الجيل الرابع من حكام الصين الحديثة.. قليل من الماركسية كثير من العداء لأميركا

TT

خلال الشهور الاثني عشر القادمة سيرأس الرئيس الصيني وزعيم الحزب الشيوعي جيانج زيمين واحدا من اهم التحركات في عهده، وهو تسليم السلطة الى الجيل القادم. وتجدر الاشارة الى ان ما اصبح يعرف باسم «الجيل الرابع» بزعامة خليفة جيانغ نائب الرئيس هو جينتاو، يختلف تماما عن أي مجموعة من القادة الذين حكموا الصين.

ويوضح تشانج لي وهو اكاديمي ومؤلف كتاب «قادة الصين»: «ان هذه القيادة الجديدة ستصبح، بسبب خبرات الثورة الثقافية، اكثر القيادات تنوعا واقلها ايديولوجية واكثرها قدرة في تاريخ الصين». والنخبة الناشئة تنتمي لمجموعة براغماتية تمكنت من تحمل العديد من الصعاب، ويمكن ان تتعامل مع الولايات المتحدة، على جميع المستويات من الاسلحة النووية الى حقوق الانسان، بطريقة مختلفة تماما.

وهذه المجموعة من مواليد فترة تتراوح بين عامي 1941 و1956 وسافرت للغرب، وتستخدم سيارات بي ام دبليو وتستمع لموسيقى بيتهوفن وموزارت، وتستثمر اموالها في البورصة. ولا يهتم الا القليل منهم بالشعارات القديمة مثل «التضحية من اجل مستقبل مشرق» او تؤمن بالجدلية الماركسية. كما انهم اكثر حرفية، وتعليما واكثر وعيا بالعالم الخارجي...

ففي عام 1980 كان 4% من الكوادر الحاكمة في الصين تحمل شهادة جامعية فقط، اما اليوم فأكثر من 90% منهم يحملون شهادات جامعية. وكان في الصين في الثمانينات 3 آلاف محام اما اليوم فيوجد بها 150 الف محام.

وقبل ثلاثين سنة كان بعض ابناء الجيل الرابع من الحرس الاحمر، وهي مجموعة مختارة مكلفة بتطبيق تعاليم الرئيس ماو تسي تونج. بينما تعرض البعض الآخر للضرب على يد هؤلاء الحرس، او شاهدوا آباءهم يقتلون باسم التقدم خلال مرحلة الثورة الثقافية (1966 ـ 1976). كما ارسل العديد منهم الى الريف. وفي النهاية، شعر العديد منهم بخيبة الامل.

ويوضح المفكر الصيني هي كنجليان انه بعد مؤتمر الحزب الشيوعي وتسليم السلطة في شهر سبتمبر (ايلول) من العام القادم، فإن قادة الجيل الرابع، «الذين يملكون خبرة غير مسبوقة ولن تتكرر»، سيسيطرون ولاول مرة على المناصب الكبرى.

المعروف ان عملية الانتقال بدأت في عام 1949 مع ماو تسي تونج زعيم «الجيل الاول» للصين الشيوعية، ثم جاء دنج زياو بينج عام 1977 وجيانغ زيمين في عام 1989. ويشغل هو جينتاو، خليفة الرئيس جيانغ، منصب نائب رئيس الصين ويقود ما اصبح يعرف باسم «الجيل الرابع».

وفي السبعينات ارسل هو الى الريف لعقد. وهو يعرف «الصين الحقيقية» طبقا لما ذكره واحد من الخبراء، وليس المناطق الساحلية المتطورة، مثل الساحل الشرقي الغني الذي تنتشر فيه ناطحات السحاب والمشاريع المشتركة التي حددت صورة الصين المعاصرة بالنسبة للغربيين.

وقد بدأ جيل هو في الظهور على جميع مستويات الحزب. ففي عام 1999 كان الجيل الرابع يحتل 167 من بين 344 من كبار مناصب الحزب، طبقا لجداول الحزب الشيوعي. وخلال مؤتمر الحزب الشيوعي في شهر سبتمبر من العام القادم حيث سيتم تسليم السلطة، فإن العدد ربما يصل الى 250.

