بريطانيا تغلق حسابا مصرفيا للفوازوواشنطن تشدد مكافحة تبيض الاموال

المجلس الإسلامي البريطاني يحتج على الـ«بي. بي. سي» لاستخدامها عبارة «الإرهاب الاسلامي»

TT

أعلنت الحكومة البريطانية أمس اتخاذ إجراءات اقتصادية وأمنية جديدة للحد من خطر الارهاب الدولي، فيما بدأ رئيس الوزراء توني بلير جولة رسمية واسعة ستقوده الى الولايات المتحدة. وأعرب وزير المال غوردون براون عن قناعته في ضرورة العمل على ضرب المصادر المالية للإرهاب. وأضاف ينبغي أن يكون هناك «تحرك يتم التشاور بشأنه (على المستوى الدولي) لقطع الموارد المالية للإرهابيين». وأكد في رد على سؤال وجهته له شبكة تلفزيون «سكاي نيوز» أن الحكومة قامت «بإغلاق حساب مصرفي أول من أمس، لكن دولاً أخرى في العالم لم تعمد الى اتخاذ إجراءات من هذا النوع». واشار الى ان الحساب كان قد فُتح لدى «فرع لمصرف باركلي في نوتنغ هيل(غرب لندن)». ولفت براون الى وجود حاجة ماسة لتضامن الجميع في مواجهة الارهاب، خصوصاً أن «ما يمكن ان يقوم به بلد لوحده لن يجدي نفعاً» في عملية قطع دابر الارهاب العالمي.

وعلى صعيد آخر، كشف وزير الداخلية ديفيد بلانكت أمس في مقابلة أجرتها معه محطة الاذاعة الرابعة التابعة لـ«بي. بي. سي» أن الوزارة في صدد تطبيق أنظمة جديدة تتعلق بإجراءات السفر من بريطانيا ودخولها. وأوضح أن الهدف من هذه الخطوات التي ستسبق تحريك مشروع إصدار بطاقات هوية للبريطانيين، هو مكافحة الارهاب ومنع الارهابيين من التسلل بسهولة الى المملكة المتحدة. ويذكر في هذا السياق أن سلطات المطارات البريطانية قد عمدت في أعقاب الهجمات الارهابية الاخيرة الى مصادرة أي أداة حادة، مهما كانت صغيرة، من المسافرين.

وبينما حذرت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها من السفر الى باكستان حتى إشعار آخر، كرر رئيس الوزراء أمس تشديده على أهمية «تشكيل تحالف دولي واسع يضم دولاً عربية للرد على الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة». ويعتقد مراقبون أن المباحثات التي سيجريها خلال الايام القليلة القادمة مع نظيريه الالماني والفرنسي ومع الرئيس جورج بوش ستتركز على كيفية تشكيل هذا الحلف. ولم تستبعد مصادر تحدثت إليها «الشرق الأوسط» ان يضم هذا التحالف إيران بعدما نجح بلير في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن.

وأكد محمد سروة، اول نائب مسلم في مجلس العموم البريطاني، في إتصال مع «الشرق الأوسط» ان «الرد العسكري المحتمل على العمليات الارهابية المروعة يجب أن يكون حاسماً، شريطة أن لايعرض المدنيين الى الأذى». ولدى سؤاله عن ورود أسماء دول عربية في قائمة الدول المرشحة لتلقي ضربات عسكرية، شدد النائب العمالي على أن «تباينا في الرأي حول الدول التي تستحق العقاب، بيد أننا قد عرضنا وجهة نظر المسلمين البريطانيين لرئيس الوزراء ووزير الخارجية حول ضرورة توخي الحذر في عملية الرد». وأضاف إن «الاعلام وطريقة تعاطيه مع الازمة يُساهم في ترويج وجود هذه الدولة أو تلك على قائمة الدول المستهدفة، لكن كل ما نعرفه أن حكومتنا لاتعتزم ضرب أي دول عربية. لقد ورد اسم أفغانستان والعراق، لكن إسرائيل وحدها هي التي تريد توجيه ضربات عسكرية للدول العربية والاسلامية».

وفي هذه الاثناء، شن «المجلس الاسلامي البريطاني» أمس حملة ضد هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) لاستخدامها المتكرر عبارة «الارهاب الاسلامي» وتسمية أسامة بن لادن بـ«الارهابي المسلم». وأوضح الناطق باسم المجلس، عنايات بونغوالا في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» ان إلصاق «هذه الصفة الكريهة بالإسلام امر غير مقبول على الاطلاق، ليس فقط لأن الدين الحنيف ينهى عن ارتكاب العنف، بل أيضاً لأن الجمع بين الاسلام والارهاب من شأنه أن يُشجع العنصريين على ارتكاب اعتداءات جديدة ضد المسلمين البريطانيين الذين نددت غالبيتهم الساحقة بالعمليات الارهابية الاخيرة». وتساءل بونغوالا، لماذا «لا تكتفي الـ«بي.بي.سي» بكلمة «إرهابي وحسب، كما تفعل حين تصف المتطرفين الكاثوليك الذين يمارسون العنف في إيرلندا الشمالية مثلاً؟». وأشار في رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» إن الاحتجاج «قُدم رسمياً للهيئة أول من أمس ولم نتلقَ رداً منهم حتى الآن». واضاف لقد «قرر المجلس الاحتجاج رسمياً للهيئة لأنها مؤسسة عامة، ولم نوجه احتجاجاً مماثلاً لمحطة «سي. إن.إن» مع أننا غير راضين البتة عن تغطيتها لهذه الازمة أو للأحداث في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فهي مؤسسة خاصة». واستبعد إثارة الامر مع الحكومة لأنها «تتجنب عادة إثارة أي مشكلة مع الهيئة لاسيما أن الاعلام مستقل تماماً في هذه البلاد».

