«الحركيون» الجزائريون يلجأون إلى القضاء الفرنسي

بوتفليقة رفض عودتهم لتعاونهم مع الاحتلال وشيراك خصص يوما «وطنيا» لهم

TT

ينوي مئات الحركيين، وهم الجزائريون الذين حاربوا تحت راية الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير الجزائرية، اللجوء الى القضاء لانصافهم من «جرائم ضد الانسانية» تعرضوا لها، سواء في بلدهم الاصلي او في فرنسا التي فروا اليها بعد استقلال الجزائر عام 1962.

واعلن فيليب روليه، محامي لجنة الاتصال التي تضم قرابة مائة جمعية للحركيين في ارجاء فرنسا، انه سيرفع اليوم، دعوى ضد مجهول امام محكمة القضايا العاجلة في باريس، للاضرار التي لحقت بموكليه وبابنائهم بسبب تصرفات السلطات الفرنسية والجزائرية ازاء الحركيين. ويشير ملف الدعوى الى ان 150 ألف حركي على الاقل، قتلوا بعد استقلال الجزائر، وان صفة «جرائم ضد الانسانية» تنطبق على تلك الاعمال نظرا لان التصفيات التي جرت بشكل واسع تمت لاسباب سياسية.

وعرف هؤلاء بالحركيين، نسبة الى لفظة «حركة» التي تعني التنقل، وكانت تطلق في الجزائر على العملاء الذين يعملون لصالح السلطات الفرنسية.

وتشير الاحصائيات الى ان عدد الجزائريين الذين جرى استدعاؤهم للخدمة في الجيش الفرنسي بلغ 160 ألف جندي عام 1960، اي اربعة أضعاف مجاهدي جيش التحرير الوطني الجزائري. واضيف الى هذا العدد 20 ألف متطوع في الجيش النظامي.

ولم يتوقف الحركيون وابناؤهم عن التظلم رغم مرور اربعين عاما على العنف الذي تعرضوا له. ولم يكن مصير الذين انتقلوا الى فرنسا منهم، وعددهم 60 الفا تقريبا، بأفضل من مصير من وقع عليه قصاص جبهة التحرير التي اعتبرتهم خونة لحملهم السلاح الى جانب المستعمر.

وتؤكد مئات الشهادات التي يضمها ملف الدعوى لمن نجا من هؤلاء، ان الجيش الفرنسي تخلى عنهم بعد توقيع اتفاقية «ايفيان» التي قادت الى استقلال الجزائر، وجرى تجريدهم من السلاح وتركهم ليواجهوا مصيرا اسود.

ويدافع هؤلاء عن انفسهم ضد تهمة الخيانة بأن اغلبهم كان من الفلاحين الفقراء والاميين الذين كانت الجندية وسيلتهم الوحيدة لاعاشة عائلاتهم. لكن هذه الوصمة ظلت تطاردهم وتطارد ابناءهم، سواء من ولد منهم في الجزائر او في فرنسا. وقاد عدد من ابناء الحركيين اعتصامات عديدة خلال السنوات الماضية، واعلنوا الاضراب عن الطعام في اكثر من مناسبة، املا في بادرة ايجابية من الدولة الفرنسية، بعد «جزاء سنمار» الذي ذاقوه منها، وعزلهم في معسكرات بائسة لسنوات طويلة وحرمان شبابهم من التعليم.

وعادت قضية الحركيين الى الواجهة خلال زيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الى باريس، العام الماضي، وموقفه المتشدد الرافض لفتح باب العودة الى الجزائر امام من سماهم «المتعاونين مع الاحتلال»، في اشارة الى الفرنسيين الذين تعاونوا مع الاحتلال الالماني لبلدهم خلال الحرب العالمية الثانية وتمت تصفية الآلاف منهم بعد التحرير. وقال بوتفليقة حينها «لقد اختار هؤلاء ان يكونوا فرنسيين، والجزائر ليست وطنهم».

ومنذ تأسيس اول جمعية للدفاع عن حقوقهم، اوائل الثمانينات، اتخذت الحكومات الفرنسية المتعاقبة اجراءات لتحسين ظروفهم المعيشية وتسهيل اندماج ابنائهم في المجتمع. لكن تلك الاجراءات ظلت ذات اثر محدود. وقد نوّه الرئيس الفرنسي جاك شيراك اكثر من مرة بمن سماهم «المسلمين الفرنسيين الذين حاربوا معنا»، كما اتخذ قرارا باعلان يوم وطني تذكاري لهم، يجري الاحتفال به لأول مرة في الخامس والعشرين من الشهر المقبل.