الصين: تنانين الحزب الشيوعي تتصارع على خلافة جيانج واليسار يخشى استبدال المنجل والمطرقة بقمر صناعي وكومبيوتر

TT

ثمة صيف سياسي ساخن تشهده مدينة بيداهي التي يهرب اليها اعضاء الحزب الشيوعي الحاكم من حر بكين القائظ. وفي منتهى الهدوء يجري النقاش حول القرارات الخاصة بتحديد من يحكم اكبر دول العالم ازدحاما بالسكان. فمن المتوقع ان يشهد العام المقبل تغيرات دراماتيكية في اوساط قيادة الصين الشيوعية باتجاه «جيل رابع» من القادة الذين تشكلت تجاربهم السياسية بفعل الثورة الثقافية خلال العقد الممتد من عام 1966 وحتى عام .1976 ثمة اجتماعات سرية في منازل فاخرة خاضعة للحراسة في بعض اجزاء هذه المدينة الساحلية، ويظل السؤال الذي يطرح مكررا: هل سيحدث التحول المرتقب في الصين على نحو سلمي وهادئ، ام سيؤدي الصراع في اوساط الحرس القديم الى زعزعة الاستقرار داخل الحزب الشيوعي الحاكم الذي يساوره القلق بشأن شرعيته؟

في هذا البلد، الذي يبلغ عدد سكانه 1.3 مليار نسمة والذي يؤهله حجمه وامكانياته الاقتصادية لأن يصبح القوة المهيمنة الاولى في قارة آسيا، لا توجد اسس وقواعد واضحة تحكم عملية انتقال السلطة. اذ يظهر القادة الجدد نتيجة اتفاقيات معقدة تبرم وراء ستار من السرية المطلقة بواسطة مجموعة من الكوادر القديمة في الحزب الحاكم.

بعد فترة الـ27 عاما التي قضاها الرئيس الاسبق ماو تسي تونغ في السلطة، برز اجماع واضح ضد فترات الحكم الطويلة، فالقيادة الجديدة ستعلن، حسب التوقعات، غداة انتهاء اعمال المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني العام المقبل.

وطبقا لبعض التقديرات، فإن ما يزيد على نصف المواقع العليا في الدولة ستخضع للتغيير بموجب قاعدة يقول احد المسؤولين انها تنص مباشرة على ان تصبح سن التقاعد 70 عاما، اذ ستطبق هذه القاعدة على هيئات حاكمة عليا بما في ذلك اللجنة الدائمة (سبعة اعضاء) والمكتب السياسي للحزب (17 عضوا) ولجنة تعديد السياسات التابعة لمؤتمر الحزب الشيوعي. وبكل الحسابات، فإن الرئيس جيانغ زيمين سيتنحى عن الحكم في الغالب العام المقبل. فقد بات شبه مؤكد تقريبا ان خليفة جيانج سيكون في الغالب نائبه هو جيناتو المعروف بنزاهته وبعده عن الفساد، اذ تدرج من نائب مسؤول قسم التشييد في محافظة غانسو المتواضعة الى القيادة عام 1992 بواسطة الزعيم الاصلاحي الراحل دينج زياوبينغ، الذي اشاد فعلا بهو جيناتو.

ظل هو جيناتو بعيدا عن الاضواء لمدة تزيد على العشر سنوات، كما لا يعرف تماما خارج دوائر الحزب. ويقول مراقبون غربيون ان الكثير يعتمد على مدى السرعة التي سيظهر بها من خلف الستار الذي فرض عليه ويعزز سلطته في المراتب العليا.

ثمة سؤالان يرتبطان بمسألة انتقال السلطة في الصين: اولا، ما هو الدور الذي يسعى له الزعيم جيانغ زيمين من وراء الكواليس؟ ثانيا، من الذي سيكون في اللجنة الدائمة، ومن الذي سيشغل مواقع مثل رئاسة الحكومة او رئاسة الدولة.

جيانغ، الذي اعتبر رمزا انتقاليا عام 1992، اثبت قدراته كزعيم سياسي يتمتع بمهارة بناء الائتلاف السياسي. كما معروف عنه كذلك انه سعى للعب دور مشابه لدور سلفه دينغ زياو بينغ الذي حكم الصين «من وراء ستار» حتى عام .1998 اما جيانج زيمين، الزعيم الذي ينتمي لـ«الجيل الثالث» من القادة، يريد ان يدخل ارثه سجل التاريخ الصيني الى جانب ماو تسي تونغ ودينغ زياو بينغ.

