أميركا وإسرائيل تنسحبان من مؤتمر ديربان

الأوروبيون منقسمون بين «الأسف» و«الاعتذار» عن حقبة الاستعمار

TT

مع دخول مؤتمر الامم المتحدة لمكافحة العنصرية المنعقد في ديربان بجنوب افريقيا يومه الخامس، واحتدام المناقشات بين الوفود المشاركة حول قضيتي الشرق الأوسط والرق، أعلنت الولايات المتحدة واسرائيل امس عن انسحابهما من المؤتمر.

وكانت جهود دبلوماسية دولية قد تكثفت بهدف التوصل الى حل بشأن هاتين القضيتين.

فحول القضية الاولى، تسعى هذه الجهود الدبلوماسية لحل وسط بين اسرائيل والولايات المتحدة اللتين تعارضان مشروع اعلان يصنف اسرائيل بالدولة العنصرية وبين الدول العربية والاسلامية التي تسعى لادانة التصرفات الاسرائيلية في الاراضي المحتلة. وحول القضية الثانية، تقف الولايات المتحدة ومعها العديد من الدول الاوروبية موقف مقاومة مطالب الدول الافريقية بتقديم الاعتذار ودفع التعويضات عن الرق.

وبرزت النرويج التي استضافت «اتفاقية اوسلو» للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين عام 1993، كوسيط جديد يمكنه ان يلعب دورا في القضية الاولى. كما برزت بلجيكا القوة الاستعمارية السابقة في افريقيا كساعية جادة من اجل التوصل الى حل حول مسألة الرق. وقد حذر الامين العام للامم المتحدة كوفي انان من فشل المؤتمر ما لم يتم التوصل الى حل لهذه الانقسامات.

واعلن توم لانتوس عضو الكونغرس الاميركي ان النرويج تقدمت بحل يتضمن التعرض الى المسألة الفلسطينية لكن بطريقة تقبلها الولايات المتحدة واسرائيل، لكن لانتوس الذي يشارك الوفد الاميركي في المؤتمر لم يقدم اي تفاصيل اضافية، مكتفياً بالقول «لقد قدمنا تنازلات كبيرة بالموافقة على الصياغة النرويجية، ولن نذهب الى ابعد من ذلك».

وقد اضطر وزير الخارجية البلجيكي لويس ميشيل امس لتمديد فترة بقائه في ديربان ليوم او يومين آخرين لاقناع الوفود المشاركة بالتوقيع على وثيقة اعتذار للدول الافريقية عن مرحلة الاستعمار الاوروبي. وواجه ميشيل، الذي ترأس وفد بلجيكا، موقفا صعبا اثناء تقديم وثيقة تعتذر فيها الدول الاستعمارية عما ارتكبته بحق الدول الافريقية، وما ترتب على ذلك من آثار سلبية في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتمثل المأزق الذي وقع فيه الوزير البلجيكي حين سأله احد الصحافيين الكونغوليين حول استعداد بروكسل للاعتذار في الوقت الذي تعترف فيه بلاده بمقتل 10 ملايين شخص في الكونغو (زائير سابقا) اثناء الاحتلال البلجيكي لهذا البلد. وافادت مصادر ان ميشيل سيسعى للحصول اولا على الموافقة على الصيغة النهائية للوثيقة، وفي حال تعذر ذلك، سيطالب باجتماع وزاري اوروبي، باعتبار ان بلجيكا ترأس حاليا الاتحاد الاوروبي، لدراسة وثيقة الاعتذار والتوقيع عليها من قبل الدول الاوروبية التي كانت موجودة في افريقيا اثناء مرحلة الاستعمار.

وحول قضية الرق، اعلن جورج نينه السفير الجنوب افريقي لدى الامم المتحدة، ان الوفدين الكيني والبرازيلي كلفا بايجاد صيغة تسوية بشأن مسألة التعويضات. واضاف نينه ان جميع الدول المشاركة في المؤتمر وافقت على رفع القوسين عن كلمة «التعويضات» في مشروع البيان الختامي.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر اوروبي في المؤتمر قوله ان انقساما برز بين الاوروبيين «المستعدين للاعتذار» وآخرين اوروبيين «يفضلون التعبير عن اسفهم فحسب». واضاف ان «المانيا وايطاليا تؤيدان «الاعتذار» عكس بريطانيا وهولندا واسبانيا والبرتغال. وما زالت فرنسا مترددة».

إلى ذلك، اتهمت اسرائيل امس بعض الدول العربية والاسلامية بمحاولة «اختطاف» مؤتمر ديربان باستهدافها ادانة اسرائيل. وفي كلمته امام المؤتمر، قال رئيس الوفد الاسرائيلي مردخاي ياديد ان الاشارة لاسرائيل في مسودات الكلمات هي «اكثر التصريحات عنصرية لمنظمة دولية منذ الحرب العالمية الثانية». واضاف ياديد «في هذا المؤتمر، نشهد محاولة دنيئة لتعميم وابتذال كلمة هولوكوست (محرقة) وافراغها من معناها الذي يعود الى حدث تاريخي خاص يحمل رسالة واضحة وحيوية للانسانية». وتساءل قائلا: «هل اخذت احدى الدول التي اعدت هذه الدناءة وقتا لدراسة حصيلتها الذاتية للتفكير في وضع اليهود والاقليات الاخرى في بلدانها؟

واضاف «هذه الدول تريد اقناعنا بانها ليست معادية للصهيونية واللاسامية لكن هذه الكذبة انقشعت في كل مرة. ان انتقاد سياسات حكومة اسرائيل مشروعة، لا بل حيوية، فكثيرون من الاسرائيليين يفعلون ذلك بصفتها دولة ديمقراطية، لكن هناك فرقا عميقا بين انتقاد بلد ما بين إنكار حقه في الوجود. ومعاداة الصهيونية، ورفض الحق الاساسي لليهود في وطن، ليسا سوى معاداة للسامية». كما اجمعت الصحف الاسرائيلية امس على وجود «جو من الحقد المعادي لليهود» في ديربان.