اعتداءات على مساجد ومدارس إسلامية ببريطانيا ووفد من المجلس الإسلامي يعزي السفير الأميركي

TT

شهدت الحملة المعادية للمسلمين والعرب في بريطانيا تصعيداً ملحوظاً أمس، في وقت بدأت آثار العمليات الارهابية الاخيرة تفعل فعلها السلبي في المجتمع البريطاني. فبينما بدأت الاستعدادات لنقل رفاة الضحايا البريطانيين الذين يزيد عددهم حتى الآن عن 150 ضحية، وأعلنت شركة طيران «فيرجين أتلانتيك» البريطانية الاستغناء عن 12 الف موظف بسبب الكساد في سوق السفر الاميركي، بدت الاعتداءات ضد المساجد والمسلمين في طول البلاد وعرضها في إزدياد. وقد افاد شهود إتصلت بهم «الشرق الأوسط» أن 8 مساجد جديدة قد هوجمت، احدها أُحرق في مانشستر فيما زُرعت قنبلة في الثاني الكائن في بولتون في مقاطعة لانكشاير شمالي إنجلترا. وقد اصدرت نقابة مدراء المدارس في بريطانيا بيانا تحث فيه المدارس الاسلامية على توخي أقصى درجات الحذر بعدما كثرت التهديدات التي تلقتها مؤسسات تعليمية إسلامية عدة في أنحاء المملكة المتحدة. ويذكر في هذا السياق، أن مديرة مدرسة في مانشستر، شمالي إنجلترا قد تعرضت للضرب وتلقت تهديدات بالقتل، كما قال شهود لـ«الشرق الأوسط». وبينما عمدت مدارس إسلامية الى إغلاق أبوابها، أوضح متحدث باسم مدارس «مؤسسة الامام الخوئي الخيرية» أنهم لا يزالون يواصلون عملهم كالمعتاد في شتى مدارس المؤسسة الموزعة في مدن بريطانية عدة. ونفى ورود أية تهديدات للمؤسسة من جهات عنصرية بريطانية أو غيرها.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن وفداً من «المجلس الاسلامي البريطاني» سيلقى السفير الاميركي في لندن في وقت لاحق من ظهر أمس «للإعراب عن شجبنا الشديد للعمليات الارهابية الاخيرة وتقديم التعازي في الضحايا باسم مسلمي بريطانيا»، حسب الناطق الرسمي باسم المجلس عنايات بونغوالا. وأشار في مكالمة هاتفية الى أن «الدافع الاساسي للزيارة هو إظهار الوجه الحقيقي للمسلمين البريطانيين، خصوصاً أن وسائل الاعلام تُفرد حيزاً كبيراً لاشخاص مثل أبو حمزة المصري وعمر بكري محمد ممن لايمثلون الغالبية المسلمة التي نددت بماجرى في الولايات المتحدة». ولم يستبعد بونغوالا في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن يكون إرتفاع عدد الاعتداءات على المسلمين البريطانيين نتيجة مباشرة للتصريحات المتشددة التي أطلقها هذان الناشطان وأتباعهما، من جهة للتقارير التي تبثها وسائل الاعلام البريطانية من جهة ثانية.

ومن جانبه،أكد مسعود شجرة، رئيس جمعية «حقوق الانسان الاسلامية» في بريطانيا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف «لقد تلقينا حتى الآن تقارير عن 45 أكثر من حالة إعتداء، اشتمل بعضها على الضرب المبرح». وأضاف «لا شك بأن الاعتداءات قد زادت في اليومين الأخيرين، خصوصاً أن عنصريين من أعضاء الحزب القومي البريطاني وغيرهم يحاولون استغلال الاحداث المؤسفة في الولايات المتحدة لتحريض البريطانيين على إيذاء المسلمين لا بل على طردهم من البلاد». وأشار «نحاول الاتصال بأعضاء في مجلس العموم وبوزارة الداخلية لحثها على إتخاذ تدابير أكثر صرامة من شأنها ان تكفل الحماية للمسلمين». ورد التصاعد الملحوظ في وتيرة العداء للمسلمين والاسلام الى «وسائل الاعلام التي تساهم في التحريض على المسلمين من خلال ترويج تقارير منقوصة وغير منصفة، كما أننا نلقي ببعض اللوم على السلطات الرسمية التي لم تعمد بعد الى محاسبة العنصريين البريطانيين». ولم يستبعد وجود «فئة متشددة بين المسلمين البريطانيين» ربما كانت تصب الزيت على النار بتصريحاتها المتطرفة المؤيدة للعمليات الارهابية، موضحاً ان «التشدد ليس حكراً على المسلمين بل هو موجود لدى أتباع الاديان الاخرى من يهود ومسيحيين وغيرهم. ووجود هؤلاء المتشددين لايجب أن يكون مبرراً لارتكاب إعتداءات جديدة ضد مجموعة معظم أفرادها المسالمين الذين يحترمون القانون».

