المستوطنون الإسرائيليون يشكلون جماعات إرهاب في الضفة الغربية لقتل الفلسطينيين ومضايقتهم

30 ألف فلسطيني تحت حظر تجول دائم في الخليل بسبب 450 مستوطنا يهوديا متطرفا

TT

بعد صلاة سريعة، وضع آفي شابيرو و12 من المستوطنين القلنسوة الدينية على رؤوسهم، وحملوا بنادقهم شبه الاتوماتيكية وتوجهوا نحو الطريق السريع الذي يحمل رقم 60. وهناك دفعوا بكمية من الصخور ومدوا اسلاكا شائكة واشعلوا النيران في عدد من اطارات السيارات لتشكيل حاجز قالوا انه يمنع دخول اكبر سيارة اجرة فلسطينية، وجلسوا ينتظرون. وخلال الانتظار في حفرة بجوار الطريق قال شابيرو وهو قائد المجموعة لرفاقه: التفوا حول اي سيارة اجرة. اطلقوا النار، واقتلوا اكبر عدد من مصاصي الدماء العرب بقدر الامكان».

وذكر شابيرو: «نحن نفعل ما تعهد به (رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل) شارون وفشل في تطبيقه: طرد العرب من ارض اسرائيل». وجدير بالذكر ان شابيرو (42 سنة) انتقل الى اسرائيل مع زوجته واولاده الاربعة قبل ثلاث سنوات من بروكلين في نيويورك. واضاف «اذا لم يتخلص (شارون) من المسلمين، فسنقوم بذلك».

ويزعم المستوطنون ان الحكومة الاسرائيلية تخلت عنهم. ولذا فهم يتولون اطلاق النار على الفلسطينيين ويضربونهم ويسرقون ويدمرون ممتلكاتهم ويسممون مواردهم المائية طبقا لما ذكره المسؤولون الفلسطينيون والاسرائيليون. ويشير المسؤولون الاسرائيليون الى انه رغم ان المتطرفين اليهود قاموا باعمال من هذا القبيل في السابق، لعل اشهرها قيام مستوطن اميركي هو باروخ غولدشتاين في فبراير (شباط) 1994 بقتل 29 عربيا في الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل، فانهم اي المتطرفين لم ينفذوا عمليات بمثل هذه الطريقة المنتظمة. كما لم يحدث ان العنف كان بهذه الكثافة الحالية في الخليل.

ويعيش اكثر من 450 يهوديا يمينيا، يدعون الحق التوراتي في الارض، وسط 120 الف فلسطيني، والعديد، مثل شابيرو وزملائه على استعداد للاعتداء على الفلسطينيين في اي لحظة.

وحذر المسؤولون الاسرائيليون والاميركيون شارون من انه اذا زادت اعمال العنف ضد الفلسطينيين المدنيين، فان ذلك يمكن ان يؤدي بالمنطقة كلها الى الحرب.

* قنبلة موقوتة

* منذ اندلاع الانتفاضة في سبتمبر (ايلول) الماضي قتل 119 فلسطينيا على ايدي المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، طبقا لارقام «بيتسيليم» وهي جماعة اسرائيلية لحقوق الانسان، مقابل 30 مستوطنا قتلوا على ايدي مسلحين فلسطينيين.

في يوليو (تموز) الماضي قتل المستوطنون ثلاثة فلسطينيين من بينهم طفل لا يزيد عمره عن ثلاثة اشهر في نابلس، وادانت وزارة الخارجية الاميركية العملية التي وصفتها بأنها «عملية وحشية»، ولم يوجه الاتهام لاي شخص حتى الآن.

ويقول حنا ناصر رئيس بلدية بيت لحم: هؤلاء الناس قنبلة موقوتة. لا يوجد شخص آمن». والاعتداءات التي تكاد تتكرر يوميا، تلقى الادانة من كل الاسرائيليين تقريبا. أكثر المدنيين لها هم السياسيون الذين يخشون من ان يخرب هؤلاء المتطرفون محاولاتهم لاظهار اسرائيل كضحية.

