قادمون من أفغانستان: حالة فزع في قندهار وطالبان تدهم مساجد ومساكن بحثا عن «متطوعين»

TT

طبقا للقاءات اجريت مع لاجئين وتجار قدموا الى باكستان اخيرا من افغانستان فإن مدينة قندهار، منشأ وعاصمة ميليشيات طالبان الحاكمة، تشهد حالة من الفزع فيما انشغلت قوات الحركة بالاستعداد لهجوم مرتقب من الولايات المتحدة. واكد القادمون ان بعض مناطق المدينة، التي كانت في السابق تعج بالحركة المستمرة، اصبحت مهجورة بعد ان تركها السكان الى القرى النائية فيما اصبحت اجزاء اخرى من المدينة اشبه بالمخيمات العسكرية حيث وزعت الدبابات على الشوارع، كما اقيمت عشرات نقاط التفتيش في عدد من تقاطعات المدينة التي تجوب شوارعها الآن دوريات من الشباب والرجال الذين يحملون بنادق «كلاشنيكوف» ويطلقون بصورة متكررة اعيرة نارية في الهواء. ويقول غلام حيدر (60 عاما)، الذي عبر الحدود الباكستانية قبل يومين قادما من مدينة قندهار، ان ميليشيات طالبان في المدينة تعد لحرب متوقعة. وقال مسافرون ولاجئون وصلوا الى باكستان في الايام الاخيرة، ان مسلحي طالبان بدأوا يجمعون اعداداً من الشباب من المساجد والمدارس الدينية والشوارع في مختلف المدن الافغانية بغرض تجنيدهم لحمل السلاح للوقوف في وجه الهجوم المرتقب.

وترسم التفاصيل التي ادلى بها القادمون من قندهار صورة قاتمة للاوضاع المتردية اصلا في بلد يسير في اتجاه اضطراب جديد. ويقول لاجئون من بعض المجموعات القبلية التي تشكل اقلية، انهم فروا من ديارهم بالملابس التي يرتدونها فقط وتركوا كل شيء وراءهم، مؤكدين انهم لم يفروا خوفا من الصواريخ والقنابل الاميركية وانما من أي اعمال انتقامية محتملة ترتكبها قوات طالبان ضدهم. ويقول آخرون انهم فروا من البلاد هربا من موجة الجفاف الحالية والتردي الاقتصادي وليس بسبب الخوف من هجوم عسكري محتمل. اذ يقول امين بيغوم (45 عاما)، الذي فر من العاصمة كابل بواسطة حافلة صغيرة بعد ثلاثة ايام من الهجوم الارهابي على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، ان هناك موجة خوف واسعة وان الكل يريد الفرار. ولم ينتشر الذعر والهلع غداة الهجوم الارهابي الاخير على الولايات المتحدة في أي مكان في افغانستان مثل انتشاره في قندهار التي تملكت سكانها حالة من الفزع، اذ ان قندهار لا تزال العاصمة الروحية والمركز الحكومي لحركة طالبان الحاكمة. ففي هذه المدينة التي حظرت السلطات استخدام اجهزة التلفزيون او الانترنت فيها، وصلت اخبار الاعتداءات التي وقعت في نيويورك وواشنطن الشهر الماضي عن طريق راديو هيئة الاذاعة البريطانية باللغة الباشتونية، وعقب دقائق فقط انتشرت وسط سكان المدينة حالة من الذهول والهلع. وقال اولار صادق (23 عاما)، وهو من سكان قندهار كان في زيارة عمل خلال نهاية الاسبوع الاخير، ان الاحياء المحيطة بمنازل ومكاتب قيادات حركة طالبان، بمن في ذلك الملا محمد عمر، اخليت تماما عقب دقائق فقط من اذاعة انباء الهجوم على واشنطن ونيويورك. واضاف ان مسؤولي الحركة ارسلوا زوجاتهم واطفالهم الى باكستان او الى القرى النائية. وادلى صادق بهذه التعليقات خلال عبوره النقطة الحدودية التي ظلت مفتوحة امام حركة الناس والبضائع رغم زعم باكستان بأنها اوقفت هذه الحركة.

