يزداد تقوقع الجالية العربية في العاصمة البريطانية على مر الساعة داخل احيائها التي اصبحت لا تغادرها الا للضرورة، أمام تواتر أنباء تورط عرب ومسلمين في الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الاسبوع الماضي.
وبالفعل، فالمتجول في شوارع لندن هذه الأيام، كثيرا ما تتعطل حركته سواء كان راجلا ام راكبا لسيارته نظرا لكثرة تهاطل الانذرات الكاذبة عن وجود قنابل في محطات أنفاق او امام محلات تجارية، مما جعل المدينة تبدو «مغلقة» تتحسب اي شيء، في انتظار ان تضع اميركا يدها على المتسببين لما لحق بها من دمار مادي وبشري.
وبدت أجواء الاحياء العربية التي زارتها «الشرق الأوسط» امس، كحي ادجوير رود وكينغزوي وسط لندن كئيبة، ولو ان بعض مارتها عزو ذلك الى لون سمائها الداكن والامطار المتهاطلة عليها. الا ان هؤلاء لم يخفوا ان تخوفهم من ان تستهدفهم موجة العنف التي لحقت بغيرهم عبر مقاطعات البلاد قد دفعتهم الى التقليل من حركتهم وجعلت الكثير من «السياح المتأخرين» من الاستعجال في العودة الى ديارهم.
وقال آبو وهو رجل في الاربعينات من اصل ايراني ويعيش في لندن منذ اكثر من 25 عاما معلقا، كمسلم بريطاني قائلا: «لا أتوقع انني او عائلتي سنتعرض لأي اعتداء بدني فالمجتمع هنا، من اكثر المجتمعات في العالم تحضرا لكننا بدأنا نلمس تغييرا في المعاملة والتصرف، اذ هذه الهجمات أثرت وستؤثر على نفسيتهم ونظرتهم لنا كمسلمين، كما أننا نتوقع انها ستؤثر على علاقاتنا مع بعضنا البعض، سواء كانت هذه علاقات تجارية او مالية او انسانية». وأردف صديقه ناصر (ايراني) اسمر البشرة في الثلاثينات «انك تشعرين بذلك في الشارع من خلال النظرات، لكنني احسست بذلك كثيرا في مكان عملي، اذ أصبحت تقريبا منبوذا بين زملائي كوني أعمل في قطاع البناء، ولو أننا نحن حتى الآن لا نصدق أن هجوما مثل الذي نقلته التلفزيونات هو من صنع وتصميم اشخاص من منطقتنا». وفي ذات السياق، تأثرت ندوات ونشاطات ثقافية كان يعتزم بعض افراد الجالية القيام بها او عرضها هذا الاسبوع نظرا لنفس التطورات، كما هو حال محاضرة الدكتور عادل عباس استشاري في «الميكروبيلوجي»، حول «الصحة الجنسية» التي كان من المقرر ان يلقيها في المسجد المركزي الاربعاء الماضي بعد وصول انذارات كاذبة بوجود قنبلة، الامر الذي تطلب افراغ المكان وانتشار عناصر الشرطة فيه عوض رواد المكان.
واضاف الدكتور عباس مشيرا الى وجوب التفرقة بين الأجواء التي قد يتعرض لها العربي في الشارع وتلك التي تسود حاليا علاقات المثقفين والأكاديمين على اختلاف انتماءاتهم ببعضهم البعض قائلا: «ان الانسان البريطاني البسيط قد يتأثر بما ينقله الاعلام عن الاسلام والمسلمين غير ان المثقفين لهم دراية أكبر بحقيقة الاوضاع».
