مسؤولو نيويورك يطرحون مشروعا لإعادة إعمار مانهاتن والتفجيرات تثير التساؤلات حول مصير ناطحات السحاب

TT

اعلن مسؤولو مدينة نيويورك الليلة قبل الماضية مشروعا لاعادة بناء مانهاتن السفلى، التي كانت تضم مركز التجارة العالمي، وذلك بعد مرور اسبوع واحد على الهجوم الانتحاري الذي اتى على البرجين الرئيسيين للمركز.

وطرح رئيس بلدية المدينة رودولف جولياني، والمتحدث باسم مجلس المدينة بيتر فالون، خطة من ست صفحات لتشكيل لجنة تتمتع «بصلاحيات واسعة وشاملة» لتعبئة الامكانات لاعادة بناء منطقة مركز التجارة العالمي. وستقوم اللجنة التي ستتكون من سبعة اشخاص يعينهم رئيس البلدية لفترة خمس سنوات; بمساعدة الشركات التي دمرها التفجير الانتحاري.

ويمكن تلمس هذه الرغبة العارمة في مساعدة المدينة لتخطي مأساتها، في واشنطن واولباني عاصمة ولاية نيويورك. فقد اصدر الرئيس الاميركي جورج بوش امرا رئاسيا اول من امس، بزيادة الاموال الفيدرالية المخصصة لازالة حطام المباني التي انهارت في مانهاتن السفلى.

وكانت الحكومة الاتحادية قد قررت مبدئيا دفع 75 في المائة من النفقات، ولكنها قررت التكفل الآن بكامل النفقات. ووقع الرئيس قانونا بتخصيص 40 مليار دولار لمساعدة المدينة على استعادة عافيتها.

وفي اولباني اقترح المشرعون اوجهاً مختلفة للمساعدة، بما فيها مجانية التعليم في جامعة نيويورك بالنسبة لأسر الضحايا.

وقال جولياني بعد ان شاهد موقع الكارثة مع كوفي انان الامين العام للامم المتحدة، ان اي مجهود لاعادة البناء يجب ان يشتمل على نصب تذكاري «للاعداد الهائلة من الناس الذين فقدناهم، وبعدها يمكن ان نفكر في اي نوع من التنمية الاقتصادية يجب ان يتم».

وقال انان انه يرغب في «ان يقوم مسؤولون من بلدان اخرى بمشاهدة هذا الدمار حتى يدفعهم هذا للانضمام الى الحرب ضد الارهاب».

ومع التلاشي التدريجي للذهول الناجم عن وقع الكارثة بدأ الناس يدركون حقيقة ان المضايقات المصاحبة للاجراءات الامنية الاضافية، واختناقات الحركة ومظاهر البارانويا، ستبقى معهم لبعض الوقت. ويقدر احد المسؤولين بالمدينة ان ازالة الحطام ربما تستغرق عاما كاملا.

وتفجيرات 11 سبتمبر (ايلول) الجاري لم تأت فقط على مركز التجارة العالمي، بل ربما على مستقبل ناطحات السحاب كمفهوم اميركي لحل التزايد السكاني، فناطحات السحاب اصبحت معروفة للجميع ومن بينها مبنى الامباير ستيت بنيويورك وأهرام ترانز أميركا بسان فرانسيسكو، وسيزر تاور بشيكاغو، وكل هذه المباني اغلقت لبعض الوقت الاسبوع الماضي، بينما كان موظفوها القلقون وملاكها المذعورون يتساءلون عما اذا كانت ستكون الاهداف المقبلة للارهاب.

لقد اصبحت هذه النماذج الحضارية العملاقة المحفورة في اذهاننا مصحوبة بعاطفة جديدة، هي الخوف! لقد كانت ناطحات السحاب لعدة عقود تعتبر عجائب معمارية ورموزا للجبروت الاقتصادي. ولكن بعد الصور التلفازية المرعبة لبرجي مركز التجارة العالمي وهما يتحولان الى ركام وحطام وغبار، قد يفكر مستأجرو المستقبل اكثر من مرة قبل ان يتخذوا قرارا بالانتقال الى مبان اعلى من كل ما سواها، ولسنوات عديدة قادمة قد لا تشيد ناطحات سحاب موغلة في العلو.

ويقول مارك سميث، المدير المشارك لـ«ايرنست آند يونغ» للعقارات وهو كذلك يعمل مستشارا لهيئة موانئ نيويورك، حول ممتلكاتها في مركز التجارة العالمي: «عندما تدمر معلما ما، فان هذا يدمر التكوين النفسي للناس». وقال انهم اذا سألوه رأيه في ما يمكن تشييده في مكان برجي مركز التجارة، فانه سيجيبهم بوضوح: «شيئا اصغر واكثر بساطة».

ويبين استطلاع حديث اجرته مؤسسة غالوب لحساب صحيفة «يو اس ايه توداي» وشبكة الاخبار التلفزيونية «سي. ان. ان»، ان 70 في المائة من الاميركيين ما يزالون يؤيدون انشاء ناطحات سحاب، ولكن 35 في المائة من الذين استطلعت آراؤهم اعترفوا بأنهم لا يرغبون في دخولها.

وهذا يثير سؤالا مهما: لماذا نشيّد مباني لا يرغب المواطنون في دخولها؟

ويعترف المعماري البارز سكوت جونسون، بأن «التفجيرات ستترك آثارا على اولئك الذين يخططون مدننا». وقال «آثار هذا الحدث ستبقى معنا طيلة حياتنا. سنفكر في تصميم المباني بصورة مختلفة، دائما».

وسكوت هو الذي صمم بناية فوكس بلازا في لوس انجليس، التي كان يبلغ ارتفاعها 40 طبقا.

وهذه ليست قضية ثانوية. فناطحات السحاب تجلب دخولا هائلة. قيمة الاملاك الحرة التجارية في كل انحاء اميركا تصل الى 3.1 تريليون دولار، حسب تقدير ابحاث الاملاك الحرة، وهو مبلغ خيالي. وهذا رقم اكبر بنسبة 4 في المائة من العام الماضي. وقيمة المباني التي دمرت يوم الثلاثاء 11 سبتمبر بمانهاتن 4.1 مليار دولار، حسب تقدير الشركة نفسها.

لعدة سنوات ظل الخبراء يتوقعون نهاية ناطحة السحاب، وقبل اكتشاف التقنيات المعمارية الجديدة، كان الخبراء بلوس انجليس وسان فرانسيسكو يخشون عليها من الكوارث الطبيعية. وفي الوقت الحالي توقع الناس ان تؤدي الانترنت والتطور الهائل في الاتصالات الى تحويل الابراج العالية الى اثر من آثار الماضي.

ولكن الارهاب ـ او الخوف منه ـ حقق حاليا ما عجزت الكوارث الطبيعية وثورة الكومبيوتر عن انجازه، وهو نهاية ناطحة السحاب الاميركية.

جين بيفانز كانت من محبي ناطحات السحاب، ولكنها غيّرت ولاءها. فهذه المحامية وهي من مانهاتن، كانت تراقب من مكتبها بالشارع، برجي المركز وهما ينهاران.

وقالت «ربما يكون المكتب التالي الذي استأجره في الطابق السادس بدلا من 26 انني اشعر بالاطمئنان كلما تحركت الى اسفل».

* خدمة «نيوز داي ـ يو إس آيه توداي» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»