وزير البيئة المغربي: مؤتمر مراكش للتغيرات المناخية سيشهد ميلاد المؤسسات التي ستطبق مقتضيات بروتوكول كيوتو

قال لـ«الشرق الأوسط» إن أميركا ستحضر المؤتمر وتعد خطة بديلة

TT

تحتضن مدينة مراكش من 29 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين فعاليات المؤتمر السابع للتغيرات المناخية. ويأتي انعقاد هذا المؤتمر غداة لقاء بون الذي خيم عليه الانسحاب الأميركي. «الشرق الأوسط» التقت محمد اليازغي، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والبيئة والإسكان المغربي ، واستعرضت معه جملة من القضايا المطروحة.

> مر لقاء بون في جو خيم عليه الانسحاب الأميركي فما هو تقييمكم لهذا اللقاء ولنتائجه؟

ـ كما تعلمون فقد أعلن الرئيس جورج بوش عن انسحاب الولايات المتحدة من بروتوكول كيوتو منذ عدة شهور ذلك أن أميركا تعتبر أن تطبيق التزامات ومقتضيات بروتوكول كيوتو سيؤدي الى انهيار اقتصادها.

ورغم هذا الانسحاب، فإن مؤتمر بون الذي انعقد ما بين 19 و27 يوليو (تموز) الماضي عرف نجاحا سياسيا لم يكن منتظرا، بفضل روح التوافق التي هيمنت، فالاتحاد الأوروبي ذهب خطوات نحو الأقطار النامية ومجموعة 77 زائد الصين قامت بتنازلات. مما شجع اليابان وكندا على قبول المقترحات السياسية والعملية لتطبيق البروتوكول رغم وجودهما ضمن مجموعة المظلة التي تنتمي لها الولايات المتحدة، ونفس الشيء أي قبول المقترحات قامت به روسيا.

وهكذا، وبعد أيام من المفاوضات التقنية التي تلتها مفاوضات سياسية لوزراء البيئة الممثلين لأكثر من 180 دولة، اتفق المؤتمرون على ما يسمى الآن بـ«اتفاقيات بون من أجل تطبيق خطة عمل بوينوس إيريس» التي تضم نقاطا توصلت الأطراف إلى اتفاق حولها كتنمية قدرات الدول النامية، ونقل التكنولوجيا إليها، وتمويل مشاريع بها تمكنها من مقاومة آثار التغيرات المناخية.

> في أفق الإعداد لمؤتمر مراكش، ما هي الآليات التي تمخض منها لقاء بون من أجل تجاوز الوضعية الحالية وإخراج اتفاقية كيوتو من المأزق؟

- إلى جانب هذه النقاط التي اتفق عليها، هناك نقاط مهمة جدا بالنسبة للدول النامية لم يتوصل المؤتمرون للاتفاق عليها، وهي مسجلة الآن في جدول أعمال مؤتمر مراكش، ومنها انطلاق تمويل المشاريع في اطار آلية التنمية النظيفة، والاجراءات القانونية الخاصة باحترام مقتضيات الاتفاقية والبروتوكول، والسياسات الوطنية للحد من الانبعاثات، واستعمال المشاريع الغابوية كوسيلة لتخفيض تمركز الغازات الدفيئة بامتصاص ثاني أوكسيد الكربون.

وفي هذا الاطار، فإن المغرب عازم على لعب الدور المنوط به كرئيس للمؤتمر السابع للأطراف من اجل التوصل الى اتفاق حول هذه النقاط الرئيسية يرضي جميع الأطراف.

ونظرا للتقدير الذي يتمتع به المغرب من طرف مجموعة 77 والصين التي تنتمي إليها، والصداقة المتينة التي تربطنا بالدول المصنعة كالولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي واليابان وكندا وغيرها، فإننا نتمنى تسخير كل هذا في سبيل تقريب وجهات النظر بين دول الشمال ودول الجنوب من أجل تخطي الخطوة الأخيرة، والتوصل إلى اتفاق شامل بخصوص تطبيق خطة عمل بوينوس ايريس، وتشجيع جميع الدول على المصادقة على بروتوكول كيوتو لدخوله حيز التنفيذ قبل قمة الأرض التي ستنعقد في دولة جنوب إفريقيا العام المقبل. فمؤتمر مراكش هو الذي سيشهد ميلاد المؤسسات التي تمكن من تطبيق مقتضيات بروتوكول كيوتو وفي الدرجة الاولى المجلس التنفيذي لآلية التنمية النظيفة.