ورغم تقارير في تسجيل بعض المقاطعات البريطانية لأعمال عنصرية ضد عائلات عربية، او مسلمة، غير ان المارة والتجار في «الشارع العربي» بلندن لم «يتعرضوا بعد» على حد قولهم، الى اي عنف. وعزا صاحب محل لبيع الالكترونيات المنزلية «اعتقد ان تكثيف الشرط حضورها في الحي وتعدد الدوريات على غير العادة سمح للناس بالاحساس بالاطمئنان». أما نعيمة، وهي سيدة متحجبة (من مصر وأم لطفلين)، فلم تستبعد ان يكون الحجاب الذي ترتديه ان يجعلها اكثر عرضة للنظرات الغاضبة من بعض المارة الاوروبيين، اذ قالت «لقد لمست ان الاختلاف البارحة لما رافقت احدى قريباتي الى مطار هيثرو الدولي، فلم اكن أتوقع ان لباقة الانجليز قد تختفي فجأة ويقل احترامهم او أدبهم لامرأة، ففضلا عن تلك النظرات الثاقبة التي تجعلك تشعرين وكأنك ارتكبت مكروها اقدمت واحدة من العاملات في المطار على دفعي بكتفها بقوة، جعلتني اهتز من مكاني، دون ان تكترث او تتوقف للاعتذار». وأضافت السيدة المصرية معربة عن تأثرها بما تعرضت له في المطار «تعودنا منذ نعومة اظافرنا ان نعيش الى جانب المسيحي والقبطي وغيرهما ولم نكن يوما ضد اي ديانة سماوية، ولست ادري لم اقحام الجميع في هجمات لا تزال يشتبه في أن تكون أطراف عربية خلفها، لكن لم يتأكد ذلك». وتوقعت نعيمة، آملة في ان تتوقف مثل هذه السلوكات العنصرية ضد الجالية، وان يكون لكلمة الرئيس الاميركي جورج بوش في المركز الاسلامي بواشنطن قبل يومين أثر ايجابي على المدنيين في اميركا او هنا في بريطانيا تحذهم عن التعرض للجاليات المسلمة والعربية.
ولم يبدو السيد هاني براز مع زوجته ساهرة (من العراق)، مهزوزا بتفاعل ما شهدته الولايات المتحدة على الساحة البريطانية، نظرا للهدوء الذي لا يزال يسود المنطقة التي يقطنها، فقال بصوت خافت «اننا نعيش في منطقة «سوات هارو» شمال غرب لندن، ولم نلمس شيئا، ربما لأنها منطقة يقطنها خليط من الاسيويين من الجالية غير المسلمة، ولا يوجد بها الكثير من العرب»، مضيفا «حتى ابنتنا البالغة من العمر 11 سنة، فلم تتعرض الي اية مضايقة في مدرستها». ورغم الهدوء الحذر الذي يمكن لمسه في تعليقات العديد من المارة، الا انهم أجمعوا على أن التوتر السياسي القائم، وارتفاع عدد الضحايا البريطانيين يوميا، سيضربان بقوة سوق العمل وستؤثر هذه الأحداث سلبا على حركة توظيف أبناء الجالية. وهذا ما أعربت عنه الملامح الحزينة للشاب سعيد (24 عاما) الذي التقته «الشرق الأوسط» وهو يغادر أحد المكاتب الخاصة بعرض فرص العمل في شارع «ايجوار رود. وقال سعيد، مهندس ملتح من الاردن وحاصل على الجنسية البريطانية، «لقد كنت استعد للشروع في العمل لدى شركة كلفت من قبل مصرف بريطاني معروف بانجاز مشروع معين، غير انني فوجئت قبل يومين فقط، وبعد الضربة مباشرة بمكالمة هاتفية من صاحب العمل يعتذر فيها بأنه فسخ العقد، متحججا بان المصرف المعني تخلى نظرا للاضرار التي لحقت باحد فروعه في نيويورك عن المضي في المشروع». وتابع «ولذا، عدت مجددا لأسجل اسمي هنا في المركز وأبحث عن فرص عمل جديدة». لكن سعيد، لم يكن متفائلا على الاطلاق، اذ اشار الى أن اصله العربي، فضلا عن كونه مسلما اصبحا عاملين غير مساعدين لحصوله على وظيفة في القريب العاجل».