مزالي لـ«الشرق الأوسط»: إسقاط الحكم الصادر بحقي شرطي للعودة إلى تونس

قال إن البعض أوغر صدر بورقيبة عليه وأوهموه أنه أراد إزاحته من الحكم

TT

دعا رئيس الوزراء التونسي السابق محمد مزالي، الذي غادر بلاده عام 1986 الى الجزائر، القضاء في تونس الى تنظيف جبينه من وصمة العار الملتصقة به منذ اصداره حكما غيابيا في حقه وذلك كشرط قبل عودته الى تونس. اكد هذا مزالي من مقر منفاه في باريس في اتصال لـ«الشرق الأوسط» امس من لندن لتقصي تفاصيل قراره بالطعن في حكم صدر ضده قبل 15 عاما بالسجن ودفع غرامة مالية تناهز ما قيمته 500 الف دولار، لتهم تتعلق «بسوء التصرف» ونهب اموال الدولة، في حين انه اكد في الاتصال الهاتفي على انه فقير يعيش على الصدقات والهبات التي يقدمها له اصدقاء وشخصيات عربية من الخليج اساسا. ولم ينف رئيس الحكومة السابق، الذي اعفي من منصبه من قبل الزعيم الراحل بورقيبة عام 1986، ان استعداده لمواجهة القضاء التونسي الآن جاء بناء على «اشارات خضراء» وصلته من السلطة التنفيذية في تونس التي شجعته على تعيين محام تونسي للطعن في الاحكام الصادرة ضده غيابيا. اذ قال «يخيل الي، ان لم اكن مخطئا، ان الاشارة قوية والضوء الاخضر بارز». لكن مزالي تفادى التعليق عن سبب تأخر اصدار القيادة الجديدة لتلك «الاشارات الخضراء» قبل هذا التاريخ، لا سيما ان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الذي جاء خلفا لبورقيبة، اوشك على ترشيح نفسه لفترة حكم رابعة، الى جانب انه (زين العابدين) سبق ان صرح ان «مزالي يعتبر قضية من مخلفات عهد بورقيبة، وان العهد الجديد الذي دخلته تونس تحت قيادته منذ عام 1987 حريص على تجاوز سلبيات الماضي».

وأكد مزالي ان عودته الى تونس لن تتم الا بعد تأكد براءته من كافة التهم الموجهة اليه قائلا: «انني لا اريد اعفاء من رئيس الجمهورية ولا من اي جهة كانت، فالاعفاء لا يعني الا تجاوز الأخطاء، وعفا الله على ما سلف، غير انني اؤكد على حقي في الحصول على رد الاعتبار واثبات براءتي عبر اسقاط الحكم الصادر آنفا واعادة محاكمتي من قبل محكمة امن الدولة كما ينص عليه الدستور». وقال «انني اول عضو في حكومة تونسية احاكم غيابيا من قبل محكمة حق عام، كأي مجرم او تاجر مخدرات، ولذا موقفي لم يتغير منذ 15 عاما، اذ انني اطالب بالغاء الحكم نظرا لعدم الاختصاص، وفي حالة الاستجابة لهذه الرغبة الملحة، تصبح تلك المحاكمة وكأنها لم تكن قط، اي بلغة السياسة والاخلاق فسأعتبر ذلك ردا للاعتبار لأنني اعتبر نفسي بريئا، لكن هذا لا يعني انني لم أخطئ، غير انهم لم يحاكموني من اجل اخطاء سياسية ارتكبتها، وانما لأمور لا مجال لذكرها هنا لأنها لا تشرف القضاء التونسي آنذاك ولا العدالة». وتابع «فهكذا، وبما ان رئيس الدولة المعني آنذاك الذي بامكانه ان يرفع الدعوى امام محكمة امن الدولة قد توفي، وهو المرحوم بورقيبة، فسيفتح هذا الباب اذن امام محكمة التعقيب التي ستنظر في طلب الطعن وأتمنى ان تستجيب له». وأعرب مزالي عن امله في ان يساعد المناخ السياسي الجديد الذي يسود تونس وتعهد زين العابدين، كما جاء في خطابه الاخير، في ذكرى تأسيس الجمهورية بالالتزام ببناء دولة القانون والمؤسسات وفتح آفاق واسعة امام المسار الديمقراطي والتعددي في البلاد في حل قضيته وعودته الى دياره وناسه، مانعا على نفسه الانخراط مستقبلا في اي عمل او تجمع سياسي، بل الاكتفاء فقط بالنشاط الثقافي والرياضي بحسب ميوله التي اكتشفها ونماها خلال سنوات غربته.

وتوقع مزالي، انه في حالة صدق النيات عند المسؤولين حول عودته الى وطنه، فان رؤية ثمار الطعن الذي تقدم به محاميه لن تستغرق وقتا طويلا، بعد افتتاح السنة القضائية في منتصف سبتمبر (ايلول ) المقبل.

الخروج من تونس واعرب مزالي عن استيائه من الذين يتهمونه بسرقة الاموال وملكية السيارات والعقارات، وقال «ان التهم المنسوبة الي لا تليق برئيس حكومة خدم بلاده، كأنني تقاضيت منحة السكن على غير وجه حق، وهذا غير صحيح، فضلا عن عدد السيارات التي قيل انني املكها (15 سيارة) في حين ان كل من يعرفني يعلم جيدا ان لي سيارة واحدة فقط، فهذا خطأ واجرام، وامور اخرى تبعث الاشمئزاز والتقزز».

وقال حول سؤاله عن خروجه سرا من تونس عبر الحدود الجزائرية «انني لم اخش السجن، فالسجن يدخله الرجال، لكن القضية انهم اوغروا صدر الرئيس بورقيبة رحمه الله واوهموه ان محمد مزالي بالتعاون مع اربعة اطباء اراد ازاحته من الحكم، ولذا رحمه الله وغفر له استدعى وكيل الجمهورية حينذاك واسمه الهاشمي زمال، فقال له ان مزالي يريد سحبي من المنصب فيجب القاء القبض عليه وتحكم عليه بالاعدام شنقا، لذا المسألة لم تكن «فلوسا» لأنني فقير لربي، اعيش على الهبات والصدقات من بعض الاخوة واصحاب المروءة في الخليج العربي، ومنذ اقمت في الجزائر التي لن انسى فضلها علي، اذ مكثت بها 4 ايام قبل سفري الى فرنسا». واردف قائلا: «كما أشدد على هذه النقطة لأن الفضل يرجع لبعض المسؤولين العرب، واشكرهم، الذين يمدونني ببعض المال لأسد حاجياتي وحاجات اسرتي (6 افراد)، والا ليس لي عمل اتقاضى منه اجرا. وقد لا يصدق أحد، ما اقوله، لكن سيأتي اليوم الذي سيسمح لي فيه هؤلاء الاخوة لكي انشر كل التفاصيل عن تلك المبالغ».

وشدد مزالي وهو في خريف عمره، على انه لا يكسب شيئا وانه يسكن في باريس في شقة صغيرة استأجرها من طبيب، وقال قبل توديعه ان مسألة المنفى التي يعيش فيها ليست مرتبطة بالارض فقط، اذ ردد شعاره قائلا: «الوطن من دون كرامة منفى والمنفى مع الكرامة وطن».

=