ومن ناحية أخرى، لم تُسجل أمس أي اعتداءات جسدية ضد المسلمين والعرب في أنحاء بريطانيا. بيد ان أن سيل المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الالكتروني المعادية للعرب والمسلمين قد تواصل امس، كما افاد شهود ومؤسسات اتصلت بهم «الشرق الأوسط». وفي مانشستر، عقد وجهاء المسلمين في المدينة الواقعة بشمال انجلترا أمس اجتماعاً مع قيادة الشرطة والمجالس البلدية. وقال أفضل خان، نائب رئيس «المجلس الاسلامي البريطاني» الذي حضر الاجتماع، إن «المناقشات تمت بشكل ودي وتعهدت خلالها المؤسسات الحكومية تقديم كل عون ممكن في سبيل حماية المسلمين والمساجد من اعتداءات محتملة». وأضاف عن «الاجراءات الامنية التي اتُخذت حتى الآن من جانب السلطات الرسمية كانت مجدية، خصوصاً أن مانشستر لم تشهد حادث اعتداء يذكر منذ أيام».

و علمت «الشرق الأوسط» أن محافظ لندن، كين ليفينغستون، أصدر تعليماته للسلطات المختصة باتخاذ أقصى التدابير الممكنة لوقف الاعتداءات العنصرية على المسلمين والعرب. وأعلن مكتب المحافظ أنه قرر تطبيق سياسة ما يسمى «عدم احتمال اي عمل عنصري على الاطلاق». كما وافق على استقبال وفد من مسلمي لندن للبحث في سبل مواجهة هستيريا العداء للعرب والمسلمين. والجدير بالذكر أن تريفور فيليبس، نائب رئيس مجلس لندن، الذي يعتبر بمثابة البرلمان المحلي للعاصمة، دعا المحافظ خلال جلسة عقدها المجلس ظهر أمس، الى إجراء محادثات مع ممثلي الجاليات الاسلامية في لندن للاستماع الى شكاواهم المتعلقة بالحملة التي تستهدفهم منذ أيام. وقد وافق المحافظ على وضع الترتيبات اللازمة مع «المجلس البريطاني الاسلامي» لعقد الاجتماع في اقرب فرصة ممكنة مع وفد يمثل مسلمي لندن. ونُسب الى فيليبس قوله تعقيباً على رد المحافظ «من المهم أن تتوحد الصفوف في لندن في مواجهة الصعوبات الاخيرة».

وفي هذا السياق، وجهت 8 منظمات إسلامية رسالة الى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منها، تدعوه فيها الى العمل على وضع حد لاستعمال عبارات من قبيل «العالم المتحضر» والعالم غير المتحضر «لأن إعطاء الانطباع بأن الصراع بين هذين العالمين من شأنه أن يُضعف الاجماع الدولي ضد الارهاب». واضافت المنظمات التي ضمت «مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية» و«المجلس البريطاني الاسلامي» و«العون الاسلامي»، أن من الضروري بمكان أن تبذل الحكومة جهوداً عاجلة للقضاء على موجة الهستيريا المعادية للعرب والمسلمين. وحثت رئيس الوزراء البريطاني على القيام بتحقيق دقيق في الاحداث الارهابية الاخيرة، الامر الذي سيكشف عن هوية الفاعلين الحقيقية. وشددت على المخاوف الشديدة التي تعتريها من جراء الرد العسكري المتوقع، محذرة من ظهوره كـ«صراع بين الغرب والاسلام». ولفتت إلى أن «الرد على قتل الابرياء المروع بعنف لا يميز بين إنسان وآخر لن يكون سلوكاً «متحضراً» ما لم يمثل الجواب المناسب على المدى الطويل لمشكلة الارهاب الدولي». كما ناشدت منظمات خيرية، بينها «أوكسفام» و«منظمة العفو الدولية»، الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين اتخاذ «الحنكة الرسمية «والتفكير المتأني» دليلاً لهما في التخطيط لرد عسكري. وشددت على وجوب «التأكد من أن مزيداً من المدنيين لن يفقدوا حياتهم «بسبب هذا العمل العسكري.

وانضم أمس وزير الخارجية جاك سترو الى رئيس الوزراء في كتابة المقالات الصحافية للإشادة بدور المسلمين في بناء المملكة المتحدة والتأكيد على ان من الظلم البالغ الربط بين الاسلام والمسلمين وبين الاعمال الارهابية التي شهدتهما نيويورك وواشنطن الاسبوع الماضي. فقد خص الوزير صحيفة «برادفورد تلغراف آند آرغوس» الصادرة في مدينة برادفور بشمال انجلترا، بمقال أكد فيه ان «إلقاء اللوم على الاسلام بسبب ما حدث هو أمر خاطئ بقدر الخطأ المتمثل في إلقاء اللوم على المسيحية بسبب الهجمات التي تُشن في إيرلندا الشمالية». ولفت الى ضرورة «محاولة تصعيد الجهود لحل الصراعات وتبديد التوتر والعمل لتحقيق السلام في مناطق الاضطرابات في العالم، بما فيها الشرق الاوسط بطبيعة الحال». والجدير بالذكر أن بلير نشر مقالاً في صحيفة باكستانية تصدر في لندن باللغة الانجليزية. كما علمت «الشرق الأوسط» أنه كتب مقالاً آخر لنفس الغاية ستنشره صحيفة «مسلم نيوز» البريطانية.