وأعرب الشيخ آزام، رئيس «مجلس مساجد برادفورد» لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف عن «ألمنا الشديد لماجرى في أميركا». واضاف «لكن تلك العمليات الارهابية لاينبغي أن تتخذ مبرراً للإعتداء على المسلمين وإلصاق تهم مغرضة بهم، كما يجري حالياً في بريطانيا وخارجها». وشدد على أن «الاعلام مسؤول عن التصعيد ضد المسلمين، وكذلك اللغة التي يستعملها القادة السياسيون في الولايات المتحدة، من قبيل تأكيدهم على شن حروب صليبية أخرى ضد الارهاب الدولي». وأوضح أن «الاعتداءات الجسدية وإحراق المساجد، هي أحد جوانب الاذى الذي لحق بالمسلمين. وربما يكون الرعب الذي يعيشونه، الامر الذي يجعل بعضهم رهينة المنزل خوفاً من مواجهة مع عنصري بريطاني، هو أقسى من الألم الذي لحق بهم من إعتداءات جسدية». إلى ذلك، نُقل عن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير تأكيده مجدداً، اول من أمس إثر إجتماع عقده مع ضيفه رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني، أن بلاده متضامنة مع الولايات المتحدة تضامناً تاماً بتأييد ودعم «الغالبية الساحقة للمسلمين الطيبين الذين يحترمون القانون» في انحاء العالم كافة. وسألت «الشرق الأوسط» دائرة شرطة اسكوتلانديارد عما إذا قامت بإعتقال أشخاص يُشتبه في تورطهم بإعتداءات على المساجد أو المسلمين والعرب، فأكدت المتحدثة عبر الهاتف «ليس لدي معلومات بخصوص إعتقالات، لكن ثمة تحقيقات جارية بخصوص إعتداءات عدة». وإعتذرت عن عدم التعليق على إتخاذ إجراءات معينة ضد ناشطين عنصريين بريطانيين بهدف الحد من حصول تحرشات وهجمات جديدة تستهدف المسلمين، موضحة أنها «معلومات أمنية لا يمكننا البوح بها».

وعلى صعيد آخر، نشرت صحيفة «غارديان» في عددها الصادر أمس إستطلاعاً للرأي يؤكد تأييد 66 في المائة من البريطانيين لرد عسكري ضد مرتكبي عمليات مركز التجارة العالمي والبنتاغون، كما يؤيد 59 في المائة منهم توجيه ضربات عسكرية لدول تؤوي الارهابيين. ولاحظ مراقبون أن الشباب يبدون ميلاً اشد لتأييد الانتقام العسكري، وأن الناخبين العماليين أكثر تحمساً للرد العسكري من مؤيدي حزب المحافظين. وبينما نشرت الصحف البريطانية أخباراً تفيد بأن وصول طائرات «بي 52» الاميركية الى قاعدة «فايرفورد» في جنوب غرب إنجلترة قد بات وشيكاً، بدأت علائم معارضة الرد العسكري تلوح على بعض كبار أعضاء الحزب الحاكم. فقد أطلقت كلير شورت، وزيرة التنمية الدولية، في مقابلة مع هيئة الاذاعة البريطانية «بي. بي. سي» تصريحات تحفظت فيها على الرد العسكري مطالبة بتوخي الحذر كيلا يلحق الاذى بابرياء افغان أو غيرهم. ولفتت أيضاً الانتباه الى ضرورة «إنصاف الفلسطينيين»، موضحة أن ذلك سيكون أحد الادوات الفعالة في الحرب ضد الارهاب العالمي. وقيل ان وزير الخارجية جاك سترو، قد وجه إنتقادات لزميلته، حسب تقارير صحافية. ولم يستبعد مراقبون أنها عبرت عن رأي الجناح اليساري في حزب العمال الحاكم، الذي يعد نائب رئيس الوزراء جون بريسكوت وزعيم الاغلبية العمالية في البرلمان روبن كوك، من أبرز اقطابه. وترددت انباء عن تفكير الاحزاب الرئيسية الثلاثة بإلغاء مؤتمراتها السنوية، التي كان مقرراً أن يبدأ اولها (للمحافظين) الاسبوع المقبل.