رئيس مجلسالنورب اللبناني مطمئن إلى انحسار الأزمة السياسية ويؤكد عزم لحود والحريري على «التعاون بغير حدود»

TT

هل بدأ العد العكسي لعودة الاجواء الطبيعة الى لبنان بعد زوال التوتر الامني؟ وهل طويت صفحة الحملات السياسية وازيلت «المتاريس» والمنابر المضادة بين اهل الحكم؟ وهل تنجح المساعي المبذولة على اكثر من مستوى في عودة التهدئة السياسية؟ وبالتالي هل الازمة الراهنة ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات ام انها تقف حالياً عند تقاطع بين استقرار ثابت وتأزم جديد؟

الاجواء السائدة على الساحة السياسة توحي لبعض المراقبين بأن «قطوع» ازمة الحكم سيمر بسلام، وان الامور تسير باتجاه التهدئة ومعالجة ذيول ما حصل خلال الاسابيع الثلاثة الماضية بالكثير من الوعي والتبصر، لأن المخاطر التي كان يمكن ان يؤدي اليها استمرار الاجواء المشحونة بين الرؤساء وداخل الحكومة كبيرة جداً على الوضع الاقتصادي بشكل خاص. وهذا ما يفرض على الجميع اعطاءه الاولوية في المعالجة تحت مظلة وفاقية سياسية تتسع للجميع، من دون اغفال ما تمر به المنطقة من تطورات وتحولات خطيرة تستدعي التحسب والحذر والمزيد من اليقظة والمناعة الوطنية.

وفي قراءة هادئة لمجريات اللقاءات السياسية التي حصلت خلال الايام القليلة الماضية، وتلك التي يتوقع حصولها مع بداية الاسبوع، يمكن الجزم بأن مرحلة جديدة من التعاون بين اركان الحكم، في ما بينهم من جهة، وبين الحكم والمعارضة من جهة ثانية، بدأت ملامحها بالفعل تتوضح، وذلك استناداً الى جملة مؤشرات ووقائع يمكن تحديدها على الشكل التالي:

اولاً: «ان ما حصل من خضات امنية وهزات سياسية هدّد بنشوب ازمة حكم، ولم يكن بمقدور أحد من اللاعبين المحليين إحداث اختراقات جدية في الاجواء التي تلبدت بين اهل الحكم. فكان لا بد للقيادة السورية من ان تدخل على خط المعالجة، خصوصاً ان الاشتباكات السياسية حصلت بين حلفاء لها، وهذا أمر يحرجها من جهة ويدفع بالاوضاع الى مزيد من التعقيد من جهة ثانية. ثم انه قد ينعكس تهديداً للاستقرار العام الذي سعت سورية الى تثبيته على الدوام. وكانت العبارات التي تردّدت على لسان الرئيس السوري بشار الاسد بالغة الدلالة لجهة عدم المس بمقام رئاسة الجمهورية والقوى الامنية والمقاومة، وبالتالي فان التلاعب بالاوضاع الامنية «خط احمر» لا يسمح بتجاوزه. الا ان هذا لا يعني وفق قراءة مرجع سياسي ان دمشق كانت راضية على كل الاجراءات الامنية التي اتخذت والتجاوزات التي حصلت في موضوع التوقيفات والحساسيات السياسية التي تولّدت عنها. كما انها ليست في وارد تغطية التحركات الهادفة للاطاحة بالحكومة ولا برئيسها. فالرئيس رفيق الحريري ما زال يشكل حاجة ماسة تقتضيها الظروف الاقتصادية التي يمر بها لبنان، وهي بالتالي مع الرغبة في ترميم العلاقات بين رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ورئيس الحكومة اكثر مما هي مع الذهاب بعيداً في المواجهة بينهما. كذلك فإن دمشق حريصة على حلفائها. وهي انطلاقاً من هنا شجعت رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على إطلاق العنان لحوارات سياسية بهدف كسر الحلقة المفرغة. وبهذا المعنى بدا جنبلاط من موقعه القريب من كل المتساجلين اللاعب الاكثر قدرة واهلية للعب دور نشط مع جهات الاعتراض البارزة من المسيحيين وإدارة حوار معهم حول العناوين الخلافية.

ثانياً: يمكن اعتبار «لملمة الوضع» هو عنوان المهمة التي بدأها وليد جنبلاط لاحتواء المشاكل وبسرعة تسابق الخطر الداهم، فكان لقاؤه مع الرئيس لحود وفق مصدر مقرب منه «ناجحاً.. لجهة الصراحة التي طبعت اللقاء» والاحاديث التي تبودلت على خلفية التوقيفات والتحقيقات الامنية وكيفية الخروج من الازمة الاخيرة وانهاء ذيولها من اجل التفرغ لمعالجة الازمة الاقتصادية التي اخذت حيزاً واسعاً من النقاش. وحيال هذه الازمة كان الرأي متفقاً على ان الحلول الاقتصادية لن تكون الا سياسية كي يصبح بالامكان تجاوز ما حدث. ومن المقرر ان يوسع جنبلاط دائرة اتصالاته فيلتقي خلال الاسبوع المقبل قوى سياسية عدة من بينها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي واركان «لقاء قرنة شهوان» و«المنبر الديمقراطي» وقوى اخرى داخل الحكم وخارجه، بمقدورها لعب دور في ترتيب الصفوف الداخلية.

