وقادروف يبدأ جولة عربية سعيا لدعم شيشان الشتات

TT

أعلنت السلطات الروسية أنها اعتقلت أكثر من 400 شخص في أعقاب هجمات جديدة شنها المقاتلون الشيشان على أهداف روسية ومن بينها هجوم مكثف على مدينة غودرميس، ثاني أكبر المدن الشيشانية قبل يومين. ولقي اثنان من كبار الضباط الروس مصرعهما عندما أسقط المقاتلون طائرة هليكوبتر كانا يستقلانها فوق العاصمة غروزني، كما قتل عشرة جنود روس على الأقل في هجوم شنه المقاتلون على مدينة غودرميس المقر الإداري للكثير من المسؤولين الشيشان الموالين لموسكو. وفي مدينة أرغون وقع ما يعتقد أنه هجوم انتحاري، حيث اقتحم سائق شاحنة مفخخة مبنى يضم مكاتب إدارية فقتل شخصاً واحداً وجرح شخصاً آخر. واكد الجنرال الروسي فاليري بارانوف لإحدى محطات التلفزيون الروسية مساء اول من امس أن قواته استعادت السيطرة على المناطق المحيطة بمدينة غودرميس التي كانت قد سقطت في أيدي المقاتلين الشيشان يوم الاثنين الماضي. واضاف إن القوات الروسية قصفت عددا من المواقع التي كان يشتبه بأن المقاتلين الشيشان يتمركزون فيها، وإن أكثر من 400 شخص اعتقلوا.

يذكر أن مدينة غودرميس كانت من أول المدن التي استعادت القوات الروسية السيطرة عليها عند بدء حرب الشيشان الثانية قبل عامين، واتخذت بصورة مؤقتة مقرا للإدارة الموالية لموسكو. وتعد الهجمات الأخيرة من أسوأ أعمال العنف التي وقعت في الشيشان منذ بداية العام الحالي.

ويقول المراقبون إن الهجمات تمثل صدمة قوية لمساعي موسكو الرامية لإظهار أن الأوضاع بدأت تعود لطبيعتها في الشيشان، وتدل على أن المقاتلين الشيشان لا يزالون يمثلون خطورة بسبب كفاءة تنظيمهم وتسليحهم،اذ استخدم صاروخ أرض ـ جو محمول على الكتف في إسقاط طائرة الهليكوبتر العسكرية الروسية عقب إقلاعها من العاصمة الشيشانية، وسقطت بالقرب من مقر الحكومة.وذكرت السلطات الروسية أن الصاروخ أصاب الطائرة إصابة مباشرة أدت لانفجار خزان الوقود. واشار وزير الداخلية الروسي بوريس جريزلوف أن 300 مقاتل شيشاني شاركوا في الهجوم على غودرميس الذي بدأ في وقت مبكر من صباح يوم الاثنين الماضي بهجمات على مواقع للجيش الروسي ومبان إدارية. وقال الجنرال بارانوف إن القوات الروسية قتلت 15 مقاتلاً شيشانياً على الأقل،وأن حارس أمن قتل في مدينة أرغون وجرح جندي عندما اصطدمت شاحنة كانت تحمل متفجرات بأحد المباني.

من ناحية اخرى بدأ احمد قادروف رئيس الادارة الشيشانية أمس أول جولة خارجية له، يزور في خلالها الأردن ومصر وسورية والعراق، لكي يوضح لقادتها والشخصيات الاسلامية فيها حقيقة الوضع في جمهورية الشيشان اليوم. ويرافقه في جولته بعض رجال الحكومة الشيشانية (الموالية لموسكو) ومفتو جمهورية الشيشان والانفوش وقرشاي شركيسيا.

ويسعى قادروف الى كسب دعم زعماء الشتات الشيشان في هذه الدول، والذين تختلف مواقفهم من السلطات الشيشانية الحالية. ومعلوم ان قادروف دعا منذ توليه لمنصبه الى اشراك ابناء الشتات الشيشان في عملية تسوية الوضع في «الجمهورية». وكلف نائبه آدم دينييف رئيس جمعية «آدم الله» باجراء الاتصالات في هذا المجال، لكن دنييف لقي حتفه بعد انفجار قنبلة في محطة للتلفزيون لدى تسجيله احد البرامج. ويومذاك جرى اتهام اتباع الرئيس الانفصالي اصلان مسعدوف بأنهم وراء اغتيال دنييف الذي لم يشارك ابداً في الكفاح المسلح، وكان يدعو لحل القضية الشيشانية بالوسائل السياسية.