> هل هناك مؤشرات حول إمكانية حدوث تحول ملموس في الموقف الأميركي خلال الأسابيع التي تفصلنا عن مؤتمر مراكش؟

ـ لقد أكدت لي كاتبة الدولة الأميركية خلال مؤتمر بون أن الولايات المتحدة ستشارك في مؤتمر مراكش، وأن بلادها ما زالت ملتزمة بالاتفاقية الاطار حول التغيرات المناخية، وهي تعمل على إعدادها لخطة خاصة للحد من انبعاث الغازات الدفيئة تعتزم اقتراحها كبديل لبروتوكول كيوتو، وتراها أنسب للدول المصنعة للحد من هذه الانبعاثات. ويتوقع بعض المحللين أن تقوم الولايات المتحدة بتقديم هذه الخطة الجديدة خلال مؤتمر مراكش، وحينها، سنكون مستعدين لمناقشة هذه الاقتراحات والاطلاع على محتواها، علما أن جل دول العالم الآن أعلنت أن بروتوكول كيوتو يشكل بالنسبة إليها الآلة القانونية الأصلح لمحاربة ظاهرة الاحتباس الحراري.

وأملنا هو أن تكون الاتفاقات العملية التي توصلنا إليها أخيرا في بون، وتلك التي نرتجي التوصل إليها خلال المؤتمر المقبل في مراكش كفيلة بأن تشجع الولايات المتحدة على التراجع على موقفها، وتبني مقتضيات بروتوكول كيوتو كمثيلاتها من الدول المصنعة. > في حالة استمرار التشدد الأميركي، ألا تتوقعون أن تتحول مراكش، خلال المؤتمر، إلى ساحة للاحتجاج العالمي على الأوضاع البيئية، خصوصا بالنظر لمستوى الحضور المرتقب للجمعيات البيئية، هل المغرب مستعد لمواجهة مثل هذا الاحتمال؟

- إن التقدم الملموس الذي عرفته المفاوضات خلال مؤتمر بون خفف نسبيا من غضب الجمعيات البيئية التي سجلت بارتياح التحول الإيجابي الملموس في مواقف جل دول الشمال.

وبالنسبة إلينا، فإننا سنشجع مشاركة الهيئات غير الحكومية، وخصوصا الافريقية منها والمغاربية على وجه الخصوص، على لعب دور فعال وإيجابي خلال المؤتمر السابع.

> خلال «كاب 6» تلقى كاتب الدولة الأميركي قطعة حلوى على وجهه، هل يمكن أن يحدث مثل هذا السلوك خلال «كاب 7» في مراكش؟ كيف تعتزمون تفادي ذلك؟

ـ نحن نأسف لما حصل لكاتب الدولة الأميركي في لاهاي في نوفمبر 2000، لكن ذلك وقع أثناء مؤتمر صحافي خاص للوفد الأميركي بالطبع.

نحن نرحب بكل مشاركة بناءة للهيئات والمنظمات البيئية التي تستدعى رسميا للمشاركة في المؤتمر، ولكننا لا نقبل بأي عمل يسيء إلى المؤتمرين، أيا كانت مواقفهم وتوجهاتهم، كما أننا لا نؤمن بأن العنف والتخريب يشكلان أحسن وسيلة لإبلاغ الرأي والموقف.

> انقسم العالم حول مسألة التغيرات المناخية إلى عدة تكتلات، على أية أسس تشكلت هذه التكتلات وما هي خصوصيات تصورات ومطالب أهم التكتلات؟

ـ رغم تعدد التكتلات الآن في إطار المفاوضات الدولية حول مشكلة التغيرات المناخية، فإنه يمكننا أن نجمعها ضمن تكتلين أساسيين:

فالتكتل الأول يضم الدول المصنعة التي تعتبر المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري من جراء انبعاثاتها المهمة من الغازات الدفيئة منذ بداية هذا القرن. وهذه الدول هي المعنية الأولى بتطبيق مقتضيات بروتوكول كيوتو، ولذا فهي تطالب بكثير من المرونة للتمكن من احترام واجباتها، سواء بإمكانية خفض انبعاثاتها باستعمال مشاريع تنموية في الدول النامية، أو بشراء «حق التلويث» من دول مصنعة أخرى، أو باحتساب ثاني أوكسيد الكربون الذي يمكن اختزانه بفضل مشاريع غابوية.

