واشنطن تتجه لإغلاق أقرب مطاراتها إلى البنتاغون والبيت الأبيض تفاديا لهجمات أخرى

10 آلاف موظف في «ناشونال» وشركة الطيران الرئيسية فيه يواجهون مستقبلا مجهولا

TT

تستعد منطقة واشنطن للعمل من دون واحد من مطاراتها الاربعة، بعدما اعلن مسؤولون كبار بادارة الرئيس جورج بوش ان مطار «ريجان ناشونال» يمكن الا يستأنف العمل قريبا.

وفي مخاطبات عامة قال نائب الرئيس الامريكي ريتشارد تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ووزير المواصلات نورمان مينيتا، ان قضايا امنية خطيرة تمنع استئناف العمل بهذا المطار الذي رغم انه مريح جدا لسكان المدينة الا انه مهيأ بصورة مثالية لشن الهجمات الارهابية. وكانت تعليقات مينيتا هي الاكثر دقة وتحديدا، فقد قال ان مجلس الامن القومي وليس هيئة الملاحة الجوية، هو الذي سيقرر كيفية فتح المطار، وان المطار سيستخدم فقط للاقلاع والهبوط المتجه جنوبا بعيدا عن وزارة الدفاع (البنتاغون) ومقر وكالة الاستخبارات المركزية «سي اي ايه» والاهداف بوسط واشنطن. وقال «لا اقول ان المطار سيغلق الى الابد. فالسفريات المجدولة لشركات الطيران يجب ن تقلع في اتجاه الجنوب، وان تأتي من الجنوب».

ومن بين 120 طائرة كانت محجوزة بالمطار بعد احداث الاسبوع الماضي، بقيت 18 فقط لم تبلغ بعد حتى نهاية الاحد الماضي وجعل اقلاع تلك الطائرات المطار يبدو مهجورا، بدون طائرات، بدون مسافرين وبدون مستقبل واضح. وقد اصبح المصير مجهولا بالنسبة لـ 10 آلاف موظف بالمطار ولعشرات الاعمال الصغيرة، ولشركة خطوط «يو اس ايروايز» اكبر شركات الطائرات العاملة بالمطار، كما اصبح مجهولا كذلك مصير خطة تجديد مطار دالاس الدولي التي تكلف 3.4 مليار دولار وتنفذه نفس الهيئة العامة التي تدير مطار «ناشونال».

وقد اصبح مصير مطار «ناشونال» موضوعا لحوار مكثف داخل ادارة الرئيس بوش، وفي الكونغرس وفي قطاع الملاحة الجوية، وتتصارع المصالح الجبارة لتحقيق التوازن بين الامن والراحة والضرورات التجارية.

ويقول خبراء الملاحة الجوية ان اغلاق مطار «ناشونال» او تعطيله جزئيا، سيحول منطقة واشنطن الكبرى من افضل الاسواق الجوية خدمة الى اسوأها. فدخل المطار السنوي 5 مليارات دولار، وهو يمثل موقعا مريحا للحكومة واوساط الاعمال، يسهل حركة المديرين التنفيذيين والموظفين الفيدراليين والاعداد التي لا تحصى من السياح.

وحصر الحركة في الاتجاه الجنوبي وحده سيعرقل وظيفة المطار لان حركة الطيران تتبع الرياح التي تغير اتجاهاتها. وقال جيمس ويلدنج الرئيس والمدير التنفيذي لهيئة موانئ ومطارات واشنطن «لن اقول ان العمل سيكون مستحيلا. ولكن من الصعب تصور كيفية العمل بهذه الطريقة وكيفية تحقيق نظام يعتمد عليه من الجدولة التي تشغل خطوطا للطيران. سيكون الامر كله غير عادي».

ومر بالمطار العام الماضي حوالي 16 مليون مسافر. وهذا عدد اقل بالمقارنة مع مطاري دالاس وبالتيمور اللذين يسع كل منهما لحوالي 20 مليون مسافر، ولكنه اكثر مما يمكن ان تسعه المطارات المجاورة كعبء اضافي.

وتعتمد سلامة الاوضاع الاقتصادية لمطار دالاس مباشرة على علاقته بمطار «ناشونال»، وذلك لانهما يُداران معا بواسطة هيئة مطارات واشنطن الكبرى، التي اقترضت مبالغ ضخمة لتجديد مطار «ناشونال» الذي كلف مليار دولار عام 1990. واغلاق المطار سيكلف الهيئة نصف دخلها تقريبا، اي 500 مليون دولار يوميا، كما يقتضي اجراء تجديدات بمطار دالاس ربما تكلف 1.5 مليون دولار يوميا.

وستكون «يو اس ايروايز» الخاسر الاكبر اذا اغلق «ناشونال». فرحلاتها المكوكية الى مطار لاغوارديا بنيويورك، ولوغان ببوسطن، تبدأ كلها من «ناشونال». وفي العام الماضي خسرت الشركة 269 مليون دولار. وقال رئيس الشركة، ستيفن وولف: «اغلاق المطار يعد انتصارا للارهاب وهو اجراء غير مقبول، ان فتحه واجب ولكن باجراءات امنية اشد».

ولمطار «ناشونال» تاريخ من المشاكل الامنية، وضحت بصورة جلية في اصطدام طائرة «اير فلوريدا» بجسر الشارع 42 عام 1982. ولكن السقوط الانتحاري لطائرة «سيسنا» ذات محرك واحد بالحديقة الجنوبية للبيت الابيض عام 1994، كان بدايته من مطار بالتيمور وليس «ناشونال».

وقد لاحظ كثيرون في مجال الطيران ان الطائرة التي تقلع من مطار دالاس او بالتيمور تبعد ثلاث دقائق من اية اهداف وسط المدينة، وان الطائرة الاتية من هذين المطارين اكبر وسعتهما من الوقود اكبر. والطائرات التي اختطفت الاسبوع الماضي كانت من مطارات لوغان الدولي ببوسطن، ونيويورك الدولي ودالاس.

ويقول روبين ويرث، مدير رابطة الطيارين «يمكن ان نصاب بهستيريا بحيث نعتبر كل الطيران بالمجال الجوي للساحل الشرقي اخطر من ان نسمح به. ولكن يجب ان نتذكر كذلك ان رحلة من ميامي الى بوسطن تمر مباشرة بواشنطن».

وسلك الجدل حول مستقبل «ناشونال» مسارات مألوفة. فوكالات الامن والدفاع ظلت تعارض تحليق السفريات التجارية فوق الاهداف الحيوية، ويبدو ان كلمتها اصبحت مسموعة الان، وحتى اشعار اخر، في مواجهة مؤيدي تشغيل المطار من السلطات المدنية ومن الكونغرس.

ووصف رامسفيلد اغلاق «ناشونال» بأنه «ضرورة» على الاقل في الوقت الحالي. وتابع «لدينا مطارات بدالاس، ولدينا مطار ببالتيمور، وهذه تسمح للطائرات الحربية الاعتراضية بالتحرك وتعطيها وقتا اطول مما تسمح به طائرة تقلع من مطار ناشونال بواشنطن، فهذه الاخيرة تحلق مباشرة فوق البنتاغون يوما بعد يوم بعد يوم، وكذلك فوق البيت الابيض».

وقال تشيني في مقابلة مع محطة «ان بي سي» التلفزيونية انه لا يعرف تحديدا متى يفتح مطار ناشونال «خاصة اننا في هذا الاسبوع يجب ان نكون على درجة عالية من الحذر. وقد توصلنا الى انه من الحكمة ابقاؤه مغلقا».

* خدمة: «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»