيات ممنوعات في ايران، ولذا فان التسجيلات غير الاصلية لمغنيات مثل مادونا وويتني هيوستون وبريتني بيرس في غاية الشعبية.

وحتى اغيلي وهو ابن النظام، بدأ يتمرد على هذا النظام. فلم يسمح له حتى الان باقامة حفلات لانه، كما يقول، قد ابلغ بأن حفلات البوب تمثل «تهديدا امنيا قوميا». وكانت موسيقاه محظورة رسميا كما حظر عليه تأليف وتسجيل الاغاني لمدة 14 شهرا لان شعبيته نمت بسرعة بحيث لم يعجب الامر الحكومة الاسلامية.

وذكر اغيلي في مقابلة صحافية ان «الموسيقى في ايران تعتبر صمام امن للدولة ويجب ان تمنح للشعب بدقة بالغة وبكميات محدودة، مع وجود رقابة كبيرة».

وتجدر الاشارة الى ان صناعة الموسيقى في ايران هي مجال اخر من مجالات الصراع بين الاصلاحيين بقيادة الرئيس محمد خاتمي ورجال الدين المحافظين، الذين يسيطرون علي العديد من مؤسسات ايران القوية ويعارضون المشاريع الليبرالية السياسية والاجتماعية. وتعكس المشاكل في صناعة الموسيقى في ايران النزاعات التي يواجهها خاتمي وعملية نشر الديمقراطية التي يقودها في محاولته لايجاد طريق وسط بين تطرف القديم والجديد وبين الشرق والغرب والحرية والشمولية والاسلام والعلمانية.

ويوضح هادي سماتي وهو محلل سياسي في طهران ان «الموسيقى تستجيب بطريقة مختلفة، مبدعة في الواقع، للتغيرات السريعة في العالم ومطالب الاجيال الشابة». واغاني المغنيات الغربيات محظورة. والمغنيات في ايران يمكنهن المشاركة فقط في الكورس ولا يسمح لهن بالغناء بمفردهن ولا بطريقة مميزة بحيث يمكن من خلالها التعرف على اصواتهن. غير انه يسمح للمغنيات احيانا بالغناء في الاماكن العامة في ايران، ولكن في حفلات لا تحضرها الا النساء فقط. واذا حدثت مشكلة في الصوت مثلا واضطر كهربائي الى الدخول لاصلاح الامر، فلا بد ان تضع كل النساء غطاء الرأس.

واخيرا سمحت الحكومة لفرق البوب المشتركة من الرجال والنساء بالعمل معا. وكثيرا ما تلغى حفلات الغناء بسبب الخوف من عدم قدرة الشرطة على منع الحاضرين من الصفير والتصفيق والرقص، وهذه كلها من المحظورات.

ولكن المطالب الشعبية الملحة لمزيد من الموسيقى المعاصرة وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة والسوق السوداء للاقراص المدمجة الغربية اجبرت الحكومة الايرانية على تخفيف القيود، طبقا لما ذكره عدد من المحللين الايرانيين.

الا ان المسؤولين مصممون على الاستمرار في «ادارة» الفنون الشعبية طبقا لوجهة نظرهم. ويقول علي مرادخاني رئيس مركز الموسيقى الاسلامية في وزارة الثقافة «ان الفن الاهم هو عندما تكتشف ما يريده المجتمع وتتمكن من تنسيق جهود الحكومة لتلبيته».

وتجدر الاشارة الى ان سيطرة الحكومة على قطاع الموسيقى لم يتم ردا على موسيقى البوب الغربية ولكن ايضا لمواجهة مجموعة صغيرة وان كانت في غاية النجاح من مغني البوب الذين يعيشون في المنفى في لوس انجليس خصوصا.

وكثيرا ما يظهر هؤلاء المغنون عبر محطة تلفزيون فارسية فضائية مقرها في لوس انجليس، واسمها «تلفزيون ايران الوطني» الذي يمكن التقاطه في ايران عبر الاطباق اللاقطة غير القانونية.

