الحرب الجديدة لن تكون منقولة عبر الفضائيات مثلما كان الشأن في حرب الخليج

TT

تغطية وسائل الإعلام لأحداث حرب الخليج عامي 1990 و1991 نقلت لأول مرة ومن خلال شاشات التلفزيون احداث حرب حقيقية الى داخل منازل المشاهدين. فقد تابع الناس عبر شاشات التلفزيون اتجاهات الرصاص وانفجارات القذائف إلى جانب مختلف انواع النيران فوق سماء بغداد فيما افرغت الطائرات القاذفة للقنابل حمولاتها من الصواريخ الموجهة.

وقد اضطر المراسلون الذين اتخذوا مواقع لهم على اسطح الفنادق للفرار من مواقعهم بغرض حماية انفسهم من نيران القصف. ونقلت شاشات التلفزيون كذلك الدمار الذي خلفته صواريخ «سكود» العراقية التي تسببت في قتل عدد من العسكريين الاميركيين في الظهران، كما ظهرت كذلك مشاهد الجنود الذين كانوا يرتدون الاقنعة الواقية من الغازات السامة. وكانت تلك المشاهد ضمن تغطية لأحداث حرب حقيقية اضطرت الاميركيين للبقاء لساعات طويلة داخل منازلهم، مما ادى الى تحويل مراكز التسوق في الولايات المتحدة الى مدن اشباح مهجورة. ترى، هل يتكرر ذات الشيء مجددا هذه المرة؟

المسؤولون الرسميون ومعظم المراقبين يجيبون بالنفي. فقد قالت، فيكتوريا كلارك، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، ان حملة الولايات المتحدة المرتقبة ضد الارهاب «ليست حرب الخليج». وقالت كلارك في لقاء لها مع حوالي 40 مسؤولا اعلاميا قبل بضعة ايام ان الحملة المرتقبة ضد الارهاب ستكون في شكل «اعمال على مستوى متقطع». ووصفت كلارك ومسؤولين في دوائر الاستعلامات العسكرية الاميركية القيود التي ستجعل من النزاع المرتقب حربا غير تقليدية، اذ قال العقيد توماس بيجينز، مدير الاستعلامات العسكرية، ان وزارة الدفاع الاميركية لن تفصح عن تفاصيل التقنيات العسكرية المستخدمة في العمليات الخاصة لأن ذلك يعني عدم امكانية استخدام هذه التقنيات مستقبلا. الجدير بالذكر ان وزارة الدفاع كانت قد أعلنت عن أول قاعدة حول المعلومات تتمثل في أن «نقل الاخبار بصورة مفتوحة ومستقلة سيكون الوسيلة الرئيسية للتغطية الاعلامية للعمليات العسكرية الاميركية». ولكن حتى قبل يبدأ أي قتال في افغانستان، فقد اصبحت هذه القاعدة من «ضحايا الحرب»، اذ رفض البنتاغون من جانبه الادلاء بأي معلومات حول تحركات القوات.

وفيما أكد مسؤولون في دوائر الاستعلامات العسكرية الاميركية أنهم سيعلنون قائمة الخسائر بكل وضوح، فإنهم اشاروا الى ان ذلك لا يعني بالضرورة الإعلان عن «مكان وقوع الخسائر». يضاف الى ما سبق انه ستكون هناك في الغالب بعض القيود على استخدام اسماء افراد القوات المسلحة في التقارير الاخبارية. وقد اشار بيجينز الى ان ذكر الاسماء والمدن في هذه التقارير ربما يدفع الى ارتكاب اعمال انتقامية من جانب الارهابيين المحليين. وعلق ستيفن هيس، المحلل الاعلامي بمعهد بروكينجز الاميركي، بقوله انه لن تكون هناك «حرب سي.إن.إن» كما كان عليه الحال في السابق، وانما سيكون التركيز بصورة رئيسية على الإبلاغ المتكرر من البنتاغون الى جانب مناقشات مراكز البحوث والمراكز المتخصصة والشائعات والثرثرة والنزعة نحو التأثير على الرأي العام.

ويتوقع هيس، من جانبه، ان يؤدي نقص المعلومات لدى وسائل الاعلام الى اثارة التوتر بينها وبين البنتاغون. واضاف ان الشارع لن يكون متعاطفا مع وسائل الاعلام. ومن المحتمل ان تظهر «حرب الارهاب» حدود استخدام وسائل الاعلام الالكترونية لنقل احداث العنف.

وثمة اختلاف آخر يتمثل في ان مضي عشر سنوات على حرب الخليج ادى الى ازدياد رغبة القنوات التلفزيونية في نقل اكثر التصريحات والانباء الأكثر إثارة. كما ازداد عدد القنوات المخصصة لنقل الاخبار على مدار الساعة، اذ بعد ان كانت حكرا على شبكة «سي.إن.إن» برزت أسماء أخرى مثل «ام.اس.إن.بي.سي» و«فوكس نيوز» و«سي.إن.بي.سي» الى جانب قنوات اخرى.

ويضاف الى ما سبق ان وجود الصحافة التي تحرص على نقل آخر الأخبار وأحدثها ستفاقم من التوتر بين البنتاغون ووسائل الاعلام. ويعتقد مراقبون ان الحرب ضد الارهاب قد تعطي وسائل الاعلام المقروء فرصة ايجابية في مواجهة الاعلام المرئي، فقد وصل الى منطقة شمال افغانستان وتاجيكستان وباكستان آلاف المراسلين خلال الفترة السابقة. اما في ما يتعلق بالانباء التلفزيونية حول ما يتوقع مستقبلا، فإنها في الغالب عبارة عن تقارير تقريبية وناقصة وغير مؤكدة للمراسلين من اماكن نائية من خلال تكنولوجيا «الفيديوفون» الذي لا يتحرك بالطبع مثل كاميرا التصوير التلفزيوني المحمولة على الكتف.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»