معروف كذلك عن جيانغ زيمين رغبته في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للجنة العسكرية المركزية مع الاحتفاظ بمدخل، مباشرا كان او غير مباشر، للجنة الدائمة. وتؤكد اجهزة الحزب مساهمات جيانغ النظرية في الفكر السياسي الصيني. ويعتقد المراقبون ان كيفية مناورة جيانغ للاحتفاظ بسلطته «من وراء العرش» ستحدد مدى صعوبة مهمة هو جيناتو المقبلة. الجدير بالذكر ان جينانغ حاول العام الماضي جس النبض حول مدى قبول شغله لفترة رئاسة اخرى، غير انه تأكد ان هذا الاحتمال غير وارد.

وظهر الآن ان جيانغ يأمل في ترقية زينغ كينغهونغ المقرب منه، غير ان الاخير معروف بصرامته ويفتقر الى القاعدة السياسية، لكنه كان يسيطر على لجان تنظيمية متنفذة اكتسب منها نفوذا وأهمية وسط اعضاء الحزب. يذكر ان زينغ حرم العام الماضي من العضوية الكاملة للجنة المركزية في خطوة اعتبرها البعض توبيخا لمرشده.

ويقول دبلوماسي اوروبي ان زينغ من الرموز المتنفذة ولا يمكن بأية حال التقليل من شأنه. ويضيف الدبلوماسي المذكور ان وصول زينغ الى منصب نائب الرئيس يعني احتمال حدوث صراع بينه وهو جيناتو.

وفي ما يتعلق باللجنة الدائمة، فإن جيانغ احدث توازنا داخلها، اذ تتكون من اصلاحيين وآخرين محسوبين على القوى اليسارية المتشددة، وتبلغ سن خمسة من اعضاء اللجنة الدائمة، بمن فيهم جيانغ نفسه، ما يزيد على سبعين عاما. ومن ضمن هؤلاء لي بينغ المعروف بمواقفه المتشددة ودوره في الحملة المتشددة على حركة المطالبة بالديمقراطية خلال احداث ساحة «تيان آن مين» عام 1989، كما عمل لي بينغ جاهدا على الاستمرار في اللجنة الدائمة أو شغل منصب مثل رئاسة الدولة. واذا بقي لي بينغ في موقعه، فإن زو رونجي، رئيس الوزراء الليبرالي الذي يزيد عمره على سبعين عاما، ربما يضطر للبقاء عضوا في اللجنة الدائمة لإحداث توازن داخلها في مواجهة لي بينغ ولحماية مساهماته في اصلاحات السوق. ويعتقد مراقب غربي ان فشل جيانغ في ادارة اللعبة على النحو المطلوب لا يعني سوى عدم حدوث انتقال واضح الى الجيل الرابع. ويرى دبلوماسي غربي ان الأمر يعتمد في المقام الاول على هو جيناتو الذي قضى قرابة عشر سنوات في حماية نفسه كوريث شرعي. رغم تحقيقه العديد من النجاحات خلال الفترة السابقة مثل الفوز بتنظيم دورة الالعاب الاولمبية للعام 2008 ببكين وانضمام الصين الى «منظمة التجارة العالمية»، فإنه لا توجد ضمانات كافية لضمان جيانغ لموقعه داخل الحزب، اذ تعرض في الاسابيع الأخيرة لهجوم من اليساريين داخل الحزب بسبب حديث دعا فيه رجال الاعمال لدخول الحزب.

ويجمع المراقبون بصورة عامة على ان غالبية النخبة الصينية الحاكمة تعتمد على الاجماع البراغماتي اكثر من اعتمادها على الثورية، مثلما كان عليه الحال في السابق. فقد كتب واحد من الرموز اليسارية البارزة: «سيقدم احدهم على إزالة المطرقة والمنجل من على العلم الصيني ليوضع بدلا عنها جهاز كمبيوتر وقمر صناعي». جاءت هذه التعليقات في وقت لم تعد فيه القضايا موضوع الجدل والنقاش تتركز حول القرارات الايدولوجية التي تحدد السبيل الذي ستنتهجه الصين مستقبلا، اذ اصبح التركيز والاهتمام منصبا على «من الذي يسيطر على السلطة ومن الذي سيظل فيها».

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتر» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»