واشنطن وتل أبيب تتهمان العرب بإفشال مؤتمر ديربان وباريس تلوح بالانسحاب

TT

واصلت أمس قضية الشرق الاوسط تصدرها للمسائل المثيرة للجدل على جدول أعمال مؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية في يومه الخامس، وسط أنباء متضاربة عن انسحاب أوروبي وشيك واتهامات أميركية للعرب بالتسبب في «فشل» المؤتمر. وكان الاسرائيليون أشد صراحة في اتهاماتهم، إذ حمّل رئيس الوفد الاسرائيلي موردخاي يديد كلاً من الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الخارجية المصري أحمد ماهر والمندوب الفلسطيني لدى الامم المتحدة ناصر القدوة «مسؤولية إخفاق هذا المؤتمر». وأثناء توقفه في لندن عائداً إلى إسرائيل بعد انسحاب الوفد الاسرائيلي، أبدى الدبلوماسي الاسرائيلي استعداده للعودة الى ديربان شرط أن «يوافقوا (العرب وأصدقاؤهم) على حذف تلك اللغة التي تنم عن الكراهية»، بيد انه سارع الى القول بأن «هذا لن يحصل»، مشدداً على أن «المؤتمر قد فشل» فشلاً ذريعاً.

وأفادت تقارير بأن البيت الابيض اعتبر أن العرب كانوا السبب الرئيسي في انسحاب الوفد الاميركي، موضحاً أن إصرارهم على انتقاد إسرائيل جعل من ديربان «فرصة ضائعة بالنسبة لأميركا» وغيرها من المناهضين للعنصرية. ونُسب الى الناطق الرسمي آري فليتشر قوله أول من أمس إن الوفد الاميركي اضطر الى الانسحاب لأن بعض الوفود دأبت على محاولاتها لحرف المؤتمر وتحويله الى ملتقى للحط من قيمة السياسة الاسرائيلية. وأضاف «من المؤسف أن بعض المشاركين دفعوا بالمؤتمر الى حد لم يعد معه لأميركا وإسرائيل من خيار سوى الانسحاب».

غير أن ماهر وموسى نددا بالموقف الاميركي ـ الاسرائيلي الداعي إلى استثناء تل أبيب من النقد في محفل دولي على مستوى ديربان، مؤكدين أن الجهود العربية التي هدفت بصورة أساسية الى إنجاح المؤتمر تستحق الثناء. وأوضح المسؤولان أن المؤتمر يتابع مناقشاته بشكل جدي، معربين عن أملهما في أن يتوصل الى قرارات منصفة للحق العربي، لاسيما أن ثمة معارضة عامة في أوساط الوفود المشاركة للطروحات الاميركية التي تسعى إلى عرقلة قرارات تدين إسرائيل بالعنصرية. ولفت وزير الخارجية المصري ماهر إلى وجود اتفاق في أوساط المؤتمر على ان انسحاب الولايات المتحدة يعتبر إهانة كبيرة للأمم المتحدة وإهانة أيضاً لكل الذين حضروا الاجتماعات ولجنوب افريقيا مستضيفة المؤتمر. وأعرب في تصريح له أمس إثر عودته الى القاهرة بعد ان رأس وفد مصر في اجتماعات المؤتمر عن أسفه للموقف الاميركي الذي وصفه بأنه غير مقبول وغير مفهوم. وأضاف: ان الولايات المتحدة التي تعد دولة صديقة لنا ونحرص على هذه الصداقة معها كان يجب أن يكون لها دور مؤثر في أعمال المؤتمر، موضحاً ان المبدأ الذي حاولت الولايات المتحدة فرضه على المؤتمر والخاص بعدم التعرض للمشكلة الفلسطينية، قوبل بمعارضة شديدة جداً من المشاركين.

واعتبر رئيس الدبلوماسية المصرية ان انسحاب الولايات المتحدة لم يحبط الهمم داخل أروقة المؤتمر، مشيراً الى ان اميركا حاولت ترويج شائعة بأن هناك العديد من الدول التي سوف تعلن انسحابها من المؤتمر، ولكن هذا لم يحدث. وأكد ان انسحاب الوفد الاميركي أظهر ضعف موقفه الذي لا يحظى بتأييد غالبية المشاركين.

وتساءل وزير الخارجية: «هل يعقل ان يكون هناك مؤتمر دولي ينعقد تحت لواء الأمم المتحدة التي لها دور مهم في مشكلة الشرق الأوسط وكلنا نعمل في إطار قراراتها ويطلب من هذا المؤتمر ألا يرى ولا يسمع ولا يتكلم إلا برغبة الولايات المتحدة واسرائيل»؟ وجدد تأكيد التزام مصر بذل الجهود الحثيثة لإنجاح المؤتمر، مشيراً الى أن وفد بلاده يعمل بنشاط وجدية لبلوغ تلك الغاية. وبشأن الدور الأوروبي، قال ماهر في تصريحه ان أوروبا تحاول ان تلعب دور الوسيط بين مؤيدي إدانة إسرائيل ومعارضيها، مؤكداً «ان أوروبا كانت معنا في ضرورة أن تتضمن أعمال المؤتمر هذا الموضوع ولم تعلن استياءها من تناوله».

