خبراء أميركيون: إدارة بوش لا تريد التدخل لأنها ترى أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لم ينضج للحل بعد

بعض الجمهوريين يرى أن بوش الأب خسر معركة 1992 أمام كلينتون بسبب ضغوطه على إسرائيل

TT

كشف الصراع في الشرق الاوسط بوضوح عن الدبلوماسية الحذرة لادارة الرئيس الاميركي جورج بوش، التي تعتمد على قاعدة اساسية وهي التدخل فقط عندما تصبح القدرة على تحقيق انجازات مؤكدة.

وطريقة عمل هذه السياسة هي: احتفظ بالمدافع الدبلوماسية الضخمة عندما يمكن ان تصبح ذات تأثير. وفيما عدا ذلك تجنب الاحراج الدولي وفي الداخل. ووفقا لهذه الرؤية فان الكرامة الدبلوماسية بضاعة ثمينة. وعلى عكس طريقة الرئيس السابق بيل كلينتون، فإن ادارة بوش تحدد التدخل بالمصالح الاستراتيجية والحقائق السياسية. ومع عدم تعرض الاستقرار الاقليمي وامدادات النفط الدولية للتهديد من هذا الصراع، فإن ادارة بوش تركز على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة ومن المتوقع الاستمرار في هذه السياسة. واشار المراقبون الى ان احتلال القوات الاسرائيلية لبيت جالا وهي منطقة واقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، لمدة يومين، جعل فرص محادثات السلام اكثر بعدا. ومن المرجح ان يحتاج الامر الى مواجهة جديدة من العنف ـ او تغير غير متوقع لمواقع اي من الطرفين للعودة للقيام بدور على مستوى عال.

ويقول شبلي تلحمي وهو خبير في شؤون الشرق الاوسط في جامعة ماريلاند الاميركية ان المسؤولين في الادارة «لا يريدون التورط بطريقة يمكن ان تحرجهم». كما ان نوعية الضغوط الاقليمية التي يمكن ان تجبر الولايات المتحدة على التدخل لم تظهر بعد.

واوضح تلحمي ان «الولايات المتحدة على قناعة بان الحكومات العربية ستعمل لمصلحتها ولن تسمح لرد الفعل الشعبي على التصرفات الاسرائيلية بأن يخرج عن السيطرة. واضاف انه «لا يرى ان التصعيد سيؤثر على سوق النفط بما يدعو للتدخل».

ويشير المسؤولون والمراقبون الذين يؤيدون وجهة نظر الادارة الاميركية الى انه مع ارتفاع التأييد حسب استطلاعات الرأي من الفلسطينيين والاسرائيليين لاعمال عنيفة ضد الطرف الاخر، فإن الوقت ليس مناسبا لتدخل قوي.

ويوضح ريموند تانتر وهو متخصص امني في ادارة ريغان وخبير في شؤون الشرق الاوسط في جامعة ميتشيغان «عندما يكون النزاع ملائما للتسوية فإن التدخل يصبح اكثر فاعلية. لقد اعتاد الناس على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة لا غنى عنها، الا ان ذلك غير صحيح في الشرق الاوسط. وفي الوقت الراهن فإن الولايات المتحدة ستبدد سمعتها».

وكانت وزارة الخارجية الاميركية قد ذكرت بالامس انه في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة ناشطة في السعي من اجل تسوية سلمية بين اسرائيل والفلسطينيين، فإن الامر يرجع الى الطرفين لاتخاذ الخطوة الاولى». واوضح المتحدث باسم الوزارة ريتشارد بوتشر «يمكننا حث الاطراف ولكن على الاطراف ذاتها ان تبدأ المسيرة».

وذكر المسؤولون في وزارة الخارجية انه بالرغم من انهم يفهمون «الارتباك» الذي يمكن ان ينتج من اسلوب ادارة بوش، الذي يتعارض مع اسلوب ادارة كلينتون بالتدخل على اعلى المستويات، فإنهم مصممون على ان الاسلوب الجديد اكثر فاعلية.

وفي الوقت الراهن فإن التحركات الاميركية العلنية نادرة، وتتلخص في تصريحات لتوضيح تفكير الادارة بخصوص العنف. ففي الاسبوع الماضي، حمل بوش المسؤولية للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، قائلا ان عليه التحرك ضد الارهاب الفلسطيني من اجل عودة المفاوضات مع اسرائيل مرة ثانية. ويوم الاثنين بعدما قتلت الصواريخ الاسرائيلية شخصية فلسطينية هامة اعلنت وزارة الخارجية ان القتل «المستهدف» يؤدي الى «تأجيج» النزاع. وذكر بوتشر ان الموقف سيتحسن عندما تتحرك اسرائيل من اجل القضاء على «معاناة واهانة» الشعب الفلسطيني».

