مأساة نيويورك وواشنطن تضرب أفلام إثارة ومغامرات جديدة كانت هوليوود ستبدأ عرضها

تأجيل العروض وتغيير سيناريوهات بعض الأفلام بعد تغير مزاج الجمهور الأميركي

TT

فيما لا تزال فصول مأساة نيويورك وواشنطن مستمرة عقب هجوم الثلاثاء المدمّر، تحاول هوليوود جاهدة التوصل الى كيفية عرض افلام محددة كان الهدف منها دغدغة مشاعر الجمهور، غير ان الاوضاع الآن باتت مختلفة منذ صباح الثلاثاء الاسود. فقد جرى تأجيل عرض فيلمين سينمائيين على الاقل اولهما فيلم الحركة والاثارة «الدمار الملازم» Collateral Damage الذي كان من المفترض بدء عرضه في 5 اكتوبر (تشرين الاول) المقبل، اذ أرجئ الى اجل غير مسمى الى جانب فيلم «مشكلة كبيرة» BigTrouble الكوميدي الذي ارجئ تأجل عرضه من 21 سبتمبر (ايلول) الحالي الى تاريخ غير محدد في نوفمبر (تشرين الثاني). علاوة على ذلك، تجري الجهات المعنية مراجعة على بعض الافلام السينمائية الاخرى حتى تناسب المناخ الاجتماعي السائد حاليا في الولايات المتحدة، حيث لا تزال المشاعر متأثرة بعمق من جراء هجوم الثلاثاء.

يلعب الممثل آرنولد شوارزنيغر في فيلم «الدمار الملازم» دور رجل اطفاء يفقد زوجته وطفله في حادث انفجار سيارة مفخخة في لوس انجليس. يقول منتج الفيلم، ستيف روثر، انه بنهاية يوم الثلاثاء الذي دفن فيه الكثير من رجال الاطفاء تحت انقاض مركز التجارة العالمي اتضح له انه من غير الممكن ان يطلق حملة دعائية للفيلم في ظل الظروف الحالية. فقد التقى روثر مع مسؤولي «وورنر براذرز» وشوارزنيغر واتفقوا جميعا على تأجيل بدء عرض الفيلم رغم صرف حوالي 20 مليون دولار مسبقا على الاعلانات الترويجية له.

وبصورة مشابهة سحبت ديزني الفيلم الكوميدي «مشكلة كبيرة» واجلت عرضه الى نوفمبر. تدور قصة الفيلم، الذي يشارك فيه تيم آلان ورين روسو، حول جسم نووي مخبأ في حقيبة يجري تهريبه الى داخل طائرة ركاب. واعلنت شركة «باراماونت كلاسيكس» انها ستؤجل الفيلم الكوميدي «أرصفة نيويورك» Side Walks of New York، الذي تشارك فيه هيثر غراهام وايد بيرنز، الى اجل غير مسمى، اذ كان من المقرر بدء عرضه في 21 سبتمبر. وذكر ديفيد دينرشتاين، مسؤول احد الاستديوهات الذي اتصلت به «واشنطن بوست» وهو في تورنتو حيث شارك في مهرجان سينمائي لم يجتذب الحضور المتوقع، ان الظروف الراهنة ليست مناسبة لعرض الفيلم. ويتوقع آخرون ان تؤجل الاستديوهات العمل في الافلام بسبب ضعف الاقبال المتوقع من قبل الجمهور الذي لا يبدو انه في مزاج لمشاهدة الافلام تحت ظل الظروف الراهنة. كما اجلت شركة «وورنر براذرز» بدء عرض فيلم «تدريب نهاري» Training Day، الذي يشارك فيه دينزيل واشنطن، من 21 سبتمبر الى مطلع اكتوبر المقبل.

وتجري بعض الاستديوهات حاليا تعديلات على نصوص بعض الافلام الهزلية القصيرة كي تأخذ في الاعتبار هجمات الثلاثاء. فقد اعيدت كتابة مشهد من فيلم «رجال الملابس السوداء» Men in Black II صور على خلفية «مركز التجارة العالمي» الذي دمر تماما في هجوم الثلاثاء. كما سحبت «سوني» من المسارح فيلم «الرجل العنكبوت» Spider Man بسبب احتوائه على مشاهد من «مركز التجارة العالمي» الى جانب ملصقات ينعكس فيها برجا المركز داخل عيني «سبايدر مان».

وحذت شاشات التلفزيون حذوا مشابها، فقد الغت قناة ABC (ايه بي سي) عرض فيلم «صانع السلام» Peace maker، الذي انتج عام 1997 وشارك في بطولته كل من جورج كلوني ونيكول كيدمان. ومن المؤكد ان سبب الغاء بث الفيلم المذكور هو احتواؤه على مشهد اخير يظهر فيه انتحاري صربي يحاول تفجير نفسه في مانهاتن. وتقرر بث الفيلم الكوميدي Hope Float بدلا عنه. والغت القناة كذلك بث فيلم «الفدية» Ransom الذي يشارك فيه ميل جيبسون، وذلك بسبب قصته التي تحتوي على الاختطاف والارهاب. وقال المتحدث باسم «ايه بي سي»، كيفين بروكمان، ان المناخ الاجتماعي الراهن يقتضي بالضرورة تقدير المشاعر السائدة. وسحبت قناة CBS (سي بي اس) فيلم «الوكالة» The Agency وهو واحد من عرض من ثلاثة اجزاء من المفترض بدء عرضها هذا الموسم. تبدأ القصة المستوحاة من عمل «وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية» (سي آي ايه)، حول محاولة الشخصية الرئيسية تجنيد دبلوماسي شرق اوسطي يملك معلومات حول تفجير ارهابي وشيك في لندن. والجدير بالذكر ان هوليوود استخدمت الارهابيين كأشرار في افلام الحركة، ولكن في فيلم «الدمار الملازم» تتقارب الحقيقة بين الاعمال الروائية والواقع وتبدو متقاربة للغاية. وفي نهاية الفيلم، يجد شوارزنيغر رجال الاطفاء يحاولون منع عملية تفجير اخرى. هذه المرة في وزارة الخارجية في واشنطن.