وبالرغم من ذلك، يبدو ان الجيل الجديد اقل تعاطفا مع الولايات المتحدة. بالمقارنة بقيادات الجيل القديم مثل جيانغ وزهو رونجي رئيس الوزراء، المعروف عنهم، اعجابهم بالولايات المتحدة. ومن المرجح ان القيادات التي تتراوح اعمارها بين 45 و60 ستنظر للولايات المتحدة كمنافس عالمي بل وربما عدو محتمل.

الا ان الشكوك المتعلقة بالولايات المتحدة، ناجمة من التوتر في العلاقات الذي شاهدته السنوات الاخيرة، وليس اعتمادا على استقراء ماركسي بين هذا الجيل. ويرى عدد من المراقبين ان القيادة الجديدة ستأتي بمستويات جديدة من التوازنات والاجماع، وستدعم مزيدا من «الاصلاحات الديمقراطية» وافكار عن «حكم القانون» التي يتردد انها تحت الدراسة حاليا.

الا ان البعض الآخر يرى ان الجيل الرابع جيل افسدته الثروات الجديدة. ويشير بعض المحللين المؤيدين للجيل الرابع من امثال البروفسور لي من كلية هاميلتون في نيويورك ان شخصية واسلوب القيادة الجديدة ستغير المفاهيم الصينية بخصوص السياسة الخارجية والعلاقات مع الولايات المتحدة والبطالة وتنمية المناطق الداخلية في الصين.

ويرد على ذلك عدد من النقاد الذين يرون انه بدون تغيرات في الحزب لجعله حزبا يواجه المسؤولية، فإن تغيير القيادات ليست له اهمية. ويوضح استاذ جامعي في بكين طلب عدم ذكر اسمه: «ان على الجيل الجديد مواجهة نفس الحزب القديم، فالصين تمر بمرحلة حرجة.. لقد كشفت اصلاحاتنا عن مشاكل اساسية، مثل الفساد والهوة بين القلة الغنية والاغلبية الفقيرة، وكلها صفات لحزب غير مسؤول.. لدينا رأسمالية بدون مجتمع مدني».

لقد ورث الجيل الرابع مفهوم «الصين اصلاحية التوجه عبر الاسواق الحرة» التي بدأت في عهد دنج زياوبنج، وقد حول ذلك الصين الى اكثر الاقتصادات نشاطا في آسيا. وتأكد هذا التوجه في اول يوليو (تموز) الماضي في خطاب لجيانغ اثار ضجة عندما دعا «الرأسماليين الحمر» اي رجال الاعمال الى الانضمام للحزب.

غير انه من غير المعروف مدى ليبرالية قيادات الجيل الرابع. فقد تبنى هو، على سبيل المثال، خطا متشددا في القضاء على الانتفاضة التي شاهدتها التبت في اواخر الثمانينات. ويشير اريك هارويت، المتخصص في الشؤون الصينية في جامعة هاواي ان «هو جينتاو، الذي لم يظهر توجهات ليبرالية كثيرة كأمين عام للحزب في التبت، ربما يتصادم مع عدد من المفكرين الاكثر ليبرالية من امثال نائب رئيس الوزراء ويو بانجو او بو جيلاي النجم الصاعد في الحزب والعمدة السابق لمدينة داليان».

وبالرغم من ذلك فإنه ايد، في كلمة له هذا الاسبوع في مدرسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، انفتاح جيانغ على القطاع الخاص، حيث قال «علينا الالتزام بالماركسية»، الا انه اضاف «يجب علينا الا نلتزم باحكام محددة او برامج عمل تم اعدادها في لحظات تاريخية محددة، فإذا التزمنا بالافكار القديمة، فسنتخلف وراء الزمن، وسيتوقف الحزب عن التقدم ويفقد وضعه القيادي».

والمدهش ان الجيل الرابع الذي سيحكم الصين لن تقوده شخصية قوية ولكن «لجنة دائمة» من سبعة اشخاص. ويصف دبلوماسي غربي القيادة الجديدة بقوله «لقد ذهبوا الى الريف، وشاهدوا بأنفسهم القوى المدمرة للحزب، وكان عليهم التصرف لكي يبقوا على قيد الحياة». ويشعر الجيل الرابع الآن ان «وقتهم» قد حان للحكم، ولا يريدون تعريض الصين لما حدث من قبل مرة اخرى.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»