أما التكتل الثاني فيضم الدول النامية التي لا يد لها في ظاهرة الاحتباس الحراري بما أن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة ضئيلة جدا، والتي تعد بجانب هذا الأكثر تضررا من آثار التغيرات المناخية التي تساهم في تفاقم المشاكل الإيكولوجية التي تعاني منها من ندرة الموارد المائية، والتصحر، وقلة المحاصيل الزراعية والكوارث الطبيعية.

وهذه الدول تصر على التطبيق الفوري لمقتضيات بروتوكول كيوتو، والصرامة في المراقبة الدولية لهذا التطبيق لكي تتجنب تفاقم هذه المشاكل الايكولوجية التي تعيق مسارها التنموي.

وتتكتل دول الشمال خلال المفاوضات داخل عدة مجموعات، منها دول مجموعة الاتحاد الأوروبي، ومجموعة المظلة التي تضم الولايات المتحدة واليابان وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا. أما الدول النامية، فإنها ممثلة في المفاوضات داخل مجموعة 77 زائد الصين.

> بالنسبة للمنطقة العربية هل لها نوع من التنسيق على مستوى العمل والمواقف في إطار هذه المجموعة بالنظر إلى خصوصياتها كمجموعة؟ ـ تضم مجموعة 77 والصين جميع الدول النامية التي تحاول قدر الإمكان تنسيق مواقفها، رغم الخصوصيات الايكولوجية والاقتصادية التي تجعل كل مجموعة منها تنفرد بمواقف خاصة حيال بعض نقاط المفاوضات، مما يجعل التنسيق في بعض الأحيان بينها صعبا ولكن ليس مستحيلا.

ويمكن أن نصنف الدول النامية داخل المجموعات التالية على هذا النحو:

هناك الدول الافريقية، وأغلبها فقيرة وحساسة تجاه آثار التغيرات المناخية، مما يجعلها تطالب بتطبيق بروتوكول كيوتو فوريا، وتطالب بمساعدات مالية تمكنها من مواجهة هذه الآثار على المستوى البيئي والاقتصادي.

وهناك الجزر المهددة بالاختفاء من جراء ارتفاع مستوى البحر بسبب التغيرات المناخية، وهي الدول الأكثرتشبثا بالتطبيق الآني لمقتضيات الاتفاقية والبروتوكول.

وهناك الدول المصدرة للبترول التي تتوقع خسارات اقتصادية من جراء تطبيق مقتضيات بروتوكول كيوتو بسبب احتمال انهيار سوق المحروقات كالبترول، والتي تنادي اليوم بمساعدات مالية هامة تمكنها من تنمية مواردها الاقتصادية، حتى لا تبقى رهينة بمداخيل البترول فقط.

وينسق المغرب مواقفه مع الدول المغاربية الأخرى قبل وبعد كل مؤتمر دولي في إطار المشروع المغاربي حول التغيرات المناخية الذي تشارك فيه الآن دول الجزائر وتونس والمغرب (ويعمل المغرب على اقناع ليبيا وموريتانيا المساهمة في هذا الاطار). والذي يهدف الى تنمية القدرات في هذه الدول لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية.

أما على الصعيد العربي، فان مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة يتداول في الأمر ويمكن الدول العربية من تقريب وجهة نظرها وبقرار من الجامعة العربية يقوم المغرب بدور المنسق خلال المؤتمرات الدولية، وذلك بعقد اجتماعات بين الوفود العربية من أجل توحيد المواقف، وتدارس المشاكل المطروحة في المفاوضات وتدارس الاقتراحات العملية لتجاوزها.

ورغم تباين المواقف في بعض الأحيان بين الدول العربية المصدرة للبترول، والدول العربية غير المنتجة للبترول، مما يجعل التوافق صعبا، فإن هذه الدول تتجنب أي تعارض بين مواقفها داخل قاعات المفاوضات، وتحاول قدر المستطاع تقريب وجهات نظرها. وخير دليل على هذا هو الموقف السعودي الذي رحب بالتوافق الذي حصل في بون.