البولنديون فقدوا حماستهم لحركة «التضامن» لتركيزها المضجر على معاداة الشيوعية

TT

وارسو ـ وكالات الأنباء: اظهرت استطلاعات الرأي ان الشعب البولندي لم يعد متحمسا لحركة «التضامن» اليمينية كما كان الحال في الماضي، اذ ان ناخبا من اصل اثنين ابدى استعداده للتصويت لصالح اليسار الشيوعي سابقا في الانتخابات التشريعية التي ستجري غدا (الاحد). واصبح جليا انه يتوجب على الاحزاب المنبثقة عن «التضامن»، وهي اول نقابة حرة في المعسكر الشيوعي السابق، ان تبذل مجهودا كبيرا لكي تتمكن من الحصول على مقاعد لها في البرلمان المقبل، خصوصا ان النقابة نأت بنفسها عن الاحزاب السياسية.

وتظهر استطلاعات الرأي ان التحالف الذي يضم رئيس الوزراء الحالي يرزي بوزيك والاتحاد من اجل الحرية (وسط) اللذين وصلا الى الحكم تحت لواء «التضامن» قبل اربع سنوات، سيحصل على نسبة قريبة من الحد الادنى الذي يخوله دخول البرلمان وهو 8% من الاصوات للتحالف الحزبي و5% لحزبه لوحده.

ومن غير الوارد لليمين الذي تمزقه خلافات داخلية ان يفوز بالانتخابات. لكن ليش فاليسا الرئيس البولندي السابق والزعيم التاريخي لنقابة «التضامن»، يقول ان هدف اليمين في الانتخابات يقتصر على «حفظ ماء وجه» حركة «التضامن» وعلى «بذل كل ما هو ممكن من اجل منع اليسار من احتكار الحياة السياسية». وانسحب فاليسا قبل عدة سنوات من الحياة السياسية ويسعى من دون جدوى انطلاقا من معقله في جدانسك الى اسماع صوته والى دعوة اليمين الى التوحد.

واذا نجح تحالف الاشتراكيين الديمقراطيين والاشتراكيين في الفوز بالانتخابات التشريعية، فانه سيشكل بذلك كتلة واحدة مع الرئيس الحالي الكسندر كواشنيفسكي وهو من الشيوعيين السابقين. ويرجع المحللون تقهقر اليمين في بولندا بالدرجة الاولى الى الفوضى التي سببها تطبيقه بصورة سيئة لبرنامج اصلاحات واسع شمل نظام الرعاية الصحية والتقاعد والتعليم والادارة.

ومما زاد الامور سوءا، نشوب نزاعات داخلية في صفوف اليمين واثارة قضايا فساد الى جانب ازدياد العجز في ميزانية الدولة، يضاف اليه معدل بطالة يناهز 16% من اليد العاملة وهو الاعلى منذ 16 عاما.

وفي محاولة اخيرة لتلميع صورة اليمين، عمد رئيس الوزراء يرزي بوزيك الى اقصاء عدد من الوزراء في حكومته في الشهرين الاخيرين يفوق عدد الذين اقصوا طوال فترة توليه الحكم. وكان آخر من اقيل بشكل غير متوقع الى حد ما، وزير المال يرزي باوك الذي كشف عن الوضع المأساوي للاقتصاد، وعن وجود عجز في الايرادات يقدر بحوالي23 مليار يورو للعام المقبل.

يضاف الى ذلك ان البولنديين ضجروا على ما يبدو من خطاب اليمين السياسي الممل، الذي يركز على الدوام منذ اكثر من عشرين عاما على مناهضة الشيوعية. ويعلق فاليسا على ذلك بمرارة قائلا: «لقد اصبحنا اسرى الماضي» ويتساءل مؤسس نقابة «التضامن» التي كانت تضم في بداياتها عشرة ملايين عضو: «ماذا تبقى من حركة التضامن اليوم»؟

وخلال فترة حضورها على الساحة السياسية لمدة 21 عاما، شهدت نقابة التضامن فترات تألق وتراجع ونجحت عام 1989 في اسقاط الشيوعية في بولندا، لكن سرعان ما نشبت الصراعات بين قياداتها، مما ادى الى تمزق الحركة وانقسامها الى عدة احزاب يمينية متطرفة.

وفي الانتخابات التشريعية التي جرت عام 1993، لقي اليمين المفتت والمنبثق عن «التضامن» هزيمة قاسية في مواجهة الشيوعيين السابقين الذين عادوا الى الحكم بعد اربع سنوات فقط على سقوط النظام الشيوعي. ثم نجح خليفة فاليسا على رأس النقابة، ماريان كرزاكليفسكي ان يضم تحت راية التضامن، اليمين الكاثوليكي وفي الفوز بالانتخابات التشريعية عام 1997، غير ان كرزاكليفسكي فضل البقاء في الظل وعهد برئاسة الحكومة الى اقرب معاونيه يرزي بوزيك.

وتطلع كرزاكليفسكي بعد ذلك الى الفوز بمنصب الرئاسة غير انه خسر عام 2000 في مواجهة الكسندر كواشنيفسكي الذي اعيد انتخابه بسهولة منذ الدورة الاولى للاقتراع لفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات. وعلى الاثر، هجر كرزاكليفسكي الحياة السياسية مثلما فعلت نقابة «التضامن» ليترك بذلك جيرزي بوزيك على رأس حكومة اقلية.

ويرى فاليسا: «ان الاثر الايجابي الوحيد للهزيمة التي تلوح في الافق لليمين انها ستطهر الحياة السياسية وستعيد التضامن الى دورها كنقابة معارضة، كما ستجبر الاحزاب السياسية على ان تعيد تنظيم نفسها من جديد».