وسطاء لرحلات الخطر عبر صحراء الربع الخالي بين اليمن والسعودية والخليج من وادي حضرموت والمهرة

السائقون يهتدون بآثار العجلات وأحجار والنجم «سهيل».. والمسافرون يفضلون الطرق الصحراوية لتفادي الجمارك

TT

صحراء الربع الخالي المترامية الاطراف تكاد تنعدم في معظم اجزائها مختلف مظاهر الحياة، فلا عشب ولا مياه الا ما كان سرابا منه، ولا سكن او حياة للانسان او الحيوان او النبات الا النزر اليسير على اتساع امتداداتها.

هذه الصحراء التي ازدهرت ولا تزال القائمة على اطرافها وامتدادا الى الداخل دول وممالك قديمة وحديثة في اليمن والسعودية وبعض دول الخليج العربي، كانت ومنذ عهود الجاهلية مرورا بظهور الاسلام في عهوده الاولى طريق قوافل الاتصال بين مرابع الاقوام التي عاشت وسكنت على اطرافها، وهي القوافل التي كانت تنقل التجارة في ما بينها والتي يمكن ان يطلق عليها ما يسمى اليوم بطرق التبادل التجاري او السلعي.

وإذا ظلت تلك الصحراء لآلاف السنين طريقا لقوافل التجارة ومرتعا للمغامرين وقطاع الطرق احيانا، فقد طغى عليها ما اكتشف من وسائل مواصلات في الحضارة الحديثة لتصبح تلكم الطرق محط اهتمام الدارسين وعلماء التاريخ والآثار.

الا ان البعض من اناس هذا العهد لا يزالون يصرون على اقتفاء آثار اجدادهم الاولين في استخدام طرقهم الصحراوية عبر الربع الخالي للانتقال من بلد لآخر مجاور وإن باستخدام السيارات الحديثة عوضا عن الجمال والخيول، كما في السابق لقطع المسافات عبر الصحراء رغم ان مثل هذه الرحلات دائما ما تكون محفوفة بالمخاطر وكثيرا ما أدت الى هلاك من يقتحمونها بسبب احتمال التيهان وضياعهم وسط الرمال الحارقة لتلك الصحراء ونفاد مؤونتهم من وقود وزاد وماء، وهو ما كان من حال اولئك الاشخاص الـ14 الذين قضوا هلاكا على تلك الرمال في النصف الثاني من الشهر الماضي، اثناء رحلة لهم بين وادي حضرموت في اليمن والمملكة العربية السعودية وبينهم امرأتان وعدد من الاطفال، وتلك ربما كانت آخر حادثة من بين مثيلاتها السابقات ولكنها ليست قطعا الاخيرة.

تلك الطرق والرحلات المحفوفة دائما بالمخاطر، ترى ما هي الاسباب والدوافع التي تجعل بعض الناس يقتحمونها؟ ولماذا؟ وكيف؟ وما هي السبل التي يرتادونها؟ واشياء اخرى عنها وعن الصحراء في هذه القراءة الملامسة لبعض من الاجابات عن تلك الاسئلة.

* الموقع الجغرافي

* تكتسب المناطق الصحراوية على اطراف صحراء الربع الخالي في اطراف محافظة حضرموت شرق اليمن اهمية من حيث موقعها الجغرافي باعتبار وقوعها على الحدود مع بلدان الجزيرة والخليج العربي.

وفي هذا الصدد، يقول سكان وادي حضرموت ان من ابرز تلك المناطق الصحراوية في المناطق الغربية ـ العبر ـ زمخ ومنوغ ـ مجر الصيعر. وكانت هذه المديريات الثلاث في اطار مديرية العبر المحاذية للحدود مع السعودية عبر الشريط الصحراوي حيث لا تبعد منطقة الشرورة اكثر من ساعتين عبر طريق صحراوي تسكنه مجاميع من البدو من قبيلة الصيعر التي تنتمي لقبيلة كنده وتعتبر اكبر قبيلة في حضرموت، كما ان المنتمين لقبيلة الصيعر موزعون بين اليمن والسعودية والامارات العربية المتحدة ويحملون جنسياتها، وفي الجزء الشرقي تحتل مديرية ثمود الصحراوية اهمية لا تقل عن المديريات الغربية المذكورة آنفا (مديريات وادي حضرموت الصحراء) وتسكنها قبائل العوامر والمذاهيل وبعض من آل كثير، وتوجد المناهيل بكثرة في «خرخير» ويأتي زوار من السعودية والامارات وسلطنة عمان الى صحراء ثمود للاصطياد وخاصة اصطياد نوع من الطيور يشبه البط. وكانت تتم تنسيقات مع النظام السابق في جنوب اليمن في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، اما بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990، فان مثل تلك الزيارات بغرض الاصطياد قد تلاشت.