واوضح وليام كوانت وهو خبير في الشرق الاوسط في ادارة الرئيس الاسبق جيمي كارتر وشارك في اتفاق كامب دافيد، ان تفكير الادارة في النزاعات غير «الناضجة» بعد لتدخل خارجي مكثف تنبع من تفكير وآراء ريتشارد هاس وهو خبير في شؤون الدبلوماسية وكان يعمل مستشارا للرئيس بوش الاب.

ويرى هاس ان افضل طريقة للتعامل مع النزاعات التي لم تقترب بعد من الحل هو تقليل التدخل. ويعني هذا محاولات غير ذات جدوى اقل من اجل التوصل الى حل، ولكن اعداد الاسس والقواعد مع الاطراف المعنية والحلفاء المهتمين استعدادا للتدخل عندما يصبح الامر مناسبا.

واضاف كوانت «ان ذلك يشير الى انه لا يمكن لنا ان نلعب دورا نافعا في انضاج العملية».

* دروس من بوش الاول

* الا ان المراقبين يشيرون الى ان بوش الابن على وعي بخبرات ابيه في نزاع الشرق الاوسط. فقد لعب الرئيس بوش الاب ووزير خارجيته جيمس بيكر، دورا اساسيا في الضغط على اسرائيل بشدة بما حقق اتفاقيات اوسلو في عام 1993 بخصوص السيادة والاراضي وهي اتفاقيات يعتقد البعض، وسط الانتفاضة المستمرة منذ 11 شهرا، انها ماتت.

وداخليا في الولايات المتحدة يرى بعض خبراء الاستراتيجية في الحزب الجمهوري ان الجهد الذي بذل من اجل التوصل لهذه الاتفاقيات بين الفلسطينيين والاسرائيليين كان السبب وراء تلاشي التقدم الهائل الذي كان علىه بوش الاب في استطلاعات الرأي العام قبل عام من مواجهة بيل كلينتون في انتخابات 1992. وهو طريق لا يريد ان يسير فيه ابنه.

كما ان الادارة تتصرف وعينها على الكونغرس. ويوضح كوانت: «ان الكونغرس موال لاسرائيل اكثر من الرئيس». واشار الى ان الضجة بخصوص استخدام اسرائيل للاسلحة الاميركية في عمليات ادانتها الولايات المتحدة، توضح موقف بوش الصعب. فقد اوضحت الولايات المتحدة للاسرائيليين معارضتها لاستخدام اسلحة ثقيلة امدتها بها مثل طائرات اف - 16 وهليكوبتر وصواريخ تستخدم في نزاع في مناطق مدنية. وقال بوتشر ان التشريعات تتطلب ابلاغ الكونغرس بأي انتهاكات «اساسية» لاجراءات استخدام مثل هذه الاسلحة. ولكنه اوضح انه «لم تتخذ اية قرارات بأن مثل هذا التقرير مطلوب في مثل هذه الظروف».

وعلى اي حال، اذا قررت الادارة ان تلك المعدات تستخدم بطريقة غير مناسبة، فإن الابلاغ عنها هو محاولة غير مثمرة «فالكونغرس لن يقبل ذلك».

ويشير المراقبون الى انه اذا وضعنا في الاعتبار مستوى العنف والمسافة الكبيرة بين الطرفين، فإن الامر ربما يستلزم حدثا عنيفا غير عادي من اجل جهود اميركية اكثر قوة.

ويشير جون الترمن وهو خبير في شؤون الشرق الاوسط في معهد الاسلام ان الانتفاضة الاولى استمرت لمدة عامين، ولذا فإن احداث العنف الحالية «يمكن ان تستمر لفترة طويلة». وفي مثل هذا الظروف فمن المرجح ان تتحرك الولايات المتحدة وراء الستار اكثر من عملها علنا من اجل «القضاء على الاعتقاد في الجانبين ان هذا صراع من اجل كل شيء او لاشيء، وجعله صراعا تفاوضيا مرة اخرى».

*خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» خاص بـ «الشرق الاوسط»