واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون يشددون الحصار على مصادر تمويل المنظمات الإرهابيةوالقمة الآسيوية تبحث المشاركة في الحرب الاقتصادية

TT

تواصلت الحرب ضد الارهاب على الجبهة الاقتصادية بقصد قطع الموارد المالية للمشتبه في تورطهم في أحداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول). فقد أعلن الرئيس الاميركي جورج بوش عن «تقدم» جديد في هذا الاطار تمثل بتجميد مايزيد عن 6 ملايين دولار موزعة في 50 رصيداً مصرفياً في أنحاء العالم. وقال ان بلاده قد جمدت 30 حساباً في بنوك أميركية، بينما تم اغلاق 20 حساباً آخر في دول أجنبية، باعتبار أن أصحاب هذه الحسابات من أشخاص وتنظيمات من المتهمين بالتورط في الارهاب. ويّذكر أن هذه التصريحات جاءت بعد أسبوع واحد من اتخاذ الرئيس بوش قراراً بتجميد ممتلكات اسامة بن لادن، اضافة الى 26 فرداً ومنظمة مختلفة. وأشارت مصادر في وزارة الخزانة الاميركية الى أن عشرين دولة، بينها الامارات العربية المتحدة والباكستان عمدت الى تجميد حسابات الافراد والمنظمات الـ27 المذكورة. كما أعلنت المصارف المركزية في البحرين وقطر واليمن والسعودية والكويت عن عزمها على تجميد حسابات الجهات المشبوهة بمساعدة الارهاب الواردة أسماؤها في القائمة المذكورة. وتنفيذا لقرار التجميد، بادر بنك «كريديت ليونيز» الفرنسي الى تجميد الموجودات العائدة الى «بنك الشمال» السوداني المتهم بتسهيل نشاطات بن لادن. وقد حذت مصارف هولندية حذو البنك الفرنسي، اذ أفادت تقارير أن مؤسسات مالية هولندية تركز حالياً جهودها على اكتشاف شبكة المصارف الاوروبية التي قامت بتعاملات مالية مع بنك الشمال، الذي يُعتقد أن بن لادن قد أسسه أثناء وجوده في السودان في التسعينات بمبلغ 50 مليون دولار.

ونص القرار الذي أصدره الرئيس الاميركي على منع أي مواطن أميركي من التعاطي مع الافراد او المؤسسات المدرجة أسماؤهم في قائمة الحسابات المجمدة. وأضاف بوش «لقد بدأنا للتو» في مكافحة الارهاب اقتصادياً، محذراً اي مصرف أجنبي من مغبة التعامل مع بن لادن لأن ذلك سيؤدي الى اغلاق ابواب الولايات المتحدة في وجهه.

وكان مجلس الامن الدولي قد وافق يوم الجمعة الماضي بالاجماع على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة، ويقضي بحظر دعم الارهاب مادياً او معنوياً. وبموجب القرار صارت كل دولة مطالبة باعتبار التمويل «عن قصد» للارهاب جريمة يعاقب عليها القانون، وبتجميد الحسابات ذات الصلة بالارهاب والارهابيين تجميداً فورياً. كما يُلزم القرار الدول كافة بمنع حركة الاشخاص والمجموعات المشتبه في تورطهم في ممارسة الارهاب. ويشدد على ضرورة اتخاذ اجراءات من شأنها أن تمنع تحول دولة بعينها الى «ملجأ آمن» للارهاب، في الوقت الذي يطلب من الجميع الاسراع بتبادل المعلومات، خصوصاً ما يتعلق منها بنشاط وحركة الارهابيين. ويُذكر أن الامم المتحدة قد سمت العام الماضي 160 شخصاً ومنظمة على صلة بـ«طالبان» بينها بن لادن والخطوط الجوية الافغانية والبنك الافغاني الوطني.