وتشير مصادر مختلفة الى ان عدد ابناء الشتات الشيشان في الدول العربية يتراوح ما بين 16 و20 الف شخص، اكثرهم يعيشون في الاردن وسورية اما عددهم في العراق ومصر فهو اقل. ومعلوم ان الجالية الشيشانية في الاردن تتمتع بنفوذ كبير، ويعول قادروف على كسب دعمها في جهوده لتسوية الوضع في جمهورية الشيشان بدون اللجوء الى القوة المسلحة.

ورغم ان قادروف كان من الشخصيات المقربة من الرئيس مسعدوف، فانه يرى الآن ان القضية الشيشانية يمكن حلها سياسياً اذا ما توقف الدعم الخارجي الى «خطاب» وشامل باسايف وبقية القادة الميدانيين المرتبطين بالاوساط الاصولية المتشددة، والذين يريدون اقامة «دولة القوقاز الاسلامية» على اساس «نظام الخلافة».

وتأتي جولة احمد قادروف بعد الهجمات التي شنها المقاتلون الشيشان على مدينتي غودرميس وارغون، واسقاط طائرة هليكوبتر روسية ادت الى مصرع جنرالين وعدد من ضباط الاركان العامة الروسية.

وقال قادروف ان العسكريين الروس يتحملون المسؤولية عما حدث. ورغم ان وكالة «القوقاز» التي تديرها المنظمات الشيشانية في الخارج اكدت ان المقاتلين الذين يتجاوز عددهم 200 رجل قد سيطروا على غودرميس وارغون فان التلفزيون الروسي اظهر في اليوم التالي الجنرال فاليري بارانوف قائد القوات الروسية في شمال القوقاز وهو يتجول بالمدينة التي عادت فيها الحياة الى مجراها الطبيعي. ولا ينفي العسكريون الروس وقوع هجوم على اهداف في ارغون، لكنهم يؤكدون ان الوحدات الروسية والشرطة الشيشانية المحلية قد صدتا هذا الهجوم. ويفسر المسؤولون الروس ما حدث بانه «تنفيذ عمليات قبيل انعقاد اجتماع الجمعية البرلمانية لمجلس اوروبا، لاظهار ان حركة المقاومة مستمرة في جمهورية الشيشان.

ويقول سلام بك ماييجوف زعيم المؤتمر الشيشاني ضد الحرب (وهو منظمة اجتماعية تدعو للسلام) ان جميع ابناء جمهورية الشيشان يؤيدون المقاتلين بهذا الشكل أو ذاك، ليس لاعتبارات فكرية بل لانهم لا يحبون الروس، ويريدون دعم ابناء جلدتهم، وبينهم الكثير من الاقارب. زد على ذلك ان المقاتلين الذين يتلقون الكثير من الاموال من الخارج ينقذون العوائل الشيشانية من الجوع وغوائل الفقر، بسبب انتشار البطالة بشكل مخيف في الجمهورية.

ولهذا تجد رب العائلة الشيشانية يكسب ليلا من العمل لصالح المقاتلين، ببث الالغام في الطرق والحقول، والتي تنفجر لدى مرور الطوابير العسكرية الروسية.

وفي الهجوم على غودرميس تبين ان 9 من 13 قتيلا شيشانيا تركت جثثهم بعد الاشتباكات المسلحة من ابناء المدينة، علما بان قادروف قال للصحافيين في اليوم التالي للهجوم «ان المسلحين جاءوا الى المدينة بحافلات دون ان يعترضهم احد، وفي اليوم التالي خرجوا منها دون عقبات ايضاً.

واضاف: «ان الافضل للعسكريين الروس ان ينسحبوا من المدن الشيشانية، ويتركوا مهمة حمايتها الى الاهالي انفسهم بتسليحهم».

ومعلوم ان الاشقاء مامادايف مارسوا دوراً حاسماً في افشال هجوم المقاتلين الشيشان على غودرميس، وسقوط عدد كبير من القتلى في صفوفهم، بينما جرى اسر البعض الآخر. لكن الكرملين لا يحبذ كما يبدو فكرة قادروف هذه لانه لا يثق به.

ويبدو ان القيادات السياسية والعسكرية في روسيا لا تعرف كيفية التعامل مع القضية الشيشانية، لا سيما وان الحرب الثانية ستدخل بعد ايام عامها الثالث دون ان يعرف احد متى تنتهي. ويطرح بعض المسؤولين الروس فكرة فرض حالة الطوارئ في جمهورية الشيشان وعندئذ لن يكون هناك مجال للكلام عن حقوق الانسان والمواطن.