ثالثاً: المعارضة المسيحية المتمثلة بـ«لقاء قرنة شهوان» بدت اكثر جنوحاً نحو التهدئة من خلال إقرارها بوجوب تكثيف الاتصالات مع المسؤولين في السلطة، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، وفتح حوار صريح معه حول كل جوانب الازمة التي تمر بها البلاد. ويعلّق المراقبون اهمية كبيرة على انفتاح رئيس الجمهورية تجاه فريق «قرنة شهوان» بعد عزل القوى الراديكالية المتمثلة بـ«القوات اللبنانية» و«التيار العوني»، وكسر الحاجز النفسي مع هذا الفريق، وخلق مناخ مؤات لقيام حوار جدي يستقطب الفاعلين في هذا التجمع، الذي يشكل ـ في رأي مراقبين ـ «الذراع السياسية» للبطريرك الماروني نصر الله صفير او «المكتب السياسي» للبطريركية المارونية. وذكرت مصادر في «لقاء قرنة شهوان» انه بامكان الرئيس لحود الاعتماد على «اللقاء» اذا كان ثمة توجه الى مسار إنقاذي على اساس ان يكون نتاجاً لحوار معمّق بين مختلف القوى السياسية المؤمنة بالانقاذ. وان «لقاء قرنة شهوان» هو مع «دور اساسي» لرئيس الجمهورية وكذلك مع ادوار لسائر الرؤساء، «لأن البلد مقبل على مرحلة دقيقة والمعالجات تحتاج الى اقصى التضامن بين القوى السياسية الفاعلة». وينقل زوار عن البطريرك صفير تأكيده ان لا مجال للتصادم بين بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية) وبكركي (مقر البطريركية المارونية) والتداخل بينهما ايا تكن الاسباب، وانه يعمل لتكون العلاقة ممتازة بين الرئيس لحود وسائر الناس، لان في ذلك مصلحة اكيدة للبنان ويجب بالتالي المحافظة على مقام الرئاسة الاولى وعدم المساس بها والتعرض لها لأن الرئاسة هي رمز لبنان ووحدته واستقلاله. الا ان ذلك لا يخفي انزعاج البطريرك من التجاوزات التي حصلت والممارسات التي رافقت التوقيفات في اعقاب زيارته للجبل التي شابها الكثير من الامور غير المبرّرة. وهو يقول ذلك لمن يلتقيهم، كما قاله للحود شخصياً حين التقاه يوم الثلاثاء الماضي من دون ان يتخطى في انتقاداته وملاحظاته الحدود في التعبير تقديراً منه لاهمية ما يعنيه التعقل والاحترام في موضوع التعاطي مع المقامات المسؤولة. وهو ما فتىء يدعو في لقاءاته مع السياسيين الى العمل كفريق واحد لمواجهة الحالة الاقتصادية وتجاوز الشروخ والانقسامات وازالة مسببات التوتر.

ويشار في هذا الصدد الى اللقاء الحواري الاسلامي ـ المسيحي الذي عقد في بلدة اللقلوق (جبل لبنان) امس بدعوة من مجلس الكنائس العالمي للشرق الأوسط وشاركت فيه 23 شخصية لبنانية بينهم ممثلون عن اللجنة الوطنية للحوار الاسلامي ـ المسيحي والنائب فارس سعيد والسفير السابق سيمون كرم وسمير فرنجية الذين هم ايضاً اعضاء في «لقاء قرنة شهوان»، وشارك فيه عن «حزب الله» عضوا المجلس السياسي محمود قماطي ونواف الموسوي.

رابعاً: الخطوة الاساسية لاعادة ترميم الوضع على المستوى الرسمي ستنطلق بعد عودة الرئيس رفيق الحريري مساء اليوم من اجازته في جزيرة سردينيا الايطالية ومزاولة عمله، الذي يستهله بلقاء مع رئيس الجمهورية. فقد باتت الاجواء مهيأة لمعالجة ذيول الازمة الاخيرة والتفاهم على إعادة اطلاق الوضع الحكومي لاستكمال تطبيق الاجراءات الاقتصادية والادارية المطلوبة. ونقل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي اجرى اتصالات هادئة بين لحود والحريري، اجواء مطمئنة على استعداد الرئيسين لطي صفحة الماضي و«التعاون البناء بغير حدود»، وترك المؤسسات تأخذ دورها في عملية الانقاذ بتعاون الجميع وتضافر جهودهم.

ويبدي رئيس المجلس النيابي ارتياحه امام زواره لما ستكون عليه المرحلة المقبلة بعد «الخضة» التي اربكت الوضعين الامني والسياسي، وهو يرى ان الحريري «سيعود بقوة وزخم» لممارسة دوره واستكمال اجراءات الحكومة في الاصلاح الاداري والمالي وانجاز ملف التعيينات وخصخصة بعض القطاعات. ويرى برّي انه لا يجوز «إخضاع ما حصل الى لعبة موازين الربح والخسارة لهذا الطرف او ذاك، فالرابح والخاسر في اي معادلة هو البلد. لذلك فمن الواجب ان يعود الجميع الى جادة العقلانية والموضوعية في كل الامور، لا سيما ان لبنان يواجه استحقاقات داهمة يجب مواجهتها بوحدة صف وجبهة داخلية متماسكة»، على حد قول برّي.