ديربان: جنوب أفريقيا تتوصل إلى صيغة وسطية حول إسرائيل تقبلها الأوروبية ودمشق تتمسك بادانة تل أبيب

TT

بقي خطر الفشل أمس محدقاً بمؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية حتى عشية إختتامه اليوم، وذلك بسبب الخلافات على صيغ الاشارة الى إسرائيل والرق في البيان النهائي. فقد بدا أن الوساطة التي انهمكت بها نكوسازانا دلاميني ـ زوما، وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، منذ الاثنين الماضي لتقريب وجهات النظر العربية والاوروبية والافريقية حول الموضوعين الشائكين، لم تثمر بعد عن نتائج ملموسة. وافادت تقارير أن الاجتماع الذي عقدته رئيسة دبلوماسية الدولة المضيفة ليلة اول من أمس مع ممثلين عن وفود الجامعة العربية وفلسطين والنرويج وزامبيا وبلجيكا، قد انفض صباح امس من دون التوصل الى عبارات مقبولة لوصف الممارسات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة من جهة، والاعتذار عن الرق ودفع التعويضات لضحاياه.

بيد ان روني مامويبا، الناطق الرسمي باسم الوزيرة، نفى في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط»، صحة المعلومات القائلة بأن جهود رئيسة الدبلوماسية الجنوب افريقية لم تلقَ النجاح حتى الآن. وأضاف «إن الاجتماعات متواصلة للبت في موضوعي الصهيونية والرق، وقد تحقق بعض التقدم في جلسة ليلة البارحة مع أن اتفاقاً نهائياً لم يتم حتى الآن، على حد علمي، بخصوص العبارات التي ستستعمل في نص البيان الختامي».

وفي تطور آخر، نُسب الى مصدر غربي طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن جنوب افريقيا قد اقترحت نصاً جديداً لمسودة البيان الختامي نال موافقة الاوروبيين. وأضاف ان «الاوروبيين في انتظار الرد العربي» على المسودة التي اقترحتها وزيرة خارجية افريقية في اجتماع الهيئة العامة للمؤتمر المؤلفة من عشرين بلداً من انحاء العالم، مؤكداً أنهم سينسحبون إذا لم يحظ النص الجديد بقبول جميع الاطراف من دون الخوض في جولات مفاوضات أخرى.

ونُقل عن سلمان الحرفي، سفير فلسطين في جنوب افريقيا، قوله «لا يزال لدينا أمل (في إدانة إسرائيل بالعنصرية)، لكن للأسف لا يبدي شركاؤنا الاوروبيون قدراً كافياً من المرونة». ويُشار الى أن الوفود العربية أعربت مراراً عن رأيها في أن البيان الختامي سيكون عديم المعنى ما لم يوجه انتقادات الى اسرائيل.

ومن جانبه، قال رايموند جوهانسين، نائب وزير الخارجية النرويجي قُبيل توجهه أخيراً الى ديربان للمساعدة على انقاذ المؤتمر، ان «مؤتمر العنصرية مهدد بالفشل الكامل». وكان كوين فيرفاكه، المتحدث باسم وزير الخارجية البلجيكي لوي ميشال رئيس وفد الاتحاد الاوروبي الى ديربان، قد قال ان اجتماع الليلة الماضية انتهى «بدون التوصل الى اتفاق». وزاد ان الدولة المضيفة ستتقدم بمشروع تسوية لاسلوب التعامل مع موضوع الشرق الاوسط واسرائيل الى اللجنة العامة للمؤتمر المؤلفة من عشرين بلداً من أنحاء العالم.