وان غالبية سكان المناطق الصحراوية في حضرموت مهاجرون منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبالذات منذ المجاعة التي تعرضت لها حضرموت آنذاك، الا ان ارتباطهم بوطنهم وبمناطقهم لا يزال قويا ومتصلا، حيث ان بيوت المهاجرين لا تزال قائمة ويرتادونها اثناء اجازات المدارس في الصيف وهي الفترة التي تكثر فيها افراح الزواج لابناء المغتربين ويحصل العريس على معونة (مساعدة او طرح او رفد كما يسمونها)، حيث يقوم المدعوون بالتبرع للعريس وبعملات مختلفة من بينها الريال اليمني او السعودي او العماني او الدرهم الاماراتي واحيانا بالدولار الاميركي، ويصل في بعض الاحيان مجموع التبرع الى اكثر من مليوني ريال يمني (اي ما يساوي ما بين 12 ـ 15 الف دولار).

* التهريب الدافع الرئيسي

* ويرجع الكثيرون الدافع الرئيسي لاستخدام الطرق عبر الصحراء الى التهريب سواء للبشر او لانواع من البضائع الكهربائية والالكترونية حاليا.

ويقول احد سكان المناطق القريبة من الصحراء، وهو احد البدو العارفين بها «ان سكان الصحراء كانوا يعتمدون على التهريب أساسا للحصول على لقمة العيش في الفترات السابقة اي اثناء «الحكم الشمولي» (والمقصود في فترة حكم المحافظات الجنوبية من قبل الحزب الاشتراكي قبل الوحدة اليمنية). ولا يزال بعض منهم يمارس ذلك حتى اليوم لتهريب بضائع مستوردة مختلفة. ويلجأ بعض الناس الى تلك الطرق للدخول غير المشروع الى السعودية او الامارات او سلطنة عمان لغرض العمل والرزق نظرا لعدم تمكنهم من الحصول على تأشيرات دخول للعمل بطرق مشروعة واحيانا التحاق بعض العائلات برب العائلة الموجود في تلك البلدان.

وبالنسبة لتهريب انواع من البضائع، فان استخدام الطريق الصحراوي يجنب المهربين او اصحاب تلك البضائع دفع الرسوم الجمركية المفروضة عليها. وهذا التهريب هو تهريب معاكس اي من البلدان المجاورة لليمن.

جدير بالذكر ان معظم إن لم تكن كل الاسباب السياسية والاجتماعية التي كانت دافعا لتهريب البشر قد انتفت تقريبا منذ الاعوام 90 ـ 94 ـ 95، ولم تبق الا الدوافع المادية والاقتصادية حاليا وهي حالات محدودة كثيرا بل انها في حكم الحالات القليلة في السنوات الاخيرة.

اما كيف؟ فان من المعروف ان الطرق عبر الصحراء هي طرق يمكن اطلاق تسمية «عشوائية» عليها، باعتبارها تمر عبر الرمال ويعتمد السائقون اثناء رحلاتهم على اقتفاء آثار عجلات السيارات التي سبقت على نفس الطرق وعلى بعض المعالم غير الثابتة فيها وعلى بعض النجوم في السماء ليلا، وهي كلها علامات غير ثابتة ومعرضة للاختفاء باستمرار نتيجة لعوامل مختلفة اهمها الرياح للطمس ومحو الآثار. كما ان وجود سحب كثيفة معتمة تحجب في بعض الحالات رؤية النجوم التي يمكن الاهتداء بها، وعموما فانه ومع استخدام الطرق في الصحراء لعشرات السنين فانه لا توجد حتى اليوم طريقة او طرق معروفة ومسلوكة عادة.

وفي هذا الصدد، يحدثنا عمار البدوي فيقول «لعل اغلب مستخدمي الطرق عبر الصحراء هم من البدو لانهم كثيرو الهجرة، وترجع اسباب هجرتهم الى الجفاف الذي تشهده مناطقهم وهم ينزحون اما الى الدول المجاورة او الى مناطق وادي حضرموت، وهي سيئون وتريم والقطن وغيرها».

ويضيف: «المناطق الصحراوية ليست سوى قرى كثيرة متناثرة، وعادة لا يتم الانطلاق منها للرحلات عبر الصحراء، بل من داخل مدن وادي حضرموت. ويتعهد الوسيط وهو في اغلب الحالات من ابناء الصحراء بايصال المسافر الى السعودية مثلا والى اي مكان تريده فيها مقابل مبلغ مالي يتفق عليه».

اما بالنسبة لدول الخليج فتتم الرحلات اكثر من محافظة المهرة المحاذية لمحافظة حضرموت التي يقع جزء منها على الخط الحدودي مع سلطنة عمان.

ويقول البدوي «اما قبائل المناهيل والعوامر ولان ارتباطهم اكثر بمنطقة خرخير فكان بعض منهم خلال السنوات الماضية يمنحون صكوكا وهي اشبه بتأشيرات لاناس من مناطق اخرى للسفر الى السعودية لاداء العمرة او مناسك الحج في فترات سماح في حدود 15 يوما ولا تزيد عن شهر مقابل مبلغ يتفق عليه ويلتزم الوسيط الذي يعمل مع مانح الصك (التأشيرة) بتوصيل المواطن الى السعودية ـ الى اي مكان فيها ـ ومن ثم وبعد انتهاء فترة الصك يعود ـ الوسيط ـ لاخذ المسافرين من المكان الذي انزلهم فيه لنقلهم الى حضرموت. وفي حالة مرور السيارة وتأخر الشخص عن الموعد فانهم لا يتحملون مسؤوليته».

