منفذو اعتداءات أميركا عاشوا حياة طبيعية ويجيدون استخدام التكنولوجيا ويعرفون أسرار حركة الطيران

الخطأ الوحيد الذي ارتكبه أحدهم في هامبورغ هو عدم إعادته 3 أفلام فيديو مستأجرة

TT

انهم أذكياء، بارعون في استخدام التكنولوجيا، وطموحون بطريقتهم الخاصة المميزة. انهم يستخدمون الانترنت ويعرفون اسرارها، وأسرار حركة الطيران التجاري المعاصر. انهم نوع من الناس الذين يمكن ان ينجحوا في اميركا لو لم يرغبوا في تدميرها.

وجودهم في هذه البلاد، ظل وجودا ناعما وحاذقا، لعدة اشهر وربما لعدة سنوات في بعض الاحيان. وهم لم يذوبوا في المجتمع، ولكنهم ابتعدوا تماما عن طريق المشاكل. احد المتهمين بقيادة شبكتهم، محمد عطا، أوقفته الشرطة لقيادته سيارة من دون رخصة، في ابريل (نيسان)، ولم يظهر يوم سماع قضيته بالمحكمة، كما ان الشرطة لم تتابع تنفيذ امر باعتقاله. واذا صرفنا النظر عن ذلك، فان الخطأ الوحيد الذي ارتكبه كان في ألمانيا قبل عامين، عندما لم يعد ثلاثة افلام فيديو هي (إيس فنتورا، مصاصو الدماء وعاصفة القرن). وقد حولت محلات استئجار الافلام الامر الى وكالة قانونية لاسترجاع الاموال.

هؤلاء المتآمرون لم يزحفوا الى داخل البلاد تحت جنح الليل الدامس. بل تم الترحيب بهم في وضح النهار. بعضهم على الاقل، ان لم يكن كلهم، دخلوا بصورة قانونية، بتأشيرات الدخول، مع ان اثنين منهم وضعا مؤخرا على «القوائم المحظورة» للمتهمين بالارهاب. احدهم تخرج في مدرسة طيران محترمة بدايتونا بيتش، في فلوريدا. وقد اتبعوا قوانين اللعب للدرجة التي حصلوا فيها، في بعض الحالات، على ارقام الضمان الاجتماعي، ورخص القيادة وحسابات ذوي الاسفار العديدة.

ومع ظهور تفاصيل المؤامرة، اصبح واضحا ان الارهابيين بذلوا جهودا جبارة لاخفاء خططهم وهوياتهم. سجلوا صناديق البريد القريبة كعناوين لمنازلهم. وكانوا ينتقلون كل شهر او شهرين. وربما يكونون قد انتحلوا شخصيات افراد آخرين.

كانوا شبابا، اصغرهم عمره 20 سنة لا اكثر. بعضهم اعزب، احدهم قال لمالك شقته انه يتمنى ان يتزوج امرأة مكسيكية، فهن زوجات مثاليات في نظره.

بعضهم متزوجون، ولهم اطفال صغار يلعبون مع الاطفال الاميركيين من جيرانهم، كانوا يفضلون فنادق المسافرين والشقق، ويؤجرون المنازل المطلة على السواحل قرب مدارس الطيران بفلوريدا. المواقع التي يقيمون فيها ـ ديلراي بيتش، فيرو بيتش، ديتون بيتش ـ مشهورة لاستقبالها المتقاعدين وسيارات السباق، ولكن ليس الارهابيين بأي حال من الاحوال.

في بعض الاحيان كانوا يذهبون الى اماكن اخرى: فونيكس، سان دييغو. احدهم عاش لفترة قصيرة بالقرب من «بيلتواي»، وكان يتلقى دروسا في تعلم الانجليزية والكومبيوتر بتايسون كورنر.

قال هنري جورج، الذي تتلمذ على يديه اثنان من المتهمين بالاختطاف: عطا ومروان الشيحي، بمقاطعة ديد العام الماضي «كانا يتصرفان كفردين عاديين. ولم يكن هناك اي شيء غير عادي. كانا مهذبين، وربما حتى خجولين».

وقال تشارلس ليزا، لصحيفة ميامي هيرالد، وكان قد اجّر شقتين لاثنين منهم بفلوريدا الجنوبية، انهما من ذلك النوع من الشباب الذين ترغب في اصطحابهم لمباراة البيسبول، وعندما غادرا سألهما المالك عن العنوان الجديد فابتسم احدهم وقال له انه سيرسل له بطاقة بريدية للتحية.