وبالرغم من ان الاغاني التي تبث عبر تلك المحطة لا تحتوي على رسائل سياسية، فان الحكومة الايرانية تعتبر «لوس انجليس بوب» كما يطلق عليها، تهديدا سياسيا اكثر منه ثقافيا، طبقا لما ذكره مرادخاني. ويجد العديد من الموسيقيين السياسة الحكومية المتعلقة بالموسيقى سخيفة، ولكنهم يرفضون الافصاح عن ذلك علنا. وتقول واحدة من المغنيات الشهيرات في ايران ان «الناس ضاقوا ذرعا، هذه ديكتاتورية مطلقة. لقد تم تطوير صناعة موسيقى البوب في ايران لالهاء الشباب بعيدا عن القضايا الاجتماعية والسياسية».

ويوم الجمعة الماضي اعلنت الشرطة في طهران حملة جديدة ليس فقط ضد الموسيقى الغربية ولكن ضد كل «رموز الفسق»، فيما وصفه المحللون تصعيدا كبيرا في الصراع السياسي بين الاصلاحيين والمحافظين. الا ان المتحدث باسم الشرطة عاد يوم الاثنين الماضي وحاول تخفيف الموقف قائلا، ان الحملة مهتمة فقط بممارسات الاعمال غير القانونية وليس لها علاقة بـ«بالفساد السياسي».

ويقول احمد الامهودا، وهو رجل دين متوسط المنصب وشخصية محافظة متشددة ان «معظم اغاني البوب محظورة لانها فارغة وتهدف الى افساد ابناء المجتمع وتدمير البشرية وتقديم افكار وتعاليم مغلوطة لابعاد الناس من المبادئ الانسانية». وبالنسبة للنساء فان «الغناء يحولهن الى اداة للترفيه عن الرجال. وبالتالي فيعتبر الغناء بالنسبة لهن عملا محظورا، ولكن ليس مثل الموسيقى».

ويوضح محلل سياسي ايراني طلب عدم ذكر اسمه ان «النخبة الحاكمة تؤمن بأن كل ما هو غربي هو فاسد وسيئ. وفي الجانب الاخر يقوم الاعتقاد بأن كل ما هو غربي هو جيد» ولا سيما بين الشباب. والمعروف ان الشباب الذين تقل اعمارهم عن 30 سنة يشكلون ثلثي سكان ايران البالغ عددهم 65 مليون نسمة.

ويشير الشباب الى ان معظم المغنين الايرانيين الناجحين اختارتهم الحكومة لتقليد المغنين الذين يغنون في لوس انجليس. وفي الواقع مع دخول الحكومة الايرانية مجال تسجيل الاغاني، فان الناس هنا يؤكدون ان المغنين الايرانيين اصبحوا افضل من الناحية التقنية من لوس انجليس. ويشير بيمن فلاحي نصر، وهو طالب ايراني في مجال الاليكترونيات ويبلغ من العمر 20 سنة «في السنوت الخمس الماضية قدمت الحكومة مغنين ذوي اصوات مشابهة لاصوات المغنين غير القانونيين في لوس انجليس ولكن تطورهم الموسيقي توقف بسبب تدخل الحكومة. وهم يقفون خلف خط احمر واذا تعدوا هذا الخط اتهموا بمعاداة الثورة وارسلوا الى السجون».

وبالرغم من ذلك فان تحدي الحكومة هو احد منطلقات النجاح بين الشباب الذين عبروا، في الانتخابات الاخيرة، عن رغبتهم في التغيير بدعم السياسيين الاصلاحيين الذين تعهدوا بمزيد من الحرية الشخصية والحريات المدنية.

ويقول اغيلي ان «الدعاية السلبية في ايران مفضلة من اجل الحصول على الشهرة». ومن ناحية اخرى. بسبب سيطرة الحكومة على التلفزيون، فان «الظهور على شاشات التلفزيون مثل المضادات الحيوية: كلما زاد ظهورك اصبحت اقل شعبية».

ويرى البعض ان معارك اغيلي مع النظام عملية مقصودة لزيادة شعبيته. الا انه يؤكد ان معركته مع الحكومة التي استغرقت 14 شهرا، صادقة وترجع الى شعبيته المتزايدة. وقدم اغيلي الذي يعزف على الكمان والغيتار ثلاثة البومات، ويعد البوما رابعا موجودا الان في وزارة الثقافة لمراجعته. كما مثل دور البطولة في فيلمين سيعرضان قريبا في الاسواق.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»