ومن ناحية ثانية، قال دبلوماسي برازيلي يساهم في التوسط بين الوفود المختلفة حول اسرائيل والرق، إن الاطراف جميعاً ملتزمة بالبقاء في المؤتمر حتى النهاية. وشدد مشاركون افريقيون مجدداً على ضرورة الاشارة في البيان الى أن الرق والاستعمار كانا «جريمتين ضد الانسانية»، مطالبين الدول الغربية بدفع تعويضات لضحايا هاتين «الجريمتين». وتم الحديث في السياق عن كيفية التعويض، وشطب الديون الافريقية وضخ مزيد من الاموال والاستثمارات الغربية في القارة السوداء. الى ذلك افادت تقارير ان العرب لم يوافقوا على المسودة التي اقترحتها جنوب افريقيا، باعتبارها تُغفل ذكر الممارسات الاسرائيلية العنصرية في الاراضي العربية المحتلة. بيد انهم قرروا متابعة المحاولة لإقناع الآخرين بوجهة نظرهم. وبينما اعتذر السفير الحرفي عن عدم التعليق على المسودة موضع النقاش، اتهم الدول الاوروبية بالتذرع بقضية الصهيونية لتفادي «الاعتذار عن العبودية و(دفع) التعويضات». والارجح أن النقاش سيطول في الغرفة رقم 10 في مركز المؤتمرات بديربان، التي شهدت جلسات مباحثات عدة بين الاطراف المختلفة رعتها الدولة المضيفة. وتردد أن نص المسودة المؤلفة من اربع صفحات تحت عنوان «مظالم الماضي والطريق الى الامام»، التي وافق عليها الاوروبيون تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبـ«مصيبته» في ظل «احتلال أجنبي» وتندد بالاسلاموفوبيا (العداء للاسلام). وعدا عن أنها تخلو من أي ذكر للممارسات العنصرية الاسرائيلية التي اصر العرب على ايرادها، فان المسودة الجديدة تدين العداء للسامية وتقول صراحة ان «المحرقة النازية يجب ألا تُنسى اطلاقاً». كما تؤكد وجوب احترام حقوق دول الشرق الاوسط، بما فيها اسرائيل، بالتمتع بالامن.

ووصف الناطق الاروربي فيرفاكه المسودة الجديدة بأنها تمثل الحد الادنى لـ«مطالبنا»، معتبراً أن «أحداً لا يشعر بسعادة تامة بخصوص «المسودة»، لكن لو رأيت النصوص التي تم تداولها من قبل لأدركت أن الاخيرة تجسد تقدماً فعلياً». وقال دبلوماسي اوروبي آخر «اننا لا نشعر بالسعادة ازاء كل شيء، لأن المسودة الجديدة لا تزال تستثني القضية الفلسطينية. بيد ان ذلك مقبول بالنسبة لنا. والاشارة الى المحرقة النازية ايجابية جداً». من جهة أخرى، أبدى الاوروبيون استعدادهم للتعبير عن «أسف عميق» بسبب الاستعمار والتورط سابقاً في تجارة الرق. غير انهم تشبثوا برفضهم للاعتذار رسمياً او دفع تعويضات مادية بأي شكل من الاشكال، علما أنهم لن يمانعوا في تقديم المساعدات شريطة ألا يكون ذلك بمثابة فريضة ينبغي الالتزام بها وتأديتها بصورة منتظمة. وفي سياق التعليق على الموقف الغربي، اعرب أميركيون من اصول افريقية عن استغرابهم لعدم استعداد البيض الى الاعتذار عما ارتكبوه في حق افريقيا، ما دامت المانيا قد اعتذرت سابقا لليهود الناجين من ضحايا العهد النازي. الا أن الموقف الاوروبي لا يتسم بالتطابق الكامل، كما يدل تصريح الوزيرة السويسرية كلوديا كاوفمان التي قالت للمؤتمرين في وقت سابق من هذا الاسبوع «لقد تعلمنا كم هو مهم أن نتذكر المحرقة النازية وضحاياها. والتذكر يعني تحمل المسؤولية. وبهذه الروح، ينبغي أيضاً أن ننظر بشكل ناقد الى ظلم الاستعمار والرق». ومعروف أن سويسرا أفرجت عن ودائع في مصارفها لذوي ضحايا المذبحة النازية بعد تردد وجدل كبيرين. الا أنها ليست في عداد الدول التي تورط مواطنوها في تجارة الرق، مثل فرنسا وبريطانيا والبرتغال وهولندا والولايات المتحدة والدنمارك وغيرها.

وفي دمشق افادت وكالة الانباء السورية ان سورية اصرت على ان يدين مؤتمر الامم المتحدة ضد العنصرية المجتمع «ممارسات اسرائيل العنصرية».

وقالت الوكالة ان وزير الخارجية فاروق الشرع اعرب عن هذا الموقف لنظيرته الجنوب افريقية نكوسازانا دلاميني ـ زوما خلال محادثات اجراها معها امس.

كما طلب الشرع من نظرائه في منظمة المؤتمر الاسلامي خلال اجتماع عقد في ديربان ان تتمسك بلدانهم بموقفها «الذي ادان بشدة ممارسات اسرائيل العنصرية في الاراضي العربية المحتلة».