ناجون يروون رحلة النزول المرعبة على سلالم مركز التجارة قبل انهياره

آرلين بللت جسد صديقتها بالماء وحملتها 78 طابقا * آدم وهونغ التقيا بعد 4 أيام بدون رفيقهما الذي لم تسعفه بدانته في الفرار

TT

في منتصف كل طابق من الطوابق الـ 110 لمركز التجارة العالمي في نيويورك، تلتقي المداخل في موقع يطلق عليه العاملون في المركز «مفترق الطرق».

الطريق الى اسفل يبدأ في هذا الموقع، وفي الكثير من الحالات تعتمد عملية مغادرة المبنى في حالات الطوارئ على الاختيار بين اليمين واليسار أو بين الأعلى والاسفل أو بين مجموعة السلالم «أ» ومجموعة «ب» أو بين البقاء والمغادرة.

وقد ظل روكو كاماج (61 سنة) يعمل في تنظيف نوافذ المبنى منذ افتتاحه عام 1973، وكان كاماج يعد ادوات النظافة على السطح عندما اصطدمت الطائرة الاولى بالبرج، وحينها بدأ مسرعا بالنزول إلى الأسفل، لكنه ابلغ وهو في الطابق الـ 105 بالعودة الى سطح المبنى.

واتصل كاماج اثر ذلك بزوجته من هاتفه النقال مبلغا اياها انه في طريقه الى سطح المبنى بانتظار طائرة هليكوبتر، لكنها لم تسمع منه بعد ذلك. فقد كان امام آرلين تشارلس خيار كذلك. فهي مسؤولة عن تشغيل المصاعد صباحا بعد اغلاقها ليلا. تبدأ آرلين عملها في الخامسة و45 دقيقة صباحا. وقد توجهت الثلاثاء الماضي الى الطابق الـ 78 وبدأت في ترديد تحية «صباح الخير» للمسؤولين الذين بدأوا في الوصول منذ تلك الساعة، فيما كانت مجموعة أخرى من الزوار في طريقها الى لقاء على الافطار في المطعم الرئيسي بالمبنى.

وبعد ربع ساعة من ذلك الوقت، ارتطمت الطائرة بالبرج الشمالي فوق آرلين. وتقول انها اختبأت بين الطاولات ووضعت معطفا على رأسها لأنها، كما تقول، كانت خائفة من النظر الى أعلى، لكنها سمعت صراخ سيدة بالقرب منها.

اكتشفت آرلين ان السيدة التي كانت تصرخ لم تكن سوى كارمين جريفين زميلتها في العمل على مدى عشرين سنة. كانت كارمين واقفة لكنها بدأت تحبو باتجاه آرلين عند انفجار كمية ضخمة من وقود الطائرات في أعمدة المصاعد. كانت آرلين تنظر الى يدي كارمين اللتين تمسكان بقوة على الارضية وقد تقشرت أصابعهما. بدأ الناس يهرعون في فزع للخروج من ذلك المكان، غير ان آرلين رفضت ان تغادر بدون صديقتها. نجحت آرلين بمساعدة واحد من المسؤولين في تبليل جسد كارمين بالماء وحملاها وبدآ السير الى اسفل عبر سلالم 78 طابقا. كان جهاز الراديو الذي تحمله آرلين يستقبل في ذلك الوقت العديد من المكالمات التي لم تكن سوى توجيهات مسؤولي أمن المبنى بمغادرة المكان بأسرع ما يمكن، غير ان آرلين قالت انه لم يكن بوسعها ان تسرع وتترك صديقتها للموت. وصلت آرلين الى الطابق الـ 45 عندما جاء رجلان مسرعين الى اسفل ساعداها في حمل كارمين وتمكنوا في النهاية من الوصول الى اسفل المبنى، غير ان هذه الرحلة استغرقت ساعة ونصف الساعة. وبعد 15 دقيقة فقط، انهار البرج تماما ونجت كارمين من الموت، الا انها اصيبت بحروق في 60 بالمائة من جسدها.