انها الجريمة الاكثر غرابة في كل التاريخ الاميركي. ومع ان احصاء الموتى لم يكتمل بعد، الا انه من الواضح ان عدد الضحايا في هجوم الثلاثاء ربما يفوق 4435 من الاميركيين الذين اعلن رسميا انهم قتلوا في هذه الحرب.

وقد حقق الارهابيون اهدافهم من دون طلقة واحدة.

ربما استخدموا المدى البلاستيكية ومشارط الورق المقوى. والاخيرة يمكن ان توضع مع امواس الحلاقة وأدوات الاستخدام الشخصي التي تمر بسهولة من خلال اجهزة فحص الحقائب بالمطار.

ولكن اسلحتهم الاساسية كانت الطائرات، التي حولها الارهابيون الى صواريخ موجهة.

الوزن الكلي لطائرة البوينج 767 ـ 200 الرقم المسلسل 22332، وهي جاهزة للاقلاع يساوي 351 الف رطل. هذه هي القنبلة الاولى. خزان وقودها يسع 20 ألفاً و450 جالونا من وقود الطائرات الشبيه بالكيروسين. في ظروف مثالية يمكن لهذا الوقود ان يحترق حتى 3500 درجة. وهو ليس مترجرجا كالغازولين، ولكن كل ذرة منه تضيف الى القوة الكلية.

ويمكن لجالون واحد منه ان ينتج 125 الف وحدة حرارية بريطانية.

وما يمكن ان تفعله آلاف الجالونات تسكب على ناطحة سحاب وتشتعل اصبح معروفا للجميع.

قالت الحكومة الاميركية ان المتهم الاول هو اسامة بن لادن، المليونير الراديكالي الذي يمول شبكة عالمية من الارهابيين. ويعتبر هجوم الثلاثاء استمرارا لحرب عمرها خمس سنوات لم تهتم بها اميركا اهتماما كاملا الا يوم الثلاثاء.

فقد اعلن بن لادن الحرب على اميركا عام 1996، واصدر فيما بعد فتوى دينية تعد اتباعه بدخول الجنة اذا قتلوا اعداء الاسلام.

وقد هاجم ارهابيون منسوبون الى بن لادن ثكنات عسكرية اميركية; وسفنا حربية وسفارات. ونفذوا تفجيرات بمركز التجارة العالمي عام 1993، وظلوا يحلمون بتنفيذ هجمات اكبر باستمرار.

كان هؤلاء الرجال يغيرون طريقة كتابة اسمائهم كلما انتقلوا من مكان الى مكان، مما يجعل من الصعب تحديد هوياتهم.

يعتقد المسؤولون ان بعضهم تلقى تدريبا بأفغانستان، مقر عمليات بن لادن. بعضهم اعضاء بمنظمة الجهاد الاسلامي المصرية، حسب اعتقاد بعض المسؤولين، التي تكوّن جزءا من شبكة بن لادن. ويعتقد المسؤولون ان احد المتآمرين، هو خالد محضار، المواطن اليمني، والعضو بجيش عدن الاسلامي، احد حلفاء بن لادن.

ولا شك مطلقا في اخلاصهم للقضية، ولم يقم احد منهم بالتبليغ عن الآخرين. ومن بين الـ19 المتهمين بالاختطاف هناك محمد عطا، المسافر الذي جاب كل انحاء الارض، والمولود بمصر، والذي تلقى درجة من الجامعة الفنية بهامبورغ، بألمانيا، والذي سكن مؤخرا بضاحية فورت لدرديل، في فلوريدا. ويعتقد ان عطا هو الذي قاد طائرة اميركان ايرلاينز، الرحلة 11، التي ارتطمت اولا بمركز التجارة العالمي.

وتقول رسالة بخط يده، وجدت مع متعلقاته التي تركت بميناء لوغان ببوسطن، انه ينوي قتل نفسه حتى يدخل الجنة كشهيد. واشتملت اغراضه كذلك على جواز سفر سعودي، ورخصة قيادة عالمية وشرائط فيديو ارشادية لقيادة طائرات البوينج وجدول بمواقيت الصلاة.

وتقول بعض التقارير ان الرسالة يرجع تاريخها الى عام 1996، مما يدعم الاعتقاد ان التحضير للعملية استغرق سنوات. عام 1996 كان عطا بهامبورغ، التي يعتقد انها مركز اوروبي اساسي لاتباع بن لادن. وأعد عطا هناك رسالته عن التجديد الحضري ـ عن كيف يمكن تجديد احدى المدن. وكان المشرف على رسالته، ديتمار ماشول، قد وصف عطا بأنه «شاب لطيف جدا، مهذب، متدين، وله عقل نقدي رصين».