من جانبه، أكد موسى عقب عودته الى القاهرة أمس ان انسحاب اميركا كان غريباً خصوصاً انه حدث قبل انتهاء المؤتمر، معتبراً ذلك انحيازاً جديداً لاسرائيل. واضاف «اننا أعلنا بكل صراحة اننا سنؤيد الاشارة الى ما تعرض له اليهود في الماضي، ولكن يجب ألا ننسى الحاضر وما تقوم به اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني». وكان الأمين العام للجامعة العربية قد أكد في كلمته التي ألقاها في المؤتمر يوم الأحد الماضي ان الاستعمار الاسرائيلي في فلسطين والأراضي العربية المحتلة يعتبر تمييزاً لشعب على حساب شعوب أخرى، وشدد على حق تقرير المصير بوصفه من الحقوق الاساسية للانسان والشعوب.

وحذر من الاهانات العنصرية والاشارات التي لا تخفي الكره للشعوب الأخرى والتي صدرت عن عدد من قادة اسرائيل وبعض مرجعياتها الدينية، ووصفت فيها العرب بأنهم حشرات وأفاع وانهم يتكاثرون كالنمل، ومن ثم يجب القضاء عليهم. وأشار الى اتهامات وجهها بعض رجال الدين من المسؤولين في اسرائيل لشعب فلسطين كله بأنه شعب من الارهابيين، متسائلا: هل هناك عنصرية أكثر من ذلك؟

غير ان فرنسا عبرت أمس عن موقف متشدد إزاء الجدل حول إدانة الصهيونية بالعنصرية، وهي صرامة تأتي على خلفية انطلاق معركة الانتخابات الرئاسية التي ستسبق الانتخابات التشريعية في الربيع القادم. فحسب الناطق باسم الحكومة الفرنسية الوزير جان ـ جاك كيران، أكد رئيس الحكومة ليونيل جوسبان الذي «اتخذ موقفاً صارماً» ان مسألة إنسحاب فرنسا ودول الاتحاد الاوروبي «ستُطرح حالاً» إذا تم التمسك بمساواة الصهيونية بالعنصرية. وترافق هذا التهديد مع بيان أصدره الحزب الاشتراكي أمس معرباً عن رفضه «بأي شكل من الاشكال اعتبار أن الديمقراطية الاسرائيلية ذات نزعة عنصرية»، بالرغم من السياسة السلبية التي ينتهجها رئيس الوزراء آرييل شارون. واعتبر البيان ان مساعي الدول العربية ومؤيديها لإدانة إسرائيل بالعنصرية «تؤجج الاحقاد ولا تخدم السلام والحوار بين الشعوب». وقال الوزير كيران إن انسحاب فرنسا واوروبا «يعني فشل المؤتمر». غير أن ناطقاً باسم وفد الاتحاد الاوروبي نفى وجود أي خطط لديه بالانسحاب في الوقت الراهن، رغم تردد انباء عن أن الاوروبيين أعطوا المؤتمرين مهلة 24 ساعة تنتهي مساء أمس، ملوحين بالانسحاب ما لم تُحذف العبارات المنددة بالعنصرية الاسرائيلية من مسودة البيان الختامي. ونُقل عن كوين فيرفيك، الناطق باسم لوي ميشال وزير خارجية بلجيكا ورئيس الوفد الاوروبي، قوله أمس «الانسحاب غير مطروح في هذه المرحلة على الاطلاق، إذ لم تدع إليه اي من الدول الاعضاء». واعتذر الناطق عن عدم التكهن بما سيؤول اليه الموقف الاوروبي إذا فشلت الوفود في وضع مسودة بيان ختامي تحظى بموافقة الجميع قبل انتهاء المهلة.

وافادت تقارير أمس أن ممثلين لجنوب افريقيا وبلجيكا والنرويج وناميبيا وفلسطين قد امضوا ليلة اول من أمس في مناقشات تهدف الى الاتفاق على نص مسودة جديدة، حسب اقتراح وزيرة خارجية الدولة المضيفة. وباعتبار أن إعلاناً عن اتفاق كهذا لم يصدر بعد، يبدو ان الخلاف لا يزال يتركز على مسألة العبارات الناقدة لممارسات إسرائيل العنصرية، فضلاً عن قضية الرق والتعويض عن ضحاياه.

وفي إطار الجدل المتواصل حول العبودية، عقدت الوفود الافريقية اجتماعاً أمس لتوحيد كلمتهم، جددوا إثره إعلانهم التمسك بموقفهم حول ضرورة تقديم اعتذار غربي رسمي عن الرق والتعويض عن ضحاياه. ونُسب الى سيني أولاي، وزير العدل في ساحل العاج، قوله ينبغي على الدول الغربية أن تعمد إلى التعويض عن العبودية والاستعمار عن طريق إلغاء الديون الافريقية الضخمة. ولفت الى وجود حاجة ماسة لـ«الاعتراف بأن الرق كان جريمة ضد الانسانية، وان افريقيا عانت الكثير من جراء تجارة العبيد عبر الاطلسي».

من جهتها، شددت أمس ماري روبنسون، مفوضة الامم المتحدة العليا لحقوق الانسان والامينة العامة للمؤتمر، على أن المؤتمر لم يفشل. واضافت «إذا لم نواجه التحدي، فإننا لن نكون قد فشلنا في الوصول الى اتفاق في المؤتمر فحسب، بل سنكون قد خيبنا آمال كل هؤلاء المهمشين والمنبوذين والمكروهين الذين يحتاجون إليه حاجة ماسة».