زيارة عرفات المقبلة إلى دمشق ستحدث تحولا في تعاطي الفلسطينيين مع مفاوضات السلام

TT

ربما تمثل زيارة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في 12 سبتمبر (ايلول) الجاري الى سورية علامة تحول عميق في كيفية تعاطي الفلسطينيين مع مفاوضات السلام في المستقبل. وفي حين ركزت كل الجهود التي بذلت لوقف مواجهات العنف المندلعة في الشرق الاوسط على العودة الى المربع الاول او النقطة التي توقفت عندها المفاوضات بالشكل الذي جرت عليه اي بتفاوض الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني في ظل الراعي الاميركي، ربما كان الزعيم الفلسطيني يسعى الآن نحو شكل جديد لمفاوضات السلام، وعلى الاغلب لن يناسب هذا الشكل الجديد الاسرائيليين والاميركيين على نحو الشكل السابق. ويوضح مرهاف جوجاتي المحلل في معهد الشرق الاوسط في واشنطن مشيرا ان زيارة عرفات الى سورية تمثل «قرارا واعيا بالعودة الى تنسيق المسارات التفاوضية العربية مع اسرائيل»، في حين اصر الاسرائيليون على الفصل بين المسارات في التفاوض مع جيرانهم العرب.

وقال نبيل شعث، وزير التخطيط والتعاون الدولي، خلال زيارته الى دمشق الاحد الماضي ان القمة ستتطرق الى «اتخاذ موقف عربي مشترك لمواجهة العدوان الاسرائيلي».

وفي السنوات الاخيرة عمد الرئيس عرفات على نحو متكرر الى التماس النصح والدعم من الاشقاء العرب الذين توصلوا الى السلام مع اسرائيل غير ان الوضع مختلف بالنسبة لعرفات في دمشق، اذ يعارض السوريون التفاوض على حل بحسب الشكل الذي تفاوض الاسرائيليون والفلسطينيون من خلاله على مر العقد الماضي. ويستضيف السوريون العديد من التنظيمات الفلسطينية المسلحة الذين يشاطرونهم معارضتهم لشكل المفاوضات. وظلت الخلافات الشديدة لعقود طويلة تباعد بين عرفات والرئيس السوري السابق حافظ الاسد، كان الاسد الاشد تمسكا بضرورة مواجهة العرب اسرائيل صفا واحدا سواء كان ذلك في ساحة المعركة او في المفاوضات.

وحاول عرفات دائما ان يوازن بين طلب الدعم من العرب والاصرار على ضرورة قيادة الفلسطينيين نضالهم بانفسهم. وعندما اختار ان يتفاوض مباشرة مع الاسرائيليين في عام 1993 اصيب الاسد بالذهول. اما كيف ينظر السوريون الى زيارة عرفات المرتقبة الى دمشق فتتلخص في تعليق لمحمد عزيز شكري استاذ القانون الدولي في جامعة دمشق الذي قال «لقد ارتكب (عرفات) خطأ وسدد ثمنه». اما الخطأ الذي اشار اليه شكري فهو قراره في التفاوض مباشرة مع الاسرائيليين، اما الثمن الذي سدده فهو انهيار مفاوضات السلام على طول الاشهر الـ11 الماضية من المواجهات الدامية.

ان توقعات التقارب السوري الفلسطيني، وعلى نحو أقل تنسيق الاتصال مع اسرائيل من خلال المسار السوري، يمكن ان تكون عرضة للمبالغة. ذلك لان «المشكلة هي ان ليس في وسع عرفات الامساك عن التفاوض مع الاسرائيليين وهو الامر الذي تشجعه سورية». علاوة على ذلك ومنذ اواخر الثمانينات وفي المرات النادرة التي التقى فيها عرفات بالاسد فان التكنهات كانت تقول بان المحاربين دفنا خلافاتهما وهما يفتتحان عهدا جديدا من العلاقات العربية الاسرائيلية. على ان ذلك لم يحدث ابدا، على الاقل ليس بالشكل الذي تخيله السوريون. بيد ان المواجهات المحتدمة منذ العام الماضي بين الاسرائيليين والفلسطينيين افضت الى مجموعة ظروف جديدة. فعرفات مصاب بالاحباط من ضآلة الدعم العربي لقضيته، ومنذ اندلاع العنف في العام الماضي فان الدول العربية تقصر ردود افعالهما على اسرائيل وكتابة الشيكات الى الفلسطينيين وبالطلب من الولايات المتحدة ضبط حليفتها.

واختار العرب تحت لواء المصريين والاردنيين، الذين تربطهم معاهدات سلام باسرائيل، عدم المخاطرة بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، او احلام احلال السلام في الشرق الاوسط باتخاذ مواقف شديدة. وحتى الجهود الرامية الى تنظيم مقاطعة عربية للبضائع الاسرائيلية ثبت عقمها.

وعلق على الوضع نديم شحادة رئيس مركز الدراسات اللبنانية في جامعة اوكسفورد قائلا «لم يعلن عن عقد قمة (عربية جديدة)، او اتخاذ موقف صلب، او التنسيق بين الجهود».

ومما يضاعف من احباط عرفات فشل الجهود الاميركية والاوروبية في التوصل الى وقف لاطلاق النار واستئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، الى جانب رفض الاميركيين الموافقة على تشكيل قوة مراقبين دولية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ظلت سورية من بين الاصوات الاكثر علوا في تأييد الموقف الفلسطيني، فقد حمل الرئيس السوري بشار الاسد بشدة على اسرائيل في خطابين له القاهما في قمتين عربيتين منذ اندلاع العنف. كما قررت حكومته الاعتراف بجوازات السفر التي تصدرها السلطة الفلسطينية، بما يسمح للفلسطينيين الدراسة في الجامعات السورية، علاوة على سماحها للفلسطينيين الذين يحملون جوازات السفر الاسرائيلية بزيارة سورية.

وربما يمد الرئيس بشار الشاب الذي يحتاج الى تدعيم علاقات بلاده يده الى عرفات. والى جانب ذلك، كان بشار قد تعهد بتحسين علاقات سورية الاقليمية، وبعد ان فعل ذلك مع العراق وسواها من دول المنطقة، يبدو ان الوقت بات مناسبا للتحرك على صعيد العلاقات مع الفلسطينيين. وكما يقول شكري «فاننا نشعر باننا كنا قاسين شيئا ما تجاه عرفات». اما عماد فواز شعيبي المحلل السياسي في دمشق فانه يقول بان الحكومة السورية تنظر الى بذل دعم اقوى للفلسطينيين على انه «الطريقة التي يمكن من خلالها تغيير توازن القوى في المنطقة».

خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» خاص بـ«الشرق الأوسط»