واشنطن تكشف أنها كانت على وشك إعلان مبادرة سلام بالتعاون مع السعودية تعترف بدولة فلسطينية قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن

وزير الخارجية الاميركي كان سيشمل هذا الإعلان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

TT

كانت ادارة بوش تتهيأ قبل تفجيرات نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي لإعلان مبادرة مهمة للسلام في الشرق الأوسط، وكانت تلك المبادرة تبشر باعتراف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية، في خطاب كان مقرراً ان يلقيه وزير الخارجية الاميركي كولن باول في الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. فجاءت تفجيرات 11 سبتمبر على مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن لتجهض هذه المبادرة.

وتقول المصادر العليمة بتفاصيل المبادرة ان باول كان يعتزم مناقشتها مع الامير بندر بن سلطان، السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، في 13 سبتمبر (ايلول) الماضي، وان الادارة كانت تفكر في عقد اجتماع بين الرئيس جورج بوش والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي كان مقرراً عقده بعد 10 أيام من ذلك التاريخ.

هذه المبادرة، والخطاب الذي كان سيلقيه باول في منتصف سبتمبر (ايلول)، اجازهما مجلس الأمن القومي في اجتماع له في البيت الابيض قبل ايام من التفجيرات ووافق عليهما كذلك الرئيس بوش.

ومع ان الرئيس السابق بيل كلينتون كان قد عبر عن استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية، الا ان خطاب باول كان سيرتاد آفاقاً جديدة بالنسبة لادارة جمهورية، كما كان سيعيد فريق بوش الى ارتباط على اعلى مستوى بقضية السلام بالشرق الأوسط.

وقال احد المطلعين على مراحل اعداد الخطاب: «كان دور السعوديين في كل ذلك كبيراً، وكانت جهودهم مكثفة. وكانوا يضغطون بكل ما أوتوا به من قوة.

وتلقت الادارة مساهمات من عدة اقطار اوروبية، ومن مصر والأردن والامارات العربية المتحدة. وقالت عدة مصادر مقربة وموثوقة ان وزارة الخارجية، فضلاً عن جورج تينت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الـ«سي. آي. اي»، كانوا يحثون اعضاء الادارة الاخرى على طرح مبادرة كبرى واعطاء الرئيس عرفات حافزاً لايقاف العنف الذي استمر لأكثر من عام. لكن احد المصادر قال ان القرار حول الدولة الفلسطينية لم يكن نهائياً، وان بعض اعضاء الادارة، خاصة في البيت الابيض، كانوا مترددين في مواقفهم.

وقال دينيس روس، منسق السلام السابق في الشرق الأوسط «اعتقد ان الاعتراف بدولة فلسطينية في مثل هذه الظروف، سيكون خطأ، وذلك لأنه يجيء في اعقاب استخدام العنف، وليس صحيحاً ان تكون استجابتنا للعنف تغيير موقف الولايات المتحدة».

غير ان كثيرين من اعضاء الادارة يفضلون طرح مبادرة جديدة. ومن هؤلاء تينيت الذي لعب دوراً نشطاً في تنسيق المحادثات الأمنية بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وكان قد اوفد الى الشرق الأوسط في الربيع المنصرم، للتفاوض حول اتفاقية وقف لاطلاق النار بين القيادتين الاسرائيلية والفلسطينية. ولكن تلك الاتفاقية لم تتحقق على ارض الواقع.

ويقول خبراء في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الاميركية انهم اصيبوا بخيبة الامل اثناء الأسابيع التي سبقت ذلك القرار، لأنهم شعروا بأن البيت الابيض كان يعرقل جهودهم وتوصياتهم بتبني دور اكثر فعالية في الشرق الأوسط.

وصاغ خطاب باول، وليام بيرنز، منسق السلام الاميركي الجديد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط، وبمساعدة السفير الاميركي الى اسرائيل دانيال كورتزر، ورون شليشر، القنصل الاميركي العام في القدس.

وكان الخطاب يحوي اشياء كثيرة تسعد الفلسطينيين، ولكن الادارة كانت ستطلب منهم في نفس الوقت الاضطلاع بمسؤولياتهم بضرب مواقع العنف.

واشتمل الخطاب على المبادئ العامة لمعالجة اعقد القضايا في النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وتشمل هذه المبادئ ترسيم الحدود النهائية، وأوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وما اذا كان سيسمح لهم بالعودة الى مناطق يقع بعضها الآن داخل اسرائيل ويقع بعضها الآخر داخل مناطق السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة.

وضاعف الدبلوماسيون العرب، منذ الهجمات الارهابية على نيويورك وواشنطن، جهودهم لدفع ادارة بوش للعب دور اكثر فعالية وحيوية لوضع الاسرائيليين والفلسطينيين من جديد، على طريق السلام.

من جانبها كانت الادارة تغري العرب بدعم حربها ضد الارهاب، وذلك لقرب بعض هذه الدول جغرافياً من افغانستان، ومقدرتهم على توفير الدعم اللوجستي، ولتوضيح ان حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب ليست حرباً ضد الاسلام. وقد صرح بعض القادة العرب انه سيكون صعباً عليهم الالتفاف حول الجهود الحربية الاميركية، بينما تواصل اسرائيل في مواجهتها الدموية مع الفلسطينيين، وهي الحليف المقرب للولايات المتحدة. وقال بعض الدبلوماسيين العرب ان دعمهم للحرب ضد الارهاب دعم غير مشروط، ولكنهم حثوا الادارة في نفس الوقت على الا تسمح لحربها ضد الارهاب بصرف انتباهها عن خطتها المسبقة لاستئناف المحادثات الاسرائيلية ـ الفلسطينية.

وقال احد الدبلوماسيين العرب: «قلنا لهم دعونا نركز عيوننا على الكرة.. ولا نسمح للآخرين بتشتيت انتباهنا. وسيكون جيداً اذا استطعنا دفع عملية السلام كجهد موازٍ».

ويعتقد بعض الدبلوماسيين العرب والأوروبيين ان طفرة حقيقية في عملية السلام يمكن تحقيقها حتى في خضم التعبئة الحالية لمحاربة الارهاب.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»