وكانت سلطات طالبان قد اغلقت صباح الاربعاء الماضي جميع المدارس الدينية في قندهار وامرت طلابها ببدء تدريب عسكري عاجل، علما بأن الحركة زودت بالسلاح كل المتطوعين في المدينة. واعلنت الحركة من خلال مكبرات الصوت من المساجد ان على كل الرجال الذين لا يرغبون في القتال مغادرة المدينة. ومع ازدياد عدد السكان الذين تركوا ديارهم وهجروا مدينة قندهار، غيرت الحركة من اساليبها وشرعت في تجنيد كل الرجال حتى الذين يرفضون القتال. وطبقا لما ورد في خطاب ارسله شاب من داخل قندهار الى اقرباء له يعيشون في مدينة كويتا، التي تقع على بعد ساعتين ونصف الساعة من الحدود الافغانية جنوب غربي باكستان، فإن جنود طالبان دخلوا مرة مسجدا وقت الصلاة وطلبوا من الشباب الموجودين المشاركة في «المعركة القادمة». ويقول اقرباء الشاب الافغاني ان كل من هم في سنه آثروا الاختباء في منازلهم خوفا من اقتيادهم من الشوارع واجبارهم على حمل السلاح. ويقول اللاجئون ان الخوف كان السبب وراء اغلاق الكثيرين لمتاجرهم مما جعل اجزاء من المدن الكبيرة تبدو وكأنها مهجورة تماما. ولكن هناك الكثير ممن لا ينتظرون الحرب من بين المجموعات التي تحكمها حركة طالبان. فأفراد مجموعة فارسيبان القبلية، التي تعارض غالبية القيود الاجتماعية والتعليمية التي تفرضها الحركة، تركوا المنازل والشوارع خاوية. بيد ان تكلفة العبور الى باكستان، التي تقدر بحوالي 50 دولارا اميركيا، يساوي عمل اكثر من شهر بالنسبة لأرملة مثل «شيماء» التي تغسل الملابس وتنظف المنازل وتتسول في الشوارع لإعالة اطفالها الثلاثة. بعض الجيران المتعاطفين معها قدموا لها يد المساعدة حتى تتمكن من اكمال المبلغ اللازم لعبورها واطفالها الى باكستان. لم ينقص المبلغ الا قليلا فقط، غير ان سائق السيارة التي من المفترض ان تسافر عليها في رحلة العبور الى بر الأمان رفض ان يحمل متعلقاتها الهزيلة. تقول شيماء انها تركت ملابسها وليس لديها من المال ما يمكنها من جلب هذه الملابس. وفي الوقت الذي تأتي فيه الاغلبية من اللاجئين القادمين الى باكستان من اقليم قندهار فإن البعض قاموا برحلة اكثر مشقة من كابل. والسبب وراء ذلك هو انهم سمعوا انباء تفيد بأن الحدود في الجنوب الغربي اسهل عبورا من المناطق الاكثر وعورة في الشمال، التي تؤدي الى بيشاور.

وذكر خير محمد (25 عاما) انه فر من كابل بعدما تمكن من الهرب من التجنيد على يد قوات طالبان. وقال ان ستة من مسلحي طالبان وصلوا الى مسكنه واصطحبوه الى غرفة في مبنى لا يعرفه، حيث وجد 9 اشخاص اخرين.

واوضح محمد انهم لم يهتموا بأعمار المجندين او الجماعة العرقية التي ينتمون اليها فقد كانوا يجندون الرجال الكبار والاولاد. وقال انه اقنع الحرس من رجال طالبان انه يؤيد التجنيد وسمح له بترك المبنى ليؤدي عملا كان من المفروض ان يقوم به. وبدلا من ذلك اخذ زوجته وثلاثة اولاد واسرع بالخروج من المدينة.

وتجدر الاشارة الى ان الامدادات الغذائية عبر افغانستان، التي تعاني من واحدة من اسوأ موجات الجفاف في سنوات طويلة، تتناقص بسرعة. وذكر السائقون والتجار الذين يقومون برحلات منتظمة الى قندهار ان المحاصيل والمخزونات في الاسواق المحلية تتلاشى بعدما بدأ السكان في تكديس المواد الغذائية وتقييد باكستان شحن البضائع الجديدة الى افغانستان. وذكر محمود وهو مزارع من قندهار يبلغ عمره 18 سنة «لقد تناقصت المواد الغذائية في السوق بالفعل». ففي كابل ارتفعت اسعار المواد الغذائية بنسبة تتراوح بين 20 الى 24 في المائة في الايام القليلة الماضية، طبقا للمسؤولين في برنامج الغذاء العالمي، الذي ارسل قوافل محملة بـ200 طن من القمح وغيرها من المواد الغذائية الى كابل وهراة يوم الاحد الماضي كما بعث بقافلة من 19 شاحنة تحمل 500 طن من بيشاور الى كابل اول من امس.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»