الطابق 44 كان آدم يمشي بثبات نحو النجاة، وبين الفينة والأخرى كان يقف لتشجيع الزملاء الذين يعملون معه في مكتبه ويدفع احيانا بعضهم في الطابور الذي يمشي امامه الى اسفل للخروج من غابة الدخان الكثيف. رن جرس هاتفه النقال ووجد والده ووالدته اللذين اتصلا به من ديلراي بيتش بولاية فلوريدا. كان آدم متوترا لكنه لم يظهر ذلك في حديثه مع والديه. ففيما كان والده يطلب منه الخروج باسرع ما يمكن، كان آدم يطمئن والده بأنه بخير وفي طريقه الى خارج المبنى. كان آدم بخير ولم يصب بأذى، الا أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لزميليه هاري وهونغ. وصل هونغ الى الطابق 44 بالمصعد لكنه عاد مرة اخرى بالمصعد الى الطابق 52 لاصطحاب هاري وشخص آخر بدين. عثر هونغ على الشخص المقصود الا انه عندما هم بالنزول تعطل المصعد وقرر فورا النزول بالسلم. انها مهمة شاقة بالطبع، لكنها السبيل الوحيد للنجاة من الموت الذي كان محدقا بالكل في تلك اللحظات. اصطحب هاري وهونغ الرجل البدين وبدأوا الرحلة الى أسفل. بعد حوالي ساعة وخمس دقائق وصلوا الى الطابق الـ 39 وهي اللحظة التي انهار فيها البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. شعر هونغ ان تسريع الخطوات هو السبيل الوحيد للنجاة من الموت المحقق، غير ان الرجل البدين اعلن انه لم يعد قادرا على تحريك رجليه وجلس على الارض وهو يردد: «لا استطيع تحريك رجلي. لم اعد استطيع ذلك».

السلم بمرور الوقت اصبحت السلالم مهترئة تماما، كما تعتبر الفترة اللازمة لنزول 90 درجة من السلم عملية شاقة للغاية وسط الهلع والنيران والدخان الكثيف. ويقول توماس همفري، القانوني بمكتب براون اند وود، ان سلم المبنى ليس مصمما للاستخدام لعمليات الاخلاء السريع، علما بأن همفري استخدم السلالم من قبل لنزول 57 طابقا عند انفجار سيارة مفخخة في مرآب المركز عام 1993، مؤكدا ان عملية اخلاء المبنى بكامله لا يجب ان تستغرق اكثر من ساعة ونصف الساعة وهذه، على حد تعليقه، عملية شاقة.

كانت عملية الاخلاء في اللحظات الاولى هادئة ومنظمة، اذ تمكن شخص من استخدام احدى الماكينات الآلية للمشروبات للحصول على شراب العنب بالصودا، قال البعض مازحا ان مياه خراطيم اطفاء الحرائق اتلفت احذيتهم، غير ان سير الاحداث بعد ذلك لم يكن يسمح بالتوقف عند الماكينات الآلية للمشروبات او الحديث عن اتلاف الاحذية والاناقة الشخصية. ففي بعض الطوابق كان النزول سهلا وسريعا وفي البعض الآخر كانت الطوابق مزدحمة والنزول بطيئا. وبمرور الوقت اصبحت السلالم مزدحمة، وازداد الهلع وازدادت درجة الحرارة والغبار العالق وكميات المياه. في لحظات فقط بدأ البرج الثاني في الانهيار وتعالت اصوات الصرير وتشقق الجدران. ويقول كليبورن جونستون، الذي نجح في الهروب من الطابق الـ 64 للبرج الجنوبي، ان الاخلاء كان في بداية الامر هادئا ومنظما، لكنه بدأ يشعر فجأة وكأن الارضية من تحته قد تهاوت وانه بدأ رحلة السقوط. ويدرك الذين عاصروا انفجار عام 1993 ان السلم «سي» هو الاكثر اتساعا وانه يستوعب اعدادا اكبر بعكس السلمين «إيه» و«بي». والمعروف ان غالبية السلالم تسمح بمرور شخصين في وقت واحد، غير ان ذلك لا ينطبق على حالات الازدحام والتدافع والهلع والاسراع نحو النجاة. فعقب الهجوم الأخير كان البعض يحمل المصابين عبر السلالم الى اسفل بعد توقف المصاعد، اذ ان القادرين على المشي في تلك اللحظات يضطرون للوقوف جانبا لاخلاء المصابين.