ورغم ذلك فمن المتوقع زيادة العمليات طبقا لتصريحات عدد من المسؤولين الاسرائيليين. فقد تشكلت جماعة من المستوطنين المسلحين الذين يملكون مواد لصناعة القنابل في الخليل. وتخشى الاجهزة الامنية الاسرائيلية من توسيع المتطرفين نطاق اهدافهم بحيث تشمل الجنود ورجال الشرطة الذين يتم ارسالهم لحماية المستوطنين، بالاضافة الى الدبلوماسيين الغربيين ومراقبي السلام الاوروبيين. وكان 85 من مراقبي الاتحاد الاوروبي في الخليل، قد غادروا المدينة بعدما اشتكوا من تعرضهم لاهانات شفهية وجسدية على يد المستوطنين. ويوضح كارل هنريك سورسن النرويجي ورئيس بعثة المراقبين «كل يوم نضرب ونتعرض للركل على يد المستوطنين. لقد جعلوا الحياة مستحيلة بالنسبة لنا».

* 177 ألف مستوطن

* يقدر اليشا ايفرات من جامعة تل ابيب ان 10 في المائة فقط من المستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة البالغ عددهم 177 الف مستوطن من المتطرفين. ويعيش العديد منهم خلف اسوار حجرية يصل ارتفاعها الى 25 قدما ونوافذ مضادة للرصاص في الخليل. ويعتبر المستوطنون الذين يعيشون في الخليل وعددهم 450 مستوطنا واكثر من 7 آلاف يعيشون بالقرب من البلدة في اراض تقع تحت سيطرة اسرائيل، انهم حماة الخليل، التي يعتبرها اليهود ثاني مدينة مقدسة لهم بعد القدس. ويتولى عدة الاف من الجنود الاسرائيليين وقوات الشرطة حمايتهم. ويقول ارييل فيشر البالغ من العمر 38 سنة «هذه ارض الله منحها لنا، نحن الشعب الاسرائيلي، ناقلا عن آيات من التوراة التي تؤيد ادعاءات اسرائيل لهذه الارض. ومثل معظـم المتطرفين فهو مولود في اسرائيل.

ويعيش في الخليل ايضا 120 الف فلسطيني العديد منهم يسكنون في حي ابو سنينة. لقد عاش العرب واليهود معا في الخليل لقرون طويلة. ولكن اضطرابات وقعت عام 1929 ادت الى مقتل اكثر من 60 يهوديا. وتولى البريطانيون الذين كانوا يحكمون فلسطين انذاك السكان اليهود في مناطق اخرى. وبعد حرب 1967 بعدما استولت اسرائيل على الضفة الغربية لنهر الاردن، عاد بعض اليهود. ولكن الذين عادوا كانوا الاكثر تطرفا بين الاسرائيليين، وادعى الاسرائيليون الذين كانوا يحظون بدعم من الحكومة الاسرائيلية التي كانت تشجعهم على الانتقال للضفة الغربية، حقا الهيا للمدينة وطالبوا بمغادرة العرب.