وقد اعد السيناريو الاصلي للفيلم معتبراً الارهابيين العرب هم الذين نفذوا العملية الا ان مخرج الفيلم اندرو دافيس طلب تغيير شخصيات الارهابيين الى ارهابيين كولومبيين على علاقة بتجارة المخدرات. وذكر روثر «لقد كانت مجموعة عربية غير محددة. وفكرنا في ان هناك العديد من الافلام التي تصف العالم العربي بأجمعه على انه ارهابي، وان هناك العديد من الجماعات الارهابية العاملة».

وقد تعرضت هوليوود الى انتقادات حادة في الماضي من جمعيات العرب الاميركيين التي اشارت الى أن العرب والمسلمين يصورون كشياطين في الافلام الاميركية، وكان اخرها «الحصار» The Siege الذي ظهر في عام 1998 وهو عن اصوليين مسلمين يتدربون في افغانستان على عملية ارهابية في مانهاتن.

ويشير البعض في هوليوود الى ان فيلم «الدمار الملازم» الذي تقدر ميزانيته بمائة مليون دولار ربما لا يتم عرضه على الاطلاق، وإن كان روثر قد ذكر انه «يمكننا استباق الاحداث. ان القرار الذي اتخذناه هو انه لا يوجد ما يمكننا القيام به في اللحظة الحالية بدلا من الرد على ما نواجهه، وهو هذه المأساة». واضاف «الجميع يسألونني: ما هي التكلفة؟ متى ستعرضون الفيلم؟ وردي على هذه الاسئلة هو ليست لدي اي فكرة».

ليس ثمة شك في ان مأساة الثلاثاء ستؤثر بصورة مباشرة على اختيار الافلام التي ستنتج مستقبلا، غير ان آثار ذلك لم تتضح بعد. تقول باربرا بروغلياتي، المتحدثة باسم «وورنرز»: «نحن هنا على المدى القصير، وسنحاول التعامل على الاساس الواقع. نحاول ان نشرح لاطفالنا ما يعنيه كل ذلك. وفوق ذلك نريد بعض الوقت لانفسنا للتوصل الى الوجهة التي نسير اليها على المدى البعيد».

وداخل شركة «سوني» يسرع المسؤولون من اجتماع الى آخر، وفي مكتب الشركة في نيويورك، فإن الحزن هو السائد وليس التفكير حول الافلام. يقول روثير ان قطاع السينما سيتعامل بالتأكيد مع هجوم الثلاثاء وسيعرضه وسيعكس كذلك ما تتعامل مع «سوني»، مؤكدا ان الحياة تغيرت وان هذه واقع يجب ان يعترف به الجميع من خلال عكس هذه الواقع من خلال السينما والتلفزيون.

وقال المنتج المخضرم مارك جونسون انه لا يتخيل ان يعطي واحد من الاستديوهات الضوء الاخضر لتصوير فيلم تدور قصته حول الارهاب، مستبعدا ان تتوفر الثقة لدى منتج لفيلم يتضمن «احتجاز رهائن» او «انفجار مبان ضخمة». ويضيف جونسون ان افلام العنف والتدمير والانفجارات لن تجد رواجا في الغالب في دور السينما.

ورغم اتفاق الكثيرين على ان هوليوود تعتمد على دخلها في الاساس في «تصوير النزاع»، فإن البعض يعتقد ان الارهاب لن يكون موضوعا لافلام هوليوود لفترة طويلة مقبلة. تلقى ايد زويك العديد من الانتقادات بسبب فيلمه «الحصار» The Siege الذي صور فيه ارهابيين مسلمين يلحقون خرابا واسعا بمانهاتن، غير ان ما اتضح هو ان الفيلم اكثر وداعة مما حدث يوم صباح الثلاثاء. ويظهر في واحد من الملصقات الاعلانية للفيلم منظر تكرر في تغطية اخبار هجوم الثلاثاء وهو مرور اعدد كبيرة من الناس عبر جسر بروكلين.

ويؤكد زويك ان «التنبؤ بمثل هذه الاشياء لا يبعث على الشعور بالارتياح، كما يرى كذلك انه ليس ثمة استياء إزاء الكتابة عن الاحداث المأساوية للحرب الاهلية الاميركية وسفينة «تايتانيك»، مؤكدا ان الخراب مواضيع يمكن ان يستغلها الفنان طالما صقلت الذاكرة بفعل الوقت والمسافة بصورة كافية. اما الأمر الذي لا يمكن تحمله، طبقا لوجهة نظر زويك، فهو «اللحظات التي تلي الدمار مباشرة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»