وبالقرب من الطابق الـ 40 بدأ العاملون في مواجهة رجال الاطفاء الذين كانوا صاعدين الى الاعلى يتصببون عرقا ويحملون اجهزة وادوات ثقيلة.

بدأت دايان ديفونت النزول بالسلم إلى أسفل من مكتبها في الطابق الـ 89، وبعد نزولها 50 طابقا، قابلت اول موجة من رجال الاطفاء وهم يصعدون السلالم مع ازدياد ارتفاع درجات الحرارة. طمأنها واحد من رجال الاطفاء قائلا «ستصبحين على ما يرام». تقول دايان ان ما جاء بذهنها بعد ذلك ان هؤلاء سيصعدون، إلى أعلى لكنهم لن يعودوا ثانية. وحتى عندما وصلت الى بيتها لم تستطع النوم ليلا، ذلك انها كانت ترى وجوههم وهم في طريقهم إلى أعلى البرج الذي انهار بمن هم في داخله.

الطابق الـ 39 كان هونغ يصرخ في وجه الرجل البدين حاثا اياه على الحركة للخروج من ذلك الجحيم. نصحه هاري بعدم تحريك رجليه طالما لم يعد قادرا على ذلك وطلب منه ان يزحف وهو جالس. وتمكن بالفعل من التحرك درجتين في السلم بهذه الطريقة. وصل رجل اطفاء الى الطابق الـ 39 وتحرك في اتجاه هاري وهونغ والرجل البدين، غير انه لم ينشغل بمساعدته، وانما اهتم باخلاء هونغ صارخا في وجهه بأن يخرج فورا. نظر هونغ الى هاري الذي لم يزل واقفا الى جانب الرجل البدين مطمئنا اياه بأنه سينزل معه الى اسفل وانه لن يفارقه، فيما نزل هونغ. كان آدم في طريقه الى اسفل المبنى يزحف على السلالم بعد ان أنهكه التعب وطلب من الناس حوله ان يمسكوا بعضهم بعضا بالايدي الى ان وصلوا الى باحة اسفل المبنى التي كانت قبل ساعة واحدة فقط نافورة رائعة، لكنها في ذلك الوقت لم تكن سوى كوم ضخم من الرماد والغبار والاشلاء. رن جرس هاتف آدم فيما كانت المجموعة في طريقها صوب هوستون ستريت. كانت في الجانب الآخر زوجته التي اخبرته بأن هونغ على قيد الحياة.

التئام الشمل كانت السماء يوم السبت الماضي صافية فوق نيويورك، كان يوما صافيا لكنه بارد بعض الشيء. في مكان قريب من جسر جورج واشنطن التقت مجموعة من الاصدقاء في منزل اوين ماي، وهو واحد من مديري ماي ديفيس، بحضور آدم وهونغ وميكي راموس زوجة هاري. كان هناك ضيف لكنه لم يكن على صلة قوية بشركة الاستثمار التي تعمل فيها المجموعة. اصيب جون، شأنه شأن الناجين الآخرين، بالملل من تكرار سرد قصة نجاته للاصدقاء والاقارب، لذا بعث لهم برسائل بريد اليكتروني يصف فيها محنته وقام الاقارب والاصدقاء بدورهم بارسال الرسالة الى اصدقائهم واقربائهم.

رن الهاتف في الساعة الثانية وخمسين دقيقة من فجر السبت، واذ برسالة تصل عبر البريد الاليكتروني الى سان فرانسيسكو حيث قرأها رجل الى سيدة تدعى ريبيكا لا يزال زوجها ضمن المفقودين. انه الرجل البدين، فيكتور. اتصل الشخص الذي وصلته رسالة البريد الاليكتروني بريبيكا التي اتصلت بدورها بآدم. حضرت ريبيكا بعد ظهر السبت والتقت افراد المجموعة وسألتهم عن فيكتور واطلعت على كل التفاصيل حتى المحاولات الاخيرة لانقاذه. ابلغت كذلك ان هاري وهونغ لم يعثرا له على اثر عند الخروج. رغم الاسئلة الكثيرة والمتتابعة حول فيكتور وتفاصيل المشاهد الاخيرة له مع هاري وهونغ، فإن الصورة بدأت تتبدد، واصبحت اكثر ظلاما في سلم الطابق الـ .36