كان يعيش مع مروان الشيحي الذي يصغره باحدى عشرة سنة. وقد اصبح عطا والشيحي لا يفترقان على مدى هذه السنوات وحتى اليوم الذي استقلا فيه طائرتين مختلفتين ببوسطن واختطفاهما الى مدينة نيويورك.

المحقق الاساسي بهامبورغ، كاي نيهم، قال ان عطا والشيحي كونا خلية ارهابية بالمدينة بغرض شن هجمات مدوية على مرافق ومؤسسات الولايات المتحدة. وقال الجيران ان الرجلين كانا يستضيفان اجتماعات في اوقات متأخرة من الليل.

الرجل الآخر كان يعيش بشقتهما هو زياد الذي كان في الطائرة التي سقطت في بنسلفانيا.

وبعد وصولهما الى اميركا، بدأ عطا والشيحي يتلقيان دروس الطيران باجتهاد شديد. التحقا اولا بهوفمان للملاحة الجوية، بفينيسيا في فلوريدا، ودفعا مبالغ وصلت الى 38 ألف دولار للتدريب. وبالرغم من انهما اكملا 260 ساعة من الطيران، لكنهما لم يتلقيا اية خبرات في قيادة طائرات معقدة تكنولوجيا كالطائرات التجارية. والتحقا بعد ذلك بشركة سيم سنتر، بمقاطعة ديد، في بلدية اوبالوكا، والتي تعطي دروسا في قيادة بوينج 727. حيث تلقيا درسا واحدا لمدة 3 ساعات وعادا من اجل درس آخر.

ومن الواضح ان المتآمرين كانوا يخططون وجها لوجه من خلال اجتماعات تعقد اواخر الليالي، بهذه الشقق المستأجرة. وربما يكون هناك بعض الاشخاص ممن لهم علاقة بالمجموعة، ما يزالون يتمتعون بحريتهم.

وعلى مستوى البلاد، عاش المختطفون في هدوء. اثنان منهم: نواف الحمزي; وخالد المحضار، سكنا بليمون غروف، وهو حي هادئ شرق سان دييغو، وكانا يستأجران شققا من عبد الستار شيخ، الاستاذ البريطاني المتقاعد بجامعة مقاطعة سان دييغو، والذي شارك في تشييد مركز سان دييغو الاسلامي. وقد تعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي على الحمزي والمحضار من ضمن المختطفين الخمسة الذين اختطفوا طائرة اميركان ايرلاينز الرحلة 77، والتي اصطدمت بالبنتاغون يوم الثلاثاء.

قالت جارتهما دينيز ادير: كانا لطيفين، شخصين عاديين، ولا يمكنك ان تتصور ان خاطف طائرات يعيش بالمنزل المجاور.

وهناك متهم آخر بالاختطاف هو هاني حنجور، يعتقد انه كان يقود الطائرة التي ضربت البنتاغون. ويعتقد انه ظل يعيش بأريزونا طوال السنوات الخمس الماضية، وتدرب على الطيران بمركز «سي. آر. ام» للطيران، لمدة ثلاثة اشهر عام 1996، وفي ديسمبر (كانون الاول) 1997، وذلك حسب اقوال مسؤول المركز جيرالد شيلتون. وقد تلقى حنجور تدريباته ليصبح طيارا لطائرة ذات محرك واحد.

ويقول شيلتون، ان حنجور «لم يكمل الدورة، ولم يصل الى درجة الكفاءة التي تمنحه رخصة». وقال ان حنجور عاد العام الماضي لمزيد من التدريب على طائرات متعددة المحركات، ولكنه رفض.

كثير من تفاصيل المخطط ما تزال مجهولة، ولكن تنفيذها لم يبدأ قبل 25 أغسطس (آب) عندما بدأ المختطفون يشترون تذاكر الطائرات. وفي حالات متعددة استفادوا من وكالات السفر بالانترنت، مثل ترافلوسين دوت كوم. واضح ان النقود لم تكن هي المشكلة. اثنان منهم دفع كل واحد منهما 4500 دولار، لتذكرة ذات اتجاه واحد بالدرجة الاولى بطائرة يونايتد ايرلاينز الرحلة 175، مما وضعهما قرب كابينة القيادة.

لماذا اختاروا 11 سبتمبر؟

لا احد يعرف، ربما اختاروه لانه يوم الثلاثاء، اي يوم حركة خفيفة فيما يتعلق بالطيران عبر البلاد، والعدد الاقل من الركاب وبما يعني مقدرة اكبر في التحكم بهم.

* (خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»)