ومن جهته، اعتبر ديفيد ديفيز، المتحدث باسم وزارة الخزانة الاميركية، أن هذه الاجراءات تمثل «الفقرة الاخيرة في عملية بناء تحالف دولي لقطع الموارد المالية عن الارهابيين». وقد اعتذر المتحدث عن عدم التعليق على تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» حول استعدادات تتخذها الادارة الاميركية بهدف توسيع نطاق عملية تجميد الحسابات، بحيث تشتمل على حوالي عشرين منظمة خيرية ومجموعة يعتقد أنها على صلة بعمليات بن لادن الارهابية. والجدير بالذكر أن مكافحة الارهاب على الصعيد المالي عالمياً اكتسبت أهمية خاصة بعدما كشفت التحقيقات الاميركية عن أن خاطفي الطائرات التي ضربت برجي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاغون، قد حصلوا على الاموال اللازمة لتنفيذ العملية من حسابات مصرفية في المانيا وسويسرا وبريطانيا والامارات العربية المتحدة. وقد أصدرت حكومات هذه الدول، اضافة الى فرنسا، تعليمات مشددة الى مؤسساتها المالية تنص على ضرورة ابلاغ السلطات المختصة عن اية تعاملات مالية يشتبه في وجود صلة لها بالارهاب. ونظراً لوجود بعد أوروبي لمصادر تمويل الارهاب، قررت الحكومات الاوروبية توسيع دائرة التحقيقات لتضم 170 جهة أخرى فضلاً عن الـ27 فرداً ومنظمة سماها الرئيس بوش في قراره. ومحاولة الاوروبيين قطع الموارد المالية عن الارهاب ليست جديدة تماماً، اذ تُقدر الموجودات المشبوهة التي تم تجميدها في مصارف فرنسية والمانية وبريطانية وسويسرية في الاشهر الاخيرة بحوالي 100 مليون دولار.

واكد امس رومانو برودي رئيس المفوضية الأوروبية، ان دول الاتحاد الـ15 ستعمد الى ابقاء قائمة المتهمين بمساعدة الارهاب مفتوحة، بهدف ضم اسماء اخرى قد تكشف عنها التحقيقات الراهنة في انحاء اوروبا. وقد دعت المفوضية الى عقد اجتماع طارئ للبرلمان الأوروبي للمصادقة على قائمة الأرصدة المجمدة، على امل وضع القرار موضع التطبيق في الدول الاعضاء خلال الاسبوع القادم.

وعلمت «الشرق الأوسط» ان مصارف اوروبية، لا سيما البلجيكية منها، قد بدأت بفتح ملفات عملائها ممن يحملون اسماء عربية او اسلامية وقامت بمساءلة بعضهم لأسباب عزتها الى أن هذه الاجراءات منسجمة مع مساعيها لمكافحة الارهاب.

وكان وزير المالية البريطاني غوردون براون قد اكد اول من أمس أن بلاده قد جمدت في هذا الاطار حسابات منظمات واشخاص بقيمة 88 مليون دولار. وقالت مصادر في وزارة المالية البريطانية ان معظم الحسابات المجمدة مدرجة في القائمة الصادرة عن الامم المتحدة العام المنصرم. وزادت: ان لندن قد أعطت التوجيهات اللازمة للمؤسسات المالية البريطانية لتجميد الحسابات الواردة في الامر الرئاسي الاميركي. ولفتت الى أن الحكومة البريطانية عمدت في أعقاب الضربات الارهابية الاخيرة الى البدء بتحقيقات مكثفة عن مصادر العملات التي يتم تحويلها في محلات الصرافة في البلاد. واشارت الى وزارة المالية تقدر أن 65 في المائة من هذه العملات يأتي من مصادر غير مشروعة من قبيل الاتجار بالمخدرات والدعارة. ولم تستبعد المصادر البريطانية وجود صلة خفية بين سوق الصرافة والارهاب.

الى ذلك، اعلن وزير المالية الالماني هانس ايخيل أمس أن بلاده ستنضم الى بريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي في تطبيق اجراءات عملية مشددة لحرمان الارهاب من موارده المالية. وأضاف ان هذه الخطوات تشتمل على تأسيس وحدة للاستخبارات المالية من شأنها أن تنسق بين التحقيقات الجارية في أنحاء القارة حول مصادر الارهاب المالية. وتجدر الاشارة الى أن ألمانيا عمدت الى اغلاق 13 حساباً مصرفياً يعود الى اشخاص تعاملوا مع محمد عطا، المتهم بالاشتراك في عمليات نيويورك وواشنطن.

ومن ناحية ثانية، دعا امس مخاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الدول الاعضاء في منظمة «اتحاد أمم جنوب شرق آسيا» العشر، الى دعم الجهود الرامية الى استئصال شأفة الارهاب. واكد مخاتير الذي كان يتحدث عشية انعقاد مؤتمر القمة لقادة الدول الاعضاء في بروناي، ضرورة اتخاذ اجراءات جديدة لمكافحة الارهاب. ولم يستبعد مراقبون ان كيفية مساهمة هذه الدول في الحرب الاقتصادية على الارهاب ستكون في طليعة المسائل التي سيناقشها القادة، خصوصا ان بعض هذه الدول مشهورة بتطور مؤسساتها المالية المنوعة.