تفجيرات نيويورك وواشنطن تقلب التصورات التقليدية للاستخبارات الأميركية عن منفذي العمليات الانتحارية

TT

اجبرت تفجيرات نيويورك وواشنطن اجهزة الاستخبارات الاميركية على اعادة النظر في تصوراتها التقليدية عن الانتحاريين وكيف يعملون. فالعديد من الاشخاص الذين يشتبه في مشاركتهم في التفجيرات هم اكبر سنا من الانتحاري التقليدي، وهو عادة في العشرين من عمره. فعلى سبيل المثال تبين ان محمد عطا الذي تشتبه السلطات في انه شارك في التخطيط للعملية وكان داخل طائرة «اميركان ايرلاينز» التي ارتطمت بمبنى التجارة العالمي يبلغ من العمر 33 عاما. ويشير جيرولد بوست، استاذ علم النفس في جامعة جورج تاون بواشنطن، الى حقيقة ان منفذي التفجيرات كانوا من ذوي المهن ويملكون خبرة تقنية، وليسوا من الشباب المتعصب الذي يسهل السيطرة عليه والتحكم فيه او الشباب غير المتعلم والفقير والمهمش اجتماعيا كما ساد الاعتقاد سابقا. فالعديد من المشتبه فيهم في التفجيرات عاشوا في اميركا سنوات وتسجلوا في مدارس طيران لدعم خبراتهم، كما انضموا الى مراكز رياضية لاكتساب لياقة بدنية وسافروا بحرية من الولايات المتحدة وإليها. الا ان الامر الاكثر خطورة بالنسبة لـ«اف.بي.آي» هو ان منفذي التفجيرات الاخيرة نجحوا في «تصدير» عملية ارهابية انتحارية تضم مجموعة كبيرة من الناس على استعداد للموت، وان الخطة لم تنهر خلال مرحلة الاعداد الطويلة.

قبل 11 سبتمبر (ايلول) كان خبراء مكافحة الارهاب يعتقدون ان الوقت والمسافة يقضيان على فرص نجاح مثل هذه العمليات. فالاشخاص الذين يشاركون في عمليات انتحارية يحتاجون الى سيطرة سيكولوجية تحت اشراف دقيق من قائد. واوضح برايان جنكينز، وهو متخصص في مكافحة الارهاب في مؤسسة راند في سانتا مونيكا ان ما حدث في 11 سبتمبر «قضى تماما على عدد من الافتراضات بخصوص العمليات الانتحارية». واضاف «من السهل التزام شخص واحد بهذا الامر وتنفيذه. ولكن كلما اضفت شخصا ثانيا وثالثا ورابعا، فإن الفرص خلال التخطيط للعملية تزداد لأن يظهر شخص يقول: هذا امر سيئ».

ان تعرض الولايات المتحدة لهجوم ارهابي لم يفاجئ الخبراء. ولكن ما صدمهم هو هذه النوعية الجديدة من الانتحاريين. ويقول بوست الذي عمل في مكافحة الارهاب في وكالة الاستخبارات المركزية: (سي.آي.إيه«أرى الامر مرعبا بالمقارنة بالشباب الغر الذي يشكله ويغسل ادمغتهم قادة. ان هؤلاء الناس حملوا معهم الاحساس بالرسالة وهم يعيشون حياة الطبقة المتوسطة».

الانتحاري الذي يجلب الاهتمام الاكبر هو محمد عطا، اذ كلما اجرى المحققون المزيد من التحريات حوله، شأنه شأن بقية الخاطفين، اكتشفوا ان «صورة الارهابي» التقليدية لا تنطبق في حالته. فعلاوة على كون عطا واحدا من الاكبر سنا في المجموعة، يعتقد المحققون انه لعب دورا مركزيا في خطة الهجوم. ويعتبر هذا الجانب في حد ذاته استثناء، اذ ان المخططين لا يشاركون عادة في العمليات الانتحارية. وتدل الصورة العامة التي ظهرت لعطا من خلال المعلومات التي توفرت عنه على انه شخص متعلم من اسرة ميسورة ويحمل شهادة في تخطيط المدن، ويسافر كثيرا ويتحدث اللغة الانجليزية بصورة جيدة ويبدو مرتاحا من العيش وسط الثقافة الاميركية. وقضى عاما في التدريب لكي يصبح طيارا، وكان يتصل برفاقه الخاطفين عن طريق البريد الالكتروني ويستخدم احيانا اجهزة الكومبيوتر الموجودة في المكتبات العامة. ولم يكن منعزلا تماما، فقد قضى وقتا مع الخاطفين الآخرين داخل الولايات المتحدة وسكن مع اثنين منهم في المانيا عندما كانا يدرسان في جامعة تقنية. ويعتقد توم كاش، المسؤول الامني السابق ومدير شركة مكتب فرع شركة امنية في ميامي حاليا، ان الجهات المسؤولة تريد ان تلقي بمسؤولية ما حدث على شخص خارج الولايات المتحدة في الوقت الذي كان فيه الخاطفون يقيمون في الولايات المتحدة. وعلى حد تعبيره فإنهم «زرعوا انفسهم في الولايات المتحدة واندمجوا في المناخ والثقافة».

(شارك في اعداد التقرير ديبورا شارب وستيف كومارو)

* خدمة : «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»