وفي عام 1997 انسحب الجيش الاسرائيلي الذي كان يسيطر على المدينة منذ حرب 67 من 80 في المائة من المدينة وسلم السيطرة على البلدة الى السلطة الفلسطينية، وتركت المساحة الباقية للمستوطنين. ويشير المستوطنون الى ان ذلك كان بمثابة كارثة. فمنذ اندلاع الانتفاضة الثانية في شهر سبتمبر الماضي يتعرضون لاطلاق النار من القناصة الفلسطينيين. وردا على ذلك وضعت اسرائيل 30 الف فلسطيني الذين تحيط منازلهم بالمستوطنات تحت حظر تجول لمدة 24 ساعة. وحظرت عليهم ترك منازلهم، حتى لزيارة للطبيب او الذهاب للمدارس. ويرفع حظر التجول مرتين اسبوعيا لعدة ساعات قليلة للسماح لهم بالتسوق. وفي الاسبوع الماضي تدفقت على الخليل مئات من القوات الاسرائيلية تدعمها عشرات من الدبابات والبلدوزرات، وبقت عدة ساعات لتدمير مبان تقول اسرائيل ان القناصة الفلسطينيين يستخدمونها. ويطالب المستوطنون اسرائيل بإعادة السيطرة على المنطقة عن طريق احتلال دائم للخليل. والى ان يتم ذلك يقول المستوطنون انهم مجبرون على اتخاذ «اجراءات وقائية» لوقف النيران الفلسطينية. الا ان المسؤولين الاسرائيليين يذكرون ان المستوطنين هم الذين يثيرون اعمال العنف. فعلى العكس من الفلسطينيين فإن المستوطنين احرار في مغادرة مساكنهم عندما يرغبون في ذلك. وتقول جماعات حقوق الانسان انهم يهاجمون المحلات الفلسطينية بانتظام بينما لا يمكن للفلسطينيين الذين يجبرون على البقاء في مساكنهم بسبب حظر التجول، الا مشاهدة ما يحدث. واحمد ابو نيني البالغ من العمر 55 سنة فلسطيني ضرير يملك كشكا صغيرا لمواد النظافة. وقد تعرض محله ثلاث مرات للتخريب منذ شهر سبتمبر الماضي من جانب المستوطنين، طبقا لما ذكرته جماعات حقوق الانسان هنا. كما تعرض للضرب على ظهره بحجر ولعدة لكمات. ويقول نيني ان الجنود الاسرائيليين حاولوا منع واحد من الهجمات عن طريق القاء قنبلة ارتجاجية، الا انها ادت الى اشتعال النار في ملابسه. وعانى من حروق من الدرجة الثالثة. وقد اغلق محله الان، ويعيش على الهبات من الطعام والمال. وقال «اذا كان لدي المال ويمكنني الابصار، لتركت المكان. ان المسألة مسألة وقت قبل ان اتعرض للضرب مرة اخرى». وبالقرب منه كان نافذ بني جابر البالغ من العمر 45 سنة يتولى دفن 123 من اغنامه. وقال انها تسممت في الاسبوع الماضي بعدما طارده 10 من المتطرفين اليهود خارج حقله. واكدت الشرطة الاسرائيلية انهم عثروا على ابر مسممة وانهم يعتقدون ان المستوطنين استخدموها لتسميم الاغنام. وقال المسؤولون انه تم تسميم بئر يستخدمها الفلسطينيون. ويحمل العنف الموجه ضد الفلسطينيين طابعا دينيا. فقد ذكرت جماعات حقوق الانسان ان المستوطنين يكتبون عبارات على الحوائط فيها اساءة للدين الاسلامي، كما رسموا نجمة دواد على حوائط السوق المحلي. واحاطوا بالنساء المسلمات المحجبات وحاولوا نزع غطاء الرأس والعباءات التي يرتدنها. وقد امكن تصوير سمر عبد الشافي وهي ام فلسطينية في السادسة والثلاثين من عمرها في الشهر الماضي وهي تحاول الهرب من عدة مستوطنين يضربونها ويحاولون نزع غطاء رأسها. وقد حدث ذلك مرتين منذ الحادثة الاولى، وكشفت عن رضوض في ذراعيها وساقيها وجبهتها. وقالت سمر عبد الشافي «ان اليهود يحاولون ان يفعلوا بنا ما حدث معهم خلال الهولوكوست. لا يجب السماح لهم بطردنا من مساكنا. يجب ان يساعدنا احد».

* جيش الرب

* الشرطة الفلسطينية تقول انه ليس لديها الامكانيات للدفاع عن السكان العرب. والجنود الاسرائيليون غير راغبين او غير قادرين على المساعدة. ويوضح نعوم تيفون قائد القوات الاسرائيلية في الخليل، ان قواته موجودة في الخليل لحماية المستوطنين وليس الفلسطينيين. ويقول ان جنود وقوات الشرطة يتعرضون لكمائن من المستوطنين الذين يصفهم بأنهم «مثيرو الشغب» ويتهم المستوطنون قوات الشرطة بالفشل في وقف العنف العربي. الا ان السرجنت آفي العم وعمره 28 سنة يقول «لا اصدق اننا نخاطر بحياتنا للدفاع عن هؤلاء المتعصبين». وكان يشير الى مستوطن صبي يرتدي ملابس مثل غولدشتاين، ويسير حاملا علم اسرائيل. ويحظى غولدشتاين الذي قتل 29 مسلما في الخليل بالتقديس بين بعض المستوطنين الذين يشجعون اولادهم على ارتداء ملابس مثل التي يرتديها في المناسبات. ويقول العم « هؤلاء الناس يشعرونني بالخجل لكوني يهوديا».

ويطالب العديد من الاسرائيليين الحكومة بحل المستوطنات المتطرفة مثل تلك الموجودة هنا. وذكرت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية مؤخرا في افتتاحيتها ان «المستوطنة اليهودية في الخليل مصدر ازعاج اساسي، والتصرفات غير القانونية من اليهود هناك في الايام الاخيرة ادت الى نتيجة واحدة.. يجب اخلاء الخليل».

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»