معاناة مركبة للمسلمين الأميركيين بفقدانهم 700 ضحية في نيويورك وتعرضهم للاعتداءات

TT

لم يشاهد «سال» البالغ من العمر 23 سنة منذ الساعة الثامنة من صباح الثلاثاء قبل الماضي، حين ودع شقيقه خارجاً باتجاه حي مانهاتن في نيويورك. وبعد زلزال الهجمات الجوية الذي هز الولايات المتحدة بعد أقل من ساعة على خروج سال، توجهت والدته إلى معظم مستشفيات المدينة تبحث عن ابنها الوسيم، وتعلق صوره على صناديق البريد والحافلات أملا في العثور عليه حيا أو حتى مصابا. وصارت تسأل كل من تقابله إن كان قد رأى سال، لاعب كرة السلة المعروف، إلا أنها كانت تواجه دوما بالجواب سلبيا.

وتعيش آلاف العائلات الأميركية مأساة شبيهة بالتي تعاني منها عائلة سال، أو محمد سلمان حمداني، الأميركي المسلم الذي قدم مع عائلته من باكستان للإقامة في الولايات المتحدة.

ولا يمثل سال إلا واحدا من قرابة 700 مسلم يعتقد أنهم لا يزالون مفقودين إثر انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، حسبما يفيد مجلس العلاقات الأميركية الاسلامية «كير»، اذ يعمل في المركز المنهار أكثر 1200 مسلم.

لكن عائلة سال لا تعاني فقط من فقدان ابنها، وانما أيضا من المضايقات التي يتعرض لها الان كافة المسلمين الأميركيين إثر توجيه أصابع الاتهام لـ 19 عربيا بتنفيذ الهجوم على نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من الشهر الجاري. وتتألم عائلة سال ومعها كافة المسلمين الأميركيين طبعا من تجاهل الأميركيين للضحايا المسلمين في الكارثة من جهة ومن المضايقات والاعتداءات والشتائم من جهة أخرى. وتتساءل تلات حمداني والدة سال «ألا يفهمون أن الإسلام هو دين السلام وليس القتل؟». وتضيف «هذا الحادث الفظيع ليس من فعل مسلم حقيقي، لأنه سيحول العالم كله ضد المسلمين». وصار قلب تلات، التي فقدت ابنها في الحادث، يحس بالتمزق وهي تسمع الانتقادات الموجهة للمسلمين فتقول «ألا يدركون أن هناك أطباء مسلمين يعملون ويساعدون الضحايا ويتبرعون بدمائهم».

لم تنعم والدة سال بالنوم خلال الأيام الثمانية الماضية، فالدموع لا تفارق عينيها لحظة واحدة. ولا تزال في بيتها في بايسايد بمنطقة كوين في نيويورك تقول لأقاربها «سيعود سال إن شاء الله»، وهم يرددون بعدها «إن شاء الله».

وكان سال، أكبر أبناء تلات وزوجها سليم، قد غادر البيت يوم الزلزال الى عمله بمعهد «هاورد هيو» الطبي التابع لجامعة روكفيلر حيث يعمل باحثا زميلا. أما والدته تلات التي تعمل مدرسة فقد غادرت يومها المنزل مبكرا من دون أن ترى ابنها الذي كان لا يزال يغط في نومه.

وعادة ما تستغرق رحلة سال من المنزل إلى مكان عمله بمانهاتن ساعة كاملة. وتعتقد عائلته أنه توجه إلى مكان الحادث ليساعد الضحايا لأنه تدرب على إسعاف المرضى حين كان طالبا بمدرسة الشرطة. وكان سال قد نسي هاتفه الجوال قبل يوم من الحادثة في مكان عمله، الأمر الذي طمأن أفراد عائلته حين استبطأوا مكالمة سريعة منه، لكن الشك بدأ يساورهم عندما حل مساء ذلك اليوم، وإثر تفقد شقيقه الأصغر عدنان (19 سنة) مكان عمله حيث أبلغه زملاء شقيقه أنهم لم يروا سال اليوم كله. ورغم ذلك، فإن الوالدة ظلت تعتقد أن ابنها منشغل بمساعدة الضحايا، حتى أسدل الليل ستاره، وحينها فقط بدأ الشك يتسرب اليها وبدأت معاناتها النفسية تشتد.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»