وفي اجابته عن سؤال لـ«الشرق الأوسط» يقول احد البدو من صحراء حضرموت «طبعا الطريق الصحراوي اسهل بكثير من الطرق المعروفة والرسمية الاخرى، خاصة ان المسافرين عبرها والعائدين من السعودية ودول الخليج يدخلون معهم بضائع مختلفة واجهزة ومعدات حديثة من دون الحاجة لدفع رسوم جمركية، كما ان بعض ابناء القبائل من الصحراء يعملون في دول الجوار مع المغتربين لتوصيل ما يريدون الى بيوتهم او مناطقهم في المحافظات المحاذية للصحراء مقابل مبلغ ومن دون جمارك».

وحول سؤالنا عن مخاطر السفر عبر الصحراء، يجيب ذلك البدوي «السفر عبر الصحراء فيه مخاطر كبيرة، منها التيهان وسط رمالها والتعرض للهلاك في حالة نفاد الوقود والزاد والماء، ومنها ما يحدث في حالات نادرة من التعرض للصوص او عصابات تقطع وتنهب، ولذا فان مثل هذا السفر يتطلب اشخاصا من بدو الصحراء على دراية ومعرفة تامة بالطرق الصحراوية، علاوة على ضرورة ان يكونوا مسلحين لمواجهة اية حالات سرقة او تقطع، اضافة الى ان معرفتهم بالطرق تمكنهم من تحاشي الوقوع قرب مناطق عسكرية او نقاط امنية وان كانت مستحدثة يلجأون الى طرق اخرى بجانبها».

وعن مسافة وزمن الرحلة يقول «يعتمد ذلك على دراية ومعرفة الوسيط والسائق بخطوط الطرق الصحراوية، فهي تستغرق من يوم الى يوم ونصف اليوم احيانا وبعضها خاصة من محافظة المهرة تستغرق اكثر من ذلك، اي من يومين الى اربعة ايام. ويعتمد اولئك في سير رحلاتهم على آثار عجلات السيارات في الصحراء وعلامات يضعونها كاحجار او رموز وكذلك بعض الاشجار النادرة. اما في المساء فيعتمدون على النجوم وبخاصة النجم «سهيل». ويكون الوضع طبعا صعبا اثناء مواسم الرياح وعتمة السماء وهي الاوقات التي نتحاشى السفر فيها».

وحول تعامل الاجهزة الامنية والسلطات المحلية في المحافظات مع مثل هذه الحالات، قال مصدر اعتذر عن عدم ذكر اسمه ان تلك الاجهزة والسلطات كانت قبل تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية تتعامل بشدة مع مثل هؤلاء المهربين حيث تم قتل العديد منهم في مواجهات في الصحراء، كما القي القبض على عدد منهم وتمت محاكمتهم علنا. كما ان كثيرا من الحوادث حدثت اثناء تلك الفترة تمثلت بقيام بعض الوسطاء المهربين بترك مسافرين في عرض الصحراء بقصد التخلص منهم، وقد افلح بعض المسافرين في الوصول الى مكان آمن والنجاة فيما لقى آخرون حتفهم.

* حملة على سيارات التهريب

* واوضح انه في السنوات الاخيرة ونتيجة لاتساع المناطق الحدودية المفتوحة، لم نسمع او يؤكد مصدر مسؤول حدوث مواجهات او القاء القبض على مهربين او مسافرين بطرق غير مشروعة، الا انه يمكن تسجيل ان السلطات شنت العام قبل الماضي حملة على اصحاب السيارات التي تعمل في التهريب والقت القبض على حوالي ثلاثين منهم وافرج عنهم بعد اسبوع من الاحتجاز، ومؤخرا علمنا ان تلك الاجهزة والسلطات ترصد حاليا تحركات مثل هؤلاء ومن لهم سوابق في التهريب وخاصة في مدن وادي حضرموت التي تعتبر محطات الانطلاق لهذه الرحلات.

واخيرا كما قلنا فان الحادثة الاخيرة التي هلك فيها 14 شخصا، هي كما يقول العارفون في تلك المناطق، بانها من الحالات النادرة التي تقع في تلك الطرق الصحراوية، وقد اوردوا كأمثلة حالة مواطن من واد بحضرموت جاء لنقل اسرته الى السعودية التي كان يعمل فيها فصادف في الطريق دورية اطلقت النار لعدم توقف السائق فقتل رب الاسرة وجرحت احدى بناته.

كما يتناقل اهل المناطق الصحراوية حالات ترك فيها المهربون مسافرين في الصحراء فهلكوا على رمالها وايضا حادثة «الكرب» الشهيرة عام 1997 التي تقطع فيها ضابطان لسيارة اسرة كاملة كانت عائدة الى المهرة فنهبوها وقتلوا افرادها وتم القاء القبض عليهما ومحاكمتهما واعدامهما في مدينة سيئون بحضرموت، واخيرا حادثة احد الخبراء الروس في مجال النفط الذي تاه في الصحراء في منطقة